السلطات الجزائرية تعلن عن تدابير تقشف صارمة لمواجهة انخفاض النفط

المعارضة تتهم الحكومة بالعجز عن بناء اقتصاد حقيقي في زمن الوفرة المالية

TT

أعلنت الحكومة الجزائرية عن تدابير استعجالية تهدف إلى التقشف والحد من التبذير، بسبب انخفاض أسعار النفط إلى مستويات تنذر بتراجع مداخيل البلد من العملة الصعبة، بشكل لم تعرفه منذ نحو 30 سنة. وحملت المعارضة السلطات مسؤولية التبعية المفرطة للمحروقات، بحجة أنها لم تستغل الوفرة المالية التي تحققت خلال السنوات العشر الماضية لبناء اقتصاد حقيقي.

ووجه رئيس الوزراء عبد المالك سلال، إلى أعضاء الحكومة والولاة والمدير العام للوظيفة العمومية والإصلاح الإداري، تعليمات صارمة تخص ترشيد النفقات العمومية ووقف التوظيف مؤقتا. وجاء في وثيقة سلال التي اطلعت عليها «الشرق الأوسط» أن «تقلبات السوق الدولية للمحروقات أبرزت تقهقرا ملحوظا للأسعار مع احتمال دوامه، مما قد يترتب عليه تراجع كبير لإيرادات الميزانية مع التأثير المحتمل على التوازنات الداخلية والخارجية». ولأول مرة تعترف الحكومة بأن هبوط سعر النفط يؤثر على التوازنات المالية للبلاد التي تعتمد بنسبة 98 في المائة على عائدات البترول.

ورغم حالة القلق التي تنتاب السلطات، يقول سلال في تعليماته إن «بلادنا تملك القدرات لمواجهة ذلك (انخفاض سعر برميل النفط)، والحفاظ على برنامج التنمية المدعم للسياسة الاجتماعية للحكومة في ميادين التربية والتعليم العالي والمهني والصحة والسكن. ومع ذلك وبغية اتقاء مزيد من التدهور المحتمل للمحيط المالي والاقتصادي العالمي، فإن الوضع يملي ضرورة التحلي بسلوك صارم وشجاع في مجال النفقات العمومية». وأضاف سلال «يجب أن يتبنى ذلك أعضاء الحكومة حتما، وأن يمتثلوا إلى مسعى وانضباط حكومي متناسق واستشرافي وحذر، تتمثل أهم عناصره في تعليق كل توظيف جديد ما عدا في حدود المناصب المالية المتوافرة».

وطالب رئيس الوزراء بالتحكم في نفقات تسيير قطاعات النشاط، خاصة ما يتعلق بالتنقلات الرسمية إلى الخارج «بما يجعلها تقتصر على ضرورة التمثيل القصوى». كما طالب بـ«تقليص التكفل بالوفود الأجنبية التي تزور بلادنا، في إطار المبادلات الثنائية أو بمناسبة التظاهرات المختلفة، مع ضرورة إخضاع تنظيم اللقاءات والمؤتمرات وغيرها من التظاهرات إلى القواعد الصارمة لمدى جدواها».

وأمر سلال المسؤولين في الدولة بـ«الحد من إنشاء المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري، بما يجعلها تقتصر فقط على المنشآت الاجتماعية التربوية، مع ترشيد تنظيمها وتسييرها»، في إشارة إلى أن ميزانية الدولة لم تعد تتحمل استحداث هيئات تلتهم أموالا ضخمة، ولا تقدم أي قيمة مضافة للاقتصاد.

وأولت وثيقة رئيس الوزراء عناية خاصة للتحكم في تكاليف المشاريع التي انطلق إنجازها، وإعادة النظر في