الاتحاد الأوروبي يدعم «خطة» دي ميستورا.. وفرنسا وبريطانيا تفرضان شروطهما

مصادر أوروبية لـ «الشرق الأوسط»: واشنطن وموسكو توافقتا على المبادرة الروسية في سوريا

TT

كشفت مصادر دبلوماسية أوروبية معنية بالملف السوري لـ«الشرق الأوسط» عن وجود انقسامات داخل الاتحاد الأوروبي بشأن الموقف من مبادرة ستيفان دي ميستورا، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا، حيث تلتزم فرنسا وبريطانيا موقفا متشددا منها وتطالب بضمانات قوية، منها صدور قرار من مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع.

وقالت هذه المصادر إن «فرنسا وبريطانيا لا تريان أن العمل بخطة المبعوث الأممي التي تنص على (تجميد) الوضع العسكري في حلب يمكن أن يتم دون وجود مراقبين دوليين. والحال أن إرسال هؤلاء يتطلب قرارا دوليا ملزما، الأمر الذي من شأنه أن يعيد الانقسامات إلى مجلس الأمن كما حصل خلال الأعوام الماضية؛ حيث أجهضت روسيا وبكين على الأقل 3 مرات مشاريع قرارات دولية، لأنها نصت على صدورها تحت الفصل السابع». وتقوم مبادرة دي ميستورا على محاولة العمل «من تحت إلى فوق»؛ أي التزام مقاربة «براغماتية» محدودة الأهداف من أجل إيجاد ما يشبه وقف إطلاق النار، وإيصال المساعدات للسكان المدنيين، وفتح الباب أمام التواصل السياسي بين الأطراف المقاتلة بدءا بمدينة حلب لما لها من قيمة ديموغرافية (مليونا نسمة) وأخرى رمزية.

وبعكس ما عمل من أجله سابقاه كوفي أنان والأخضر الإبراهيمي اللذان أرادا فرض حل «من فرق» عبر مؤتمر جنيف، فإن المبعوث الدولي الحالي أكثر تواضعا في أهدافه وهو «يضع جانبا إقامة حكومة انتقالية تفضي إلى تنحي النظام» وبدلا من ذلك، فإنه يريد خفض العنف والبحث عن «نقاط التقاء» وإيجاد «آلية إيجابية» تفضي لاحقا إلى «دينامية سياسية». بيد أن المصادر المشار إليها اعتبرت أن «لا شيء يسمح بتوقع نجاح خطة دي ميستورا» أو حتى التوصل إلى بدء العمل بها لما فرضه الطرفان من شروط؛ حيث يريد النظام أن تقوم المعارضة بتسليم أسلحتها الثقيلة وإعادة «الموظفين الحكوميين» إلى إحياء المعارضة. ومن جهتها، تريد المعارضة ضمانات لعدم استفادة النظام من التجميد عسكريا وربط الخطة الميدانية بخطة سياسية، ومنهم من يضيف الإفراج عن السجناء، وغيرها من الشروط.

تتخوف هذه المصادر من إفشال خطة دي ميستورا، لأن حدوث أمر كهذا ستكون له انعكاسات على مدى استمرار اهتمام الأمم المتحدة والأسرة الدولية بالنزاع في سوريا.

يبدو أن خطة المبعوث الدولي في وضع «تنافسي» مع المساعي الروسية المبذولة حاليا مع المعارضة والنظام؛ حيث قالت المصادر الأوروبية إن «الفكرة ولدت من مناقشات بين الوزيرين: كيري ولافروف، والرئيسين: أوباما وبوتين، في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، في بكين على هامش مؤتمر دولي خاص بآسيا». وبحسب ما نقل عن السفير الروسي في دمشق، فإن الجانب الروسي اقترح على الأميركيين العمل مع «المعارضات» السورية لدفعها إلى تنظيم صفوفها والحوار في ما بينها على أن تحاور النظام في مرحلة لاحقة. بعدها، تسارعت الاتصالات الدبلوماسية مع سفر وفد من المعارضة برئاسة معاذ الخطيب إلى موسكو، تبعه وفد رسمي برئاسة وزير الخارجية، وليد المعلم، الذي التقى في سوتشي الرئيس بوتين، وهو الأمر الذي يحصل للمرة الأولى منذ 3 سنوات. بعدها ذهب المعلم إلى طهران وتبعه رئيس الحكومة، الحلقي، للحصول على موافقة إيرانية، وهو ما تم، أول من أمس، عبر صدور بيان إيراني يدعم المبادرة الروسية، تلازم مع قرض بقيمة 800 مليون دولار لدمشق، رغم صعوبات إيران المالية وتدهور أسعار النفط. وترافق ذلك مع جولة نائب وزير الخارجية بوغدانوف إلى تركيا وسوريا فيما يبدو أنه مسعى لإقناع معارضة الخارج والداخل للعمل معا.

ونظرت المصادر الأوروبية إلى هذه التغيرات على ضوء عاملين اثنين: بروز ظاهرة «داعش» التي أعادت خلط الأوراق، والوهن الذي يصيب الأطراف المتحاربة إن كانت النظام أو المعارضة «المعتدلة» لصالح الدولة الإسلامية وجبهة النصرة. ويبدو ذلك من خلال «الجمود الإجمالي» لخطوط الجبهات القتالية التي «لا تتحرك كثيرا» بين النظام والمعارضة المعتدلة، بينما النصرة «تقضم» مواقع للنظام و«داعش» تستفيد من التحاق عناصر من الجيش الحر وتشكيلاته بصفوفها. وترى هذه المصادر أن جيش النظام «منهك» وهو غير قادر اليوم على القيام عسكريا بما كان يقوم به قبل عامين مثلا، بسبب ما خسره من عناصر، وبالتالي فإن «طموحه» مقصور اليوم على المحافظة على «سوريا المفيدة»؛ أي الخط الصاعد من درعا باتجاه دمشق وصولا إلى حماة وحلب ومنها إلى الساحل السوري.

أما بخصوص «داعش»، فإن هذه المصادر تعتبر أن ما يقوم به التحالف الدولي «غير كاف» للقضاء على ظاهرة الدولة الإسلامية؛ حيث الضربات الجوية، رغم أنها نجحت في وقف تقدم «داعش»، فإنها تبقى دون المطلوب. وكشفت هذه المصادر وجود «تنسيق تقني»؛ أي محض عسكري، لتحديد الأهداف التي يتعين ضربها بين الطرف الأميركي وبين النظام السوري وهو يمر عبر العراق الذي كان من حث واشنطن على استهداف «داعش» في سوريا. وفي المقابل، تؤكد الإدارة الأميركية على غياب أي تنسيق بين ما تقوم به في سوريا وبين النظام في دمشق، رغم أن الطرفين يستهدفان في الرقة وشمال شرقي سوريا الأهداف نفسها.