بوتين يشدد على الحوار لإنهاء الحرب الأوكرانية

الرئيس الروسي تطرق خلال مؤتمره السنوي إلى قضايا شخصية في حياته.. وتوقع تجاوز الأزمة الاقتصادية بعد عامين

بوتين يتحدث خلال مؤتمره الصحافي السنوي في موسكو أمس (أ.ف.ب)
TT

تباينت القضايا التي تطرق إليها الرئيس فلاديمير بوتين، أمس، في مؤتمره الصحافي السنوي العاشر منذ اعتلائه سدة الحكم في الكرملين، بين الاقتصادية والسياسية وحتى الشخصية. واستهل بوتين حديثه أمام أكثر من 1200 من الصحافيين المحليين والأجانب بعرض عدد من الأرقام التي حاول من خلالها تأكيد أن الاقتصاد الروسي قادر على مواجهة الأزمة الراهنة الناجمة عن انهيار العملة الوطنية وانخفاض أسعار النفط. وقال بوتين إن احتياطيات البنك المركزي من النقد الأجنبي تبلغ ما يزيد عن 419 مليار دولار، فيما يبلغ حجم الاحتياطي الحكومي ما يقرب من 8.7 تريليون روبل.

وأضاف بوتين أن الموازنة العامة تسجل فائضا يقدر بـ1.9 في المائة من حجم الناتج القومي الإجمالي. وأعرب الرئيس الروسي عن ارتياحه لما اتخذته الحكومة والبنك المركزي من إجراءات لمواجهة الأزمة، مؤكدا في الوقت نفسه ضرورة تقصي الحقائق حول ما قيل بشأن مسؤولية مؤسسات بعينها. وعزا بوتين ذلك الانهيار المفاجئ للعملة الوطنية إلى عناصر خارجية منها التخفيض المتعمد لأسعار النفط.

وقال بوتين إن ذلك لا يعني عدم الاهتمام بتنويع مصادر الدخل والاقتصاد القومي. وقال بوتين إن الأزمة تطال ما يقرب من 10 فئات وصفها بالأكثر تضررا منها، ومنها الموظفون والمعلمون والأطباء والعاملون في مجالات العلوم والفنون والثقافة، مؤكدا أنه سيتخذ ما يلزم من إجراءات لرفع مرتباتهم إلى جانب النظر في زيادة معاشات المتقاعدين.

وأعرب الرئيس الروسي عن يقينه من قدرة بلاده على تجاوز تبعات الأزمات الراهنة في غضون عامين، وقال إن الأوضاع قد تتحسن مع مطلع العام المقبل.

ومن الاقتصاد تحول بوتين إلى السياسة، وفي مقدمة قضاياها كانت الأزمة الأوكرانية التي قال بوتين إنه لن يكف عن تأكيد أنها من تدبير قوى بعينها، وإن ما حدث في كييف في 21 فبراير (شباط) الماضي انقلاب مسلح باركته تلك القوى، متجاهلة ما توصل إليه الرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش من اتفاق حول تشكيل حكومة الوحدة الوطنية بضمان وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا وبولندا.

وقال بوتين إن اتفاقات مينسك الموقعة في سبتمبر (أيلول) الماضي تظل أساسا جيدا لتحقيق التسوية المنشودة. وطالب بوتين الأطراف المعنية باستئناف الحوار بحثا عن التسوية السياسية بما يكفل وحدة الفضاء السياسي واستعادة العلاقات الاقتصادية. وشدد على أهمية التزام الرئيس الأوكراني الحالي بيترو بوروشينكو بما وعد به حول إصدار قانون العفو العام، وكذلك ضمان الوضعية الخاصة لمناطق جنوب شرقي أوكرانيا، وسرعة الإفراج المتبادل عن السجناء من الجانبين قبل أعياد الميلاد.

وردا على سؤال حول ما إذا كانت الأزمة المالية الاقتصادية الأخيرة نتيجة مباشرة لقرار موسكو بضم القرم، قال بوتين إن ما يحدث ضد روسيا ليس ردا على استعادة شبه جزيرة القرم، بل هو ثمن لتمسك روسيا باستقلالية القرار، ورفضها لهيمنة القوى الخارجية.

وردا على سؤال حول مسؤولية روسيا تجاه إذكاء نيران «الحرب الباردة» بما تقوم به المقاتلات الاستراتيجية الروسية من مناورات بعيدا عن الأجواء الإقليمية الروسية، قال بوتين إن روسيا لم تدفع بأي مقاتلات خارج أجوائها الإقليمية طيلة تسعينات القرن الماضي، في الوقت الذي لم تكف فيه المقاتلات الاستراتيجية الأميركية عن طلعاتها قريبا من الأجواء الروسية، فضلا عن نشر القواعد الأميركية في كل أرجاء الكرة الأرضية. وكشف بوتين أن روسيا لا تملك سوى قاعدتين عسكريتين خارج أراضيها في كازاخستان وطاجيكستان ولأسباب تتعلق بالتعاون في مجال مكافحة الإرهاب. وأعاد إلى الأذهان ما قام به حلف شمال الأطلسي والدوائر الغربية منذ انهيار جدار برلين، مشيرا إلى توسع حلف الأطلسي شرقا وعدم التزامه بمواقعه السابقة التي وعد بعدم تجاوزها، إلى جانب سياسات واشنطن ونشرها لعناصر الدرع الصاروخية على مقربة من الحدود الروسية.

