الغارات الإسرائيلية تبعد 40 كيلومترا عن خط التهريب التقليدي لصواريخ حزب الله

ممرات إمداد السلاح للحزب من سوريا إلى لبنان مهددة بسبب سيطرة المعارضة على مناطق حدودية

طائرتان إسرائيليتان كما ظهرتا فوق جبل الهيكل أول من أمس قبل أن تتوجها لضرب مواقع عسكرية في ريف دمشق (إ.ب.أ)
TT

جدّدت الرواية الغربية عن قصف الطائرات الإسرائيلية لشحنة أسلحة موجودة في سوريا، كانت موجهة إلى حزب الله اللبناني، أسئلة جديدة عن خطوط تهريب الأسلحة النوعية لحزب الله، بعد سيطرة المعارضة السورية على أجزاء واسعة من المنطقة الحدودية مع لبنان، وتحول بعض المناطق الحدودية إلى مواقع اشتباك مستمر، ما يشكل عقبة لوجستية أمام تهريبها.

ولم تؤكد السلطات السورية، أو حليفها اللبناني، استهداف شحنات أسلحة، إذ اكتفت دمشق بالإعلان عن أن المنطقة المستهدفة يسكنها مدنيون. لكن ناشطين ومصادر في المعارضة السورية، يؤكدون أن منطقة الديماس تعتبر منطقة عسكرية مغلقة: «تخضع لسيطرة الفرقة الرابعة» في القوات الحكومية التي يرأسها ماهر الأسد، شقيق الرئيس السوري بشار الأسد، وأنها تبعد مسافة 40 كيلومترا عن خطوط التهريب التقليدية بين سوريا ولبنان، وهي خط الزبداني (غرب دمشق) وصولا إلى الحدود اللبنانية.

وتعد خطوط التهريب من ريف دمشق الغربي إلى مناطق البقاع اللبناني (شرق لبنان)، الخط التقليدي لتهريب الأسلحة، كما يقول ناشطون سوريون. وتمر الأسلحة في مناطق عسكرية في جنوب القلمون الواقع غرب دمشق، عبر ممرات سرية في الزبداني وصولا إلى القرى والمناطق اللبنانية الحدودية مع سوريا، وهي بمعظمها قرى وبلدات تعتبر الحاضنة الشعبية لحزب الله اللبناني، كما تتضمن مقرات تدريب للحزب. وقد شهدت هذه المناطق اشتباكات مع قوات المعارضة السورية في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، كما تعرضت لقصف إسرائيلي هو الأول من نوعه منذ صيف العام 2006 في شهر فبراير (شباط)، وقيل بأنها استهدفت مقرا عسكريا لحزب الله.

وإضافة إلى مقرات حزب الله، تتواجد في الجانب اللبناني من الحدود مقرات عسكرية في هذه المنطقة المقابلة لسرغايا والزبداني السورية، تسيطر عليها قوات تابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (القيادة العامة) الموالية لدمشق، وتقع في منطقة قوسايا اللبنانية. وتعتبر امتدادا جغرافيا لسلسلة الجرود والتلال السورية في الزبداني.

وتقول مصادر قيادية في الجيش السوري الحر لـ«الشرق الأوسط» إن عمليات التهريب تسهل من القلمون باتجاه البقاع اللبناني «كون مناطق القلمون تعتبر الحاضنة الأساسية لمخازن السلاح الاستراتيجي السوري، بينها الصواريخ المتوسطة المدى وأنظمة الدفاع الجوي»، مشيرة إلى أن تلك الجبال الشاهقة «محمية بعناصر اللواء 155 والفرقة الثالثة كما تتضمن مقرات للفرقة الرابعة، وتعتبر استراتيجيا الحامية الثانية عن دمشق، بعد البقاع اللبناني، لصد أي اعتداءات جوية إسرائيلية على العاصمة، وذلك منذ وقت بعيد»، علما بأن الحامية الأولى كانت في مواقع دفاع جوي في سهل البقاع اللبناني، قبل أن تنسحب القوات السورية منه في أبريل (نيسان) 2005. وتحول سلسلة جبال القلمون إلى خط الدفاع الأول عن العاصمة السورية.

أمام هذا المشهد، تقول المصادر نفسها إن خطوط تهريب السلاح إلى حزب الله «من الطبيعي أن تكون من هذا الطريق كونها بعيدة عن الرقابة الإسرائيلية (باستثناء الرقابة الجوية والأقمار الاصطناعية)، كما تسهل نقل الذخيرة من المستودعات العسكرية إلى حزب الله».

وجاءت الضربة الإسرائيلية على مسافة تبعد 40 كيلومترا عن خط التهريب من الزبداني إلى الأراضي اللبنانية. وفيما تقول مصادر الجيش السوري الحر إن منطقة الديماس المستهدفة، الواقعة غرب دمشق، تتضمن مطارا شراعيا يستخدم كمطار للتدريب العسكري، كما تتضمن منشآت عسكرية ومباني محصنة، يوضح مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن منطقة الديماس «تتضمن مستودعات أسلحة، وبينها مستودع واحد على الأقل للصواريخ»، مشددا في الوقت نفسه على أن أيا من الناشطين يعرف ماهية الأسلحة أو أنواع الصواريخ الموجودة في تلك المخازن.

