تصدعات في جلولاء بعد استعادتها من «داعش»

البيشمركة والميليشيات الشيعية تتنافس للسيطرة عليها

عناصر في البيشمركة الكردية ينتشرون في أحد شوارع جلولاء (رويترز)
TT

لم تكد تجف دماء متشددين اثنين قتلا أثناء دحر تنظيم داعش في بلدة جلولاء العراقية حتى بدأ الصراع على النفوذ يطفو على السطح بين القوات الكردية والشيعية التي تعاونت سويا في طرد مسلحي التنظيم المتطرف.

واستعادة السيطرة على أراض متنازع عليها وبلدات مثل جلولاء تفتح مجددا الصراع على الحدود بين مناطق تخضع لسيطرة الأكراد وأخرى تديرها حكومة بغداد. وليس لدى العرب السنة المحليين الذين نزحوا جراء القتال أي خيار يذكر سوى الانحياز لطرف أو لآخر.

ولم يمر وقت طويل بعد أن بدأ تنظيم «داعش» هجماته في أنحاء العراق في صيف هذا العام حتى وجه القادة الأكراد في محافظة ديالى الدعوة إلى زعيم أكبر عشيرة سنية في جلولاء لبحث المشاركة في مقاومة المسلحين. وقال اللواء بارزان علي شاواس وهو يصف الاجتماع مع الشيخ فيصل الكروي في ثكنات البيشمركة الكردية على ضفاف نهر ديالى الذي يصطف النخيل على جانبيه بقوله «جلسنا معهم هنا في هذا المبنى بعينه». وأضاف لوكالة رويترز «قلنا لهم ماذا تريدون.. صحيح أنتم عرب ونحن أكراد لكن وحدة العراق في مصلحتنا». ورد الشيخ قائلا إنه سيبحث عرض الأكراد لتشكيل وحدة من السنة المحليين تحت قيادة البيشمركة لكنهم لم يعودوا بأي رد.

ومنذ ذلك اليوم في يونيو (حزيران) حزيران تبادلت أطراف مختلفة السيطرة على جلولاء إلى أن طردت البيشمركة والميليشيات الشيعية المتشددين في 23 نوفمبر (تشرين الثاني). ووفقا لشاواس فإنهم وافقوا قبل الهجوم على أن تنسحب الميليشيات الشيعية بمجرد أن ينتهي الهجوم وأن يسلموا السيطرة للأكراد لكن هذا لم يحدث حتى الآن.

ويغلب السكان العرب على جلولاء التي تقع على بعد نحو 150 كيلومترا إلى الشمال الشرقي من بغداد وكانت تتبع قضائيا الحكومة المركزية إلى أن اجتاحها تنظيم داعش. غير أن الأكراد يقولون إنها كانت تحت سيطرتهم حتى السبعينات عندما جلب صدام حسين عشيرة الشيخ فيصل الكروي «لتعريب» المنطقة. والآن أصبحت مهجورة إلا من الحيوانات الضالة والميليشيات الشيعية والبيشمركة الذين يحددون أراضيهم بالرايات والكتابة على الجدران في أجواء يسودها التوتر.

وتشاهد عبارة «جلولاء كردستانية» على واجهة مخبز. وبدأ الصدأ يعلو أجهزة التبريد التي تم جلبها إلى الطريق لاستخدامها كحواجز. ويقود مقاتلون شيعة شاحنات صغيرة تحمل صورة الزعيم الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي على غطاء المحرك. ويخرج شخص ويقترب من الأكراد وإصبعه على زناد سلاحه ليسأل إن كانوا يحملون تصريحا لدخول المنطقة من رئيس قوة خراسان الشيعية. وقال جواد الحسناوي القائد الميداني للواء الخراساني «إذا تمسكوا بموقف متعصب بشأن المناطق التي أخذوها فمن المستحيل أن نسمح لهم بذلك».

ويسيطر أكراد العراق على إقليم كردستان الذي يتمتع بحكم شبه مستقل منذ أوائل التسعينات ودخل مقاتلوهم المناطق الأخرى المتنازع عليها هذا العام لمحاربة «داعش». لكن الحسناوي يرفض أي طموحات أخرى للأكراد، ويقول: «مشكلتنا هي إذا كانوا يريدون الانفصال عن العراق أو يشكلون دولة عرقية - فإنه لا سبيل لذلك».

تعبث قطط بالنفايات التي لم يتم جمعها في جلولاء وتسير الأبقار في الشوارع غير واعية لخطر آلاف الألغام التي زرعها المتشددون. ويمكن سماع زخة إطلاق نار وصوت انفجار مكتوم من حين لآخر. ووعد شاواس المدنيين بالسماح لهم بالعودة باستثناء أولئك الذين انحازوا إلى «داعش» بمجرد أن ينتهي فريق خبراء المفرقعات من عمله وإعادة المياه والكهرباء.

لكن الحسناوي يقول إن الأكراد يهدمون منازل السنة بالجرافات لإثنائهم عن العودة.

ويقيم كثير من سكان جلولاء في مخيمات على بعد بضعة كيلومترات على ملعب لكرة القدم استخدمت سياجه لنشر الملابس. واحتفلوا بالأنباء بأن «داعش» طرد من جلولاء ومن بلدة السعدية المجاورة. وقال معظمهم إنهم لاذوا بالفرار ليس من المتشددين وإنما من الضربات الجوية التي استهدفتهم. وباتوا يخشون الآن من القوات الشيعية التي قتلت السنة ودمرت منازلهم في بلدات أخرى استعادوها من «داعش».

وقال مزارع عمره 40 عاما من السعدية كان شديد الخوف من الكشف عن اسمه «نريد العودة لكن الميليشيات ستذبحنا». وأضاف: «نطلب من البيشمركة أن تضم جلولاء والسعدية إلى إقليم كردستان حتى يمكننا أن نعيش في سلام».

ولإبطاء تقدم الأعداء نسف «داعش» الجسور المقامة على نهر ديالى الذي ألقى بعض المتشددين أنفسهم فيه عندما احتدمت المعارك. وما زالت دماء اثنين من المسلحين لم يتمكنا من الهرب تلوث مدخل متجر يبيع مواد لتسقيف الأسطح. وأبوابه مغلقة الآن ورسم عليها بالطلاء عبارات شيعية.

وأكد الشيخ فيصل رفضه لاقتراح الأكراد ويقول إن عشيرته حاربت البيشمركة لمنعهم من السيطرة على قاعدة تخلى عنها الجيش العراقي. وقال بالهاتف من بلدة بعقوبة القريبة «لن يسمحوا للعرب بالعودة وأغلبهم من الكرويين. إنهم يريدون أخذ جلولاء. إنها منطقة عربية». كما نفى التعاون مع «داعش» كما يزعم الأكراد وقال إن المتشددين نسفوا منزله في جلولاء لأنه رفض الانضمام إليهم.

وعلى عكس السكان النازحين قال ابن شقيق الشيخ فيصل ويدعى ذمار جمال الكروي إن جلولاء ستبقى تابعة لحكومة بغداد وليس للأكراد. وأضاف: «لن نقبل أن تبقى جلولاء في أيدي الأكراد. إذا تشبثوا بها بالقوة فسوف تستعاد بالقوة»، ومضى محذرا «نحن مستعدون للقتال ضد الأكراد بالإضافة إلى الميليشيات إذا لم تغادر قوات البيشمركة جلولاء».