وأبرز الرئيس الروسي التباين في الإنفاق العسكري الروسي والأميركي، مشيرا إلى أن ميزانية وزارة الدفاع الروسي لا تتجاوز 50 مليار دولار في الوقت الذي تبلغ فيه ميزانية البنتاغون 575 مليار دولار، أي ما يزيد عن 10 أضعاف الميزانية العسكرية الروسية.

وحول علاقات بلاده مع الخارج، قال بوتين إن الصين شريك استراتيجي، مشيرا إلى ما يُقال حول تحول السياسة الروسية نحو الشرق يجافي الحقيقة، لأن روسيا تحولت منذ سنوات طويلة لتعير هذه المناطق أهمية كبرى نظرا لأن اقتصاديات بلدانها تحقق النسبة الأكبر من النمو، ومنها الصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية، وهو موقف تتخذه أيضا الولايات المتحدة وبلدان أخرى كثيرة.

وأضاف بوتين أن علاقات بلاده مع الصين تسير في إطار تنويع العلاقات التجارية والاقتصادية، وتحقيق المكاسب المتبادلة في مجالات استكشاف الفضاء وصناعة الطائرات، وفي عدد كبير من المجالات الأخرى، إلى جانب التعاون في الساحة الدولية.

وعن زيارته لتركيا قال بوتين إن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان كشف له أن تركيا تخضع للضغوط من أجل الانضمام إلى الحظر والعقوبات المفروضة ضد روسيا. وقال إنه صارح نظيره التركي إردوغان بإمكانية عدم الكشف عن نتائج مباحثاتهما، وما حققاه من اتفاقات حول التعاون في مجال الغاز والطاقة، حتى لا يتعرض للمزيد من الضغوط، لكن الأخير رفض ذلك، فيما وصفه بـ«الرجل القوى».

وردا على احتمالات الانقلاب عليه من جانب أعضاء فريقه بما يمكن وصفه بـ«انقلاب القصر»، قال بوتين إن مقر الحكم في روسيا هو الكرملين الذي يتمتع بكل أشكال الحماية والتأمين، أي أنه لا توجد في روسيا القصور التي يمكن أن تشهد ما يسمى بـ«انقلاب القصر» على حد قوله.

ومضى بوتين ليقول إنه على يقين من تأييد ودعم شعبه، مشيرا إلى أنه يبذل قصارى جهده، واضعا نصب عينيه مستوى شعبيته التي تجاوزت (حسب آخر الأرقام ونتائج استطلاعات الرأي) 80 في المائة. وقال إن أحدا لا يماري في أن السياستين الداخلية والخارجية لروسيا تلقى تأييدا شعبيا واسع النطاق.

ودافع بوتين عن الرئيس الشيشاني رمضان قادروف، الذي اتهمته بالإرهاب كسينيا سوبتشاك، ابنة معلم بوتين وأستاذه ورئيس بلدية سان بطرسبورغ، الذي قدمه إلى عالم السياسة في مطلع تسعينات القرن الماضي. وقال بوتين إن ما يقال بشأن مسؤولية قادروف عن إحراق مساكن مسلحين متمردين داهموا العاصمة الشيشانية غروزني في الرابع من ديسمبر (كانون الأول) الحالي، واستولوا على مقر بيت الصحافة وإحدى مدارس العاصمة في معارك راح ضحيتها 14 من ممثلي أجهزة الأمن الشيشانية، يمكن أن يكون موضع تحقيق. لكنه توقف بكثير من التفاصيل عند السوابق التي تشير إلى مداهمة مساكن أهالي الإرهابيين، مثلما يحدث في أماكن عدة بالعالم، إلى جانب التقرير الأميركي الأخير الذي فضح ممارسات الأميركيين ضد المعتقلين، وإن لم يستعبد أن يكون الانفعال والتأثر بسقوط الضحايا جراء العملية الإرهابية الأخيرة في الشيشان وراء التجاوز اللفظي من جانب قادروف.

وتطرق بوتين أيضا إلى القضايا الشخصية، إذ كشف أنه لا يزال في علاقة طيبة مع طليقته وابنتيه، وأن حياته تسير على ما يرام بما في ذلك «في قضايا الحب». وقال إنه أجاب عن سؤال لأحد كبار السياسيين الأوروبيين حول «وجود من يحبه ومن تراوده مشاعر الحب تجاهه».