السبسي يتعهد بطي صفحة الماضي والحفاظ على حرية الصحافة في تونس

المرزوقي يقر بهزيمته في الاقتراع «الحر» ويعد بتأسيس حزب هدفه منع عودة الاستبداد

تونسيون مؤيدون للسبسي يحتفلون بعد إعلان فوزه بالرئاسة في العاصمة التونسية مساء أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

تعهد الرئيس التونسي المنتخب الباجي قائد السبسي بطي صفحة الماضي والحفاظ على حرية الصحافة الوليدة في البلاد، في الوقت الذي أقر منافسه محمد المنصف المرزوقي بهزيمته في الاقتراع «الحرب» وأكد عزمه تأسيس حركة جديدة هدفها «منع عودة الاستبداد».

وفاز قائد السبسي، (88 عاما)، مؤسس ورئيس حزب «نداء تونس»، بالدورة الثانية للانتخابات على منافسه الرئيس المنتهية ولايته محمد المنصف المرزوقي (69 عاما). وحصل قائد السبسي على 55.68 في المائة من الأصوات، بينما حاز المرزوقي على 44.32 في المائة، وفق النتائج الرسمية «الأولية» التي أعلنتها الهيئة المكلفة تنظيم الانتخابات العامة.

وفي أول تصريح له إثر إعلان فوزه بالانتخابات، قال قائد السبسي في مقابلة بثها التلفزيون الرسمي في ساعة متأخرة أول من أمس: «لا رجوع إلى هذا (الاستبداد). هذا لن يعود، بل أنا مع طي صفحة الماضي تماما». وكان الرئيس المنتخب يجيب عن سؤال «ما الضمانات التي يمكن أن تقدمها كرئيس للجمهورية للناس الخائفين من عودة الاستبداد؟». وتعهد السبسي بالحفاظ على حرية الصحافة التي قال إنها «مكسب من مكاسب الثورة ولا رجوع عنها». كما تعهد بعدم رفع أي قضية ضد أي صحافي، قائلا: «هذا عندي فيه التزام كتابي». وقال السبسي للتلفزيون التونسي: «عندي توصية للصحافيين بأن يكونوا حرفيين، يعني الصحافة حرة، لكن لا (يجب أن) تسمح لنفسها بكل شيء، هناك ضوابط، نحن نحترم الصحافة التي تحترم نفسها». ونفى الرئيس المنتخب عن نفسه اتهامات بأنه كان جزءا من منظومة الاستبداد في عهدي بورقيبة وبن علي. وقال: «خرجت من الحكم عندما كنت في أوج المسؤولية. كنت سفيرا في باريس واستقلت لأني مع التمشي (النهج) الديمقراطي. وقد طردت من حزبي (الحزب الحاكم في عهد بورقيبة) لأني قدمت جملة تقول: الحزب الذي لا يطبق الديمقراطية داخل صفوفه ليس له مصداقية إذا ادعى أنه سيطبقها في مستوى البلاد». وأضاف قائد السبسي أنه عمل رئيسا للبرلمان «لمدة سنة» واحدة في عهد زين العابدين بن علي، ثم «غادر (منصبه) عن طيب خاطر» بسبب إخلال بن علي بتعهد مكتوب بإحلال الديمقراطية نشره يوم وصوله إلى الحكم في 7 نوفمبر (تشرين الثاني) 1987.

أما المرزوقي، فأعلن عبر كلمة له من شرفة مقر حملته الانتخابية بالعاصمة التونسية أمس عزمه «تأسيس حركة شعب المواطنين». وقال: «نحن في مفترق الطرق من جديد»، وذلك بعد 4 سنوات من الثورة على نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. وتابع المرزوقي أنه لذلك جاءت «ضرورة تشكيل هذا الحراك، ضرورة تشكيل حراك (شعب المواطنين)، أولا لمنع عودة الاستبداد لأنه هناك في هؤلاء الناس للأسف الشديد متطرفون ومستبدون يريدون العودة بتونس إلى المربع القديم، وهو ما يمكن أن يشكل خطرا على استقرار البلاد».