ويقول عبد الرحمن إن هذه المستودعات «قديمة» وغالبيتها بات مخازن لسلاح حزب الله اللبناني، لافتا إلى أن بعضها كما يُعتقد «يديره مقاتلون في حزب الله، رغم أن المنطقة خاضعة عسكريا للفرقة الرابعة». وينقل معلومات عن أن حزب الله «يجمع في تلك المستودعات الصواريخ قبل نقلها إلى الأراضي اللبنانية». كما يشير إلى سقوط قتلى لحزب الله في استهداف منطقة الديماس.

ويقول عبد الرحمن إن القصف الذي استهدف المنطقة العسكرية في مطار دمشق الدولي «طال مستودعات الصادرات والواردات للجيش في المطار»، لافتا إلى أن تلك المهاجع «كانت تحوي مؤنا ومعدات، ولم يسجل قصف سلاح استراتيجي فيها».

ويتعزز الاعتقاد بأن شحنات أسلحة استهدفت، استنادا إلى إعلان سابق للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الذي كشف في شهر مايو (أيار) 2013 بعد أيام على استهداف الطائرات الإسرائيلية مركز البحوث العلمية في جمرايا في ريف دمشق، أن «المقاومة وسوريا لن ترضخا للمعادلة الجديدة، وأنهما ستتجاوزانها من خلال نقل أسلحة تصنفها إسرائيل كاسرة للتوازن».

وتستبعد مصادر الجيش السوري الحر أن تكون خطوط الإمداد تقع جنوب نقطة المصنع اللبناني، في مناطق محاذية لسلسلة جبال حرمون وجبل الشيخ التي تفصل بين لبنان وسوريا. فهذه المنطقة من الناحية العسكرية «غير جائزة لأسباب جغرافية، نظرا إلى طبيعتها المعقدة، كما لأسباب أمنية كونها قريبة من المواقع الإسرائيلية على حدود هضبة الجولان جنوبا»، كما تقول المصادر.

ورغم أن إسرائيل الرسمية، كعادتها، تمتنع عن تأكيد أو نفي أنها نفذت هذه الغارات، لمح وزير شؤون الاستخبارات الإسرائيلي، يوفال شطاينيتس، أمس الاثنين، بعلاقة حكومته بهذه العملية فقال: إن «إسرائيل لديها سياسة متشددة بشأن منع نقل أسلحة متطورة لحزب الله». لكنه رفض تأكيد أو نفي مسؤولية إسرائيل عن الغارات. وقال شطاينيتس للإذاعة العبرية إن «إسرائيل لديها سياسة أمنية متشددة جدا، وتحاول قدر الإمكان منع نقل أسلحة متطورة وكاسرة للتوازن إلى تنظيمات إرهابية».

وتطرق شطاينيتس إلى اتهامات سياسيين إسرائيليين لرئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، بأنه أمر بتنفيذ الغارات قرب دمشق من أجل تحقيق مكاسب سياسية في الانتخابات العامة الإسرائيلية القريبة، ووصف هذه الاتهامات بأنها «سخيفة ومهينة للذكاء البشري». وكان نتنياهو نفسه قد صرح في مستهل جلسة حكومته، قبل عملية القصف، الأحد، أن إسرائيل «تتعقب الأوضاع في الشرق الأوسط وما يحدث فيه باهتمام كبير، وبفارغ الصبر وبعيون مفتوحة – وهناك الكثير مما يحدث. وسنبقى طوال الوقت نضع أيدينا على الزناد وسنعالج هذه التهديدات والتحديات التي لا تتوقف. سنعالجها بذات المسؤولية التي عالجناها فيها حتى الآن».

ولكن الخبراء العسكريين الإسرائيليين خرجوا بتقديرات مختلفة، فمن جهة قالوا: إن قصفا كهذا لا يمكن أن يكون ابن ساعته ولا بد أن يستغرق الأمر عدة أسابيع لأجل إعداده، ولهذا ليس معقولا أن يكون لأغراض انتخابية، ومن جهة ثانية، أعربوا عن خشيتهم من نقطة الانطلاق الإسرائيلية في مثل هذه الضربات. حيث إن الحكومة مطمئنة بأن سوريا لن ترد على القصف. فماذا لو ردت؟

وفي هذا الصدد، كشف الخبير العسكري أمير اورن، أن معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، أجرى، الأسبوع الماضي، تدريبا على سيناريو سياسي – أمني، يتخيل حدوث تصعيد عسكري في الشمال في أعقاب تنفيذ عملية مزدوجة ضد الجيش تسفر عن وقوع قتلى واختفاء جندي. وبقيادة الكولونيل (احتياط) د. غابي سيبوني، رئيس برنامج الجيش والاستراتيجية في المعهد، شارك الوزير السابق دان مريدور، ونائب الوزير سابقا، يهودا بن مئير، وممثلو الجيش ووزارة الخارجية والموساد، وخبراء أكاديميون، في التدريب الذي تناول وقوع مواجهة جديدة بين إسرائيل وحزب الله، وتدخل سوري وإيراني وأميركي وفلسطيني وروسي.