تركيا تتجاوب مع الضغوط الغربية وتفرض 3 شروط للمشاركة في الحرب على «داعش»

سحبت حرس الحدود واستبدلت بهم الجيش.. وهيئة الأركان تطالب بوجود بري لفرض المنطقة العازلة

أكراد في الجانبين السوري والتركي يحاولون فتح ثغرة في الجدار الفاصل بين البلدين أمس.. وتمكن لاحقا المئات من العبور إلى سوريا لمقاتلة «داعش» (أ.ف.ب)
TT

واصلت تركيا استدارتها في ملف «محاربة الإرهاب»، استجابة للضغوط الغربية المتزايدة عليها لاتخاذ موقف أكثر وضوحا، بالتزامن مع ضغوط داخلية من المعارضة العلمانية، ومن الأكراد الذين يهددون بعودة «الحرب» في حال لم تتخذ أنقرة موقفا أكثر وضوحا في مساعدة أكراد سوريا في مواجهة التنظيم المتشدد.

لكن الاستدارة التركية في هذا الملف لم تتضح بعد أبعادها وحدودها؛ ففي حين أعلن رجل تركيا القوي، رئيس الجمهورية رجب طيب إردوغان، أن موقف بلاده حيال «تنظيم (داعش) تغير بعد الإفراج عن الرهائن الأتراك»، قائلا فور عودته من نيويورك، حيث شارك في جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة: «لقد تغير موقفنا الآن، والمسار التالي سيكون مختلفا كليا»، عاد رئيس الحكومة أحمد داود أوغلو، ليضع شروطا أمام مشاركة بلاده الفاعلة في دعم أي عمل عسكري، وهي أن يحمل التحالف الدولي «تصورا لجلب الهدوء والاستقرار إلى المنطقة في نهاية المطاف»، في إشارة إلى مصير النظام السوري، وموقعه من الحرب، كما أكدت مصادر رسمية تركية لـ«الشرق الأوسط»، وعدّت أن إزاحة «داعش» وإبقاء الأسد «يفقد أي عملية مصداقيتها».

وقالت المصادر إن خطط المنطقة العازلة جاهزة لدى وزارة الخارجية، وهي تنتظر فقط القرار السياسي، مشيرا إلى أن رئاسة الهيئة العامة لأركان الجيش وضعت خططا لمواجهة المستجدات، ورسمت سيناريوهات مفترضة للتعامل مع الأزمة، وأوضحت أن هذه الخطط سوف تُعرض على البرلمان التركي لطلب التفويض بالتدخل.

وأوضح إردوغان أن مشروع تفويض للتدخل في سوريا والعراق سيطرح على البرلمان في الثاني من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، في إشارة إلى تجديد التفويض الممنوح للجيش التركي بالتدخل في البلدين حفاظا على «الأمن القومي التركي».

وأوضح أنه فور إقرار التفويض ستتخذ الإجراءات الضرورية. وفيما لمحت مصادر تركية قريبة من إردوغان إلى أن التفويض سيكون أساسا لمشروع إقامة منطقة عازلة في الأراضي السورية بعمق يتراوح بين 5 كيلومترات و40 كيلومترا، أشارت مصادر تركية مطلعة إلى أن هذا السيناريو «يحتاج إلى قرار دولي»، مستبعدة قيام أنقرة بذلك منفردة. وقالت المصادر إن شروط تركيا الـ3 للمشاركة في أي عمل دولي إقامة منطقة عازلة، وتوضيح موقع النظام السوري، وعدم وصول الأسلحة إلى أيدي المقاتلين الأكراد.

وأوضحت مصادر تركية مطلعة أن كبار قادة الأركان ناقشوا الخطط الواجب اتباعها والخيارات المحتملة وفقا لأكثر من سيناريو، موضحة أن الجيش التركي أبلغ القيادة السياسية أنه يفضل وجودا بريا على الأرض في حال أقرت المنطقة العازلة، لأن منع الطيران وحده لا يكفي لحماية المدنيين السوريين والحدود التركية.

وأشارت المصادر إلى تقديرات بالحاجة إلى نشر أكثر من 5 آلاف جندي، قد يزداد عددهم في حال كانت المنطقة العازلة بعمق كبير.