وشدد المرزوقي أمام أنصاره الذين هتفوا «الشعب يريد ثورة من جديد»، على أنه «لا المال الفاسد ولا الإعلام المغرض يمكنه أن يغير مجرى التاريخ». وأضاف: «عليكم أن تتجمعوا في كل مكان بشكل سلمي وبطريقة ديمقراطية لتكونوا القوة التي تصد الاستبداد وتخيفه وتمنعه من محاولة التسلل والعودة من النافذة بعد أن طردناه من الباب». كما دعا إلى وحدة «الديمقراطيين الذين جعلوا قضيتهم الدفاع عن الحريات والحقوق والكرامة وليس الطابع السطحي الذين يسمونه حداثة المرتبط بكراهية الهوية العربية الإسلامية» ضمن هذه الحركة. وأقر المرزوقي بأن الانتخابات الرئاسية كانت «حرة»، لكنه قال إنها شابتها «الكثير من الخروقات». بيد أنه دعا رغم ذلك إلى الهدوء وأكد الحفاظ على «الوحدة الوطنية» و«السلم المجتمعي».

وخلال الحملة الانتخابية، قدم المرزوقي، وهو حقوقي ومعارض سابق لنظامي بورقيبة وبن علي، نفسه كضمانة للحريات التي اكتسبها التونسيون بعد الثورة التي أطاحت بنظام بن علي يوم 14 يناير (كانون الثاني) 2011. وقد حذر المرزوقي من عودة التضييق على الحريات، وخصوصا حرية الصحافة، إن فاز الباجي قائد السبسي بالانتخابات الرئاسية.

وأشادت بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات التونسية، أمس، بعملية الاقتراع التي جرت يوم الأحد الماضي وبـ«الهيئة العليا المستقلة للانتخابات» التي نظمتها. وقالت البعثة في بيان، إن «تونس تنتخب رئيسها لأول مرة خلال انتخابات شفافة وذات مصداقية وتختتم طورا انتخابيا مطابقا للمعايير الانتخابية». وأوردت بعثة مراقبي الاتحاد الأوروبي في بيانها، أن «القنوات التلفزيونية الخاصة (في تونس) فضّلت بشكل جلي المرشح (قائد) السبسي من حيث الوقت المخصص للحديث المباشر، وذلك على حساب الرئيس المرزوقي» الذي كان اشتكى من هذا الأمر خلال الحملة الانتخابية.

يذكر أن الباجي قائد السبسي تولى عدة وزارات مهمة كـ«الداخلية» و«الدفاع» و«الخارجية» في عهد بورقيبة، كما تولى رئاسة البرلمان بين 1990 و1991 في عهد بن علي. وأعطى الدستور التونسي الجديد الذي تم التصديق عليه مطلع عام 2014 صلاحيات واسعة للبرلمان ورئاسة الحكومة مقابل صلاحيات محدودة لرئيس الجمهورية، وذلك خشية من عودة استبداد الرئيس.

وفاز «نداء تونس» الذي أسسه قائد السبسي في 2012 لمواجهة حركة «النهضة» التي حكمت تونس من نهاية 2011 وحتى مطلع 2014، بالانتخابات التشريعية التي جرت يوم 26 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فيما حلت حركة النهضة ثانية. ويضم «نداء تونس» يساريين ونقابيين ومنتمين سابقين إلى حزب «التجمع» الحاكم في عهد بن علي الذي تم حله في 2011 بقرار قضائي بسبب تورطه في الفساد والاستبداد في عهد الرئيس المخلوع. وأضاف قائد السبسي أن «هياكل» حزبه الذي يملك أكثرية المقاعد في البرلمان (86 مقعدا من إجمالي 217) ستجتمع «خلال يومين» لبحث تشكيل الحكومة الجديدة.

ولا يملك «نداء تونس» «الأغلبية المطلقة» (109 مقاعد) التي تؤهله لتشكيل الحكومة بمفرده، لذلك يتعين عليه الدخول في تحالف مع أحزاب ممثلة في البرلمان لبلوغ الأغلبية المطلوبة. وقال قائد السبسي، إن رئيس الحكومة المنتظرة «لا يمكن أن يكون وزيرا من وزراء بن علي السابقين» كما ذهبت إليه، في وقت سابق، وسائل إعلام محلية. وأضاف أنه سيستقيل من رئاسة حزب نداء تونس، لكنه «لا ينسحب» من الحزب.

وأجمعت أغلب الصحف التونسية الصادرة أمس على أن «تحديات كبيرة» في انتظار الرئيس والحكومة المقبلة. ولخصت يومية «لابرس» الصادرة بالفرنسية هذه التحديات في «المديونية الكبيرة، والنمو الاقتصادي الضعيف، والبطالة المرتفعة، والقدرة التنافسية (الاقتصادية) المتدهورة، والأمن المهدد بشكل كبير». ومنذ الإطاحة بنظام بن علي في 2011 تواجه تونس خطر صعود مجموعات متشددة دينيا، قالت السلطات إنها خططت لإقامة «أول إمارة في شمال أفريقيا» بتونس. وخلال 4 سنوات، قتل أكثر من 60 من عناصر الأمن والجيش، واغتيل اثنان من قادة المعارضة العلمانية في 2013 في هجمات نسبتها السلطات إلى هذه المجموعات المرتبطة بتنظيم القاعدة.

وتباينت ردود فعل التونسيين بعد إعلان النتائج الأولية، وركز الكثير منهم على موضوع الحريات. وقال المهندس نجد بن حمزة، (34 عاما)، تعليقا على فوز السبسي: «يالهذه الخيبة!»، مستنكرا «ذاكرة التونسيين القصيرة». وأضاف متسائلا: «أليس الباجي وزير داخلية بورقيبة؟ أليس هو من دعم بن علي؟ هل تتوج ثورة الشباب، بعد 4 سنوات، باختيار رجل عمره 88 عاما؟». وتابع: «قدم التونسيون التضحيات ليصبح في آخر المطاف، أحد الفلول رجل المرحلة المقبلة»، في إشارة إلى مقتل أكثر من 300 تونسي برصاص الشرطة التي قمعت احتجاجات عارمة سبقت الإطاحة بنظام بن علي. أما المدرس علي الطرودي (39 عاما)، فقال: «أخشى فعلا على الحريات، خصوصا أن الحزب السياسي (نداء تونس) نفسه سيهيمن على كل السلطات». وأضاف الطرودي: «في خطب الباجي، نسمعه يتحدث عن مكافحة الإرهاب، وهيبة الدولة. أنا أخشى فعلا أن تقع العودة باسم هذه القضايا إلى الممارسات القمعية» التي كانت سائدة في عهد بن علي.

وخلال اليومين الأخيرين، جرت اشتباكات في ولايتي تطاوين وقابس (جنوب) بين الشرطة وأنصار المرزوقي المحتجين على نتائج الانتخابات. وأكد علي الطرودي أنه لا يحمل أفكار المرزوقي، لكن بما أن هذا «الديمقراطي حتى النخاع دافع عن حريتي، فقد أصبح في نظري الشخص الأنسب للفترة المقبلة، والوحيد القادر على تجميع (التونسيين) مهما كانت اختلافاتهم الثقافية أو السياسية أو حتى الدينية».

ومع بدء ظهور النتائج الأولية للانتخابات، توالت ردود الفعل العربية والدولية المرحبة في أغلبها بالاقتراع التاريخي في تونس. فعربيا، أجرى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اتصالا بالرئيس التونسي المنتخب وهنأه على ثقة التونسيين فيه. وأفادت وكالة الأنباء الألمانية أن السيسي قال: إن «تصويت الناخبين يعكس الثقة التي يتمتع بها السبسي، وكذلك ثقتهم في قيادته الناجحة لتونس خلال المرحلة القادمة، وقدرته على مواصلة عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة». كما وجه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني رسالة تهنئة إلى السبسي بمناسبة انتخابه، وأكد له حرص الأردن على «المضي قدما في تعزيز علاقات التعاون الثنائي مع تونس في الميادين كافة، والارتقاء بها إلى مجالات أوسع، بما يحقق المصالح المشتركة، ويجسد العلاقات الأخوية بين البلدين الشقيقين».