وفي حين تواصلت الضغوط السياسية الغربية على تركيا، التي تمثلت بتكثيف الاتصالات الأميركية مع المسؤولين الأتراك، ووصول وصل وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف أمس إلى أنقرة من أجل دفع تركيا إلى التعاون بشكل أفضل في محاربة الشبكات الجهادية، بعد خلل دبلوماسي أمني صاحب رجوع 3 فرنسيين إلى بلدهم.

وأبدى كازنوف عزمه اتخاذ خطوات من أجل «تحسين الاتصالات» بين أجهزة الاستخبارات في البلدين، في مجال محاربة الشبكات الجهادية. وفي هذه الأثناء، كانت التطورات الميدانية تسابق السياسية، حيث أصدرت الهيئة العامة لأركان الجيش التركي أمرا بسحب جنود حرس الحدود من أبراج المراقبة، بعد وصول مقاتلي تنظيم «داعش» إلى الحدود التركية، ونشر المدرعات على الخط الحدودي.

وبينما وضعت المدافع والقاذفات على تلال مسيطرة، طلبت القوات إخلاء جنود حرس الحدود مواقعهم وأبراج الحراسة لسلامتهم، وكلفتهم بحراسة عربات المدرعات التي نشرتها على الحدود، ومراقبة الجانب السوري وإعداد تقارير لحظة بلحظة عن آخر الأوضاع ويقدمونها لقادتهم.

وفي المواقف، أوضح رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، أن من شروط بقاء تركيا جزيرة استقرار في المنطقة، تأمين الهدوء والاستقرار في محيطها، مضيفا: «إذا كان أي عمل عسكري، أو حل، يحمل تصورا لجلب الهدوء والاستقرار إلى المنطقة في نهاية المطاف، فإننا نؤيد ذلك، لكن في حال تبني مقاربة تستند إلى حلول مؤقتة، بهدف إرضاء الرأي العام، حاليا، فإننا نعلن بكل صراحة قناعتنا حيال ذلك». أما وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، فقد أكد بدوره أن تركيا ماضية في محاربة التنظيم المتطرف.

وقال في تصريح له أمس إن تركيا أدرجت قبل نحو عام تنظيم «داعش» على قوائم التنظيمات الإرهابية، قبل أن يسمع العالم باسم هذا التنظيم. وشدد على أن موقف تركيا من الجماعات، والتنظيمات الإرهابية واضح للغاية، مضيفا: «والآن بدأت الولايات المتحدة وأصدقاؤنا من الدول الغربية يقولون إن المواقف التركية السابقة بخصوص الإرهاب كانت صائبة، وكانت هذه الدول التي بدأت تتحرك الآن لاستهداف التهديدات الإرهابية لها، تتبنى من قبل مواقف مغايرة».

وأشار جاويش أوغلو إلى أن «مواقف تركيا المبنية على مبادئ، مستمرة، ولم تتغير، وأنه لم يطرأ أي تغيير على آرائها بخصوص أي قضية من القضايا، ولا سيما الإرهاب»، مضيفا: «كما أننا لم نفرق بين الجماعات، والتنظيمات الإرهابية، ولم نحابِ أي جماعة، أو تنظيم إرهابي، لمجرد أنه يحارب (داعش)، فكلهم عندنا سواء».

وفي الإطار نفسه، أكد نائب رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم بشير أطالاي، أن تركيا ضد «داعش»، وستقوم بكل ما يترتب عليها من واجبات في هذا الشأن.

وقال إن «تركيا طالبت الأمم المتحدة من قبل بإقامة منطقة عازلة لحماية السوريين الفارين من الحرب»، لافتا إلى أنه من الضروري العمل على إقامتها الآن وفي داخل الأراضي السورية، حتى يبقى السوريون داخل أراضيهم ولا يتعرضون لأي مشاكل.

وأشار إلى أن تركيا واحدة من الدول التي حذرت من خطر التنظيم، لأنها ضده، وستعمل كل ما يميله عليها واجبها إزاء ذلك، موضحا أن بلاده تعارض وبشدة توجه أي شخص للقتال في سوريا عبر المرور بأراضيها.