بدورها، هنأت دمشق أمس تونس بانتخاب رئيس جديد للبلاد، معتبرة أن الشعب التونسي «حدد خياراته بوضوح» باختياره الباحي قائد السبسي. ونقلت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) عن مصدر في الخارجية السورية قوله: إن «الجمهورية العربية السورية تعرب عن خالص التهاني لتونس الشقيقة رئيسا وحكومة وشعبا على نجاح استحقاق الانتخابات الرئاسية والتي حدد فيها الشعب التونسي خياراته بكل وضوح». وأضاف أن «سوريا التي تشهد منذ مطلع عام 2011 نزاعا داميا قتل فيه أكثر من 200 ألف شخص تأمل بأن تشكل هذه الانتخابات خطوة مهمة نحو توطيد الاستقرار وتحقيق الرخاء للشعب التونسي الشقيق واستعادة تونس دورها الفاعل في خدمة القضايا الوطنية والقومية». وهنأت دول عربية أخرى كثيرة السبسي بانتخابه رئيسا جديدا لتونس.

وإقليميا، رحبت إيران «بتعزيز العملية الديمقراطية» في تونس بعد فوز السبسي في أول انتخابات رئاسية في تاريخ البلاد. وقالت الناطقة باسم الخارجية الإيرانية مرضية أفخم في تصريحات نقلتها وسائل الإعلام إن «نجاح هذه الانتخابات هو أهم إنجاز للثورة التونسية». كما أعربت وزارة الخارجية التركية عن ترحيبها بإجراء الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التونسية بشكل متوافق مع المعايير الديمقراطية. واعتبر بيان للوزارة، أن تجلي إرادة الشعب التونسي مرة أخرى من خلال إجراء انتخابات حرة ونزيهة، يعد تطورا يشكل طريقا لمستقبل تونس مليئا بالأمن والاستقرار والرفاهية، ونموذجا للمنطقة بأسرها، بحسب وكالة الأناضول للأنباء التركية. وأشار البيان إلى أن مراقبة الانتخابات من قبل لجنة دولية، يعتبر تطورا إيجابيا، مضيفا «نحن واثقون بانتهاء مرحلة هذا التحول الديمقراطي في تونس بنجاح، بعد الانتخابات الرئاسية، وتشكيل الحكومة». وقال البيان: إن «تركيا ستواصل تعزيز التعاون في كل المجالات مع تونس الشقيقة والصديقة، ونبارك للشعب التونسي الذي توجه إلى صناديق الاقتراع بنضج ديمقراطي في الانتخابات الرئاسية كما في الانتخابات العامة».

ودوليا، هنأ الرئيس الأميركي باراك أوباما الرئيس المنتخب التونسي، وأشاد بالاقتراع الرئاسي الذي وصفه بأنه «خطوة مهمة صوب استكمال انتقال تونس إلى الديمقراطية». كما هنأ الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الرئيس التونسي المنتخب السبسي وتمنى له «النجاح الكامل في مهمته في خدمة الشعب التونسي» الذي أشاد «بحس المسؤولية لديه». وقالت الرئاسة الفرنسية في بيان إن «رئيس الجمهورية يهنئ بحرارة السيد الباجي قائد السبسي على انتخابه رئيسا للجمهورية. ويتمنى له النجاح الكامل في مهمته في خدمة الشعب التونسي. كما أشاد هولاند «بتصميم وحس المسؤولية وروح التوافق التي أظهرها الشعب التونسي وممثلوه لإنجاح الانتقال الديمقراطي في إطار احترام طموحات ثورة 2011». وأضاف البيان أن «هولاند يعبر مجددا عن تمسكه بالصداقة الفرنسية التونسية ويؤكد رغبة فرنسا في التعاون مع تونس في المجالات كافة».

من جهتها، قالت مسؤولة العلاقات الخارجية بالاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني في رسالة تهنئة للرئيس التونسي المنتخب السبسي: إن «الاتحاد الأوروبي متمسك بالعمل مع السلطات التونسية الجديدة لدعم العملية الديمقراطية». وقالت موغيريني: «إن الاتحاد الأوروبي لا يزال متمسكا بالعمل مع السلطات التونسية الجديدة ومع جميع مستويات المجتمع». وأضافت أن «الهدف هو النهوض بالعملية الديمقراطية والإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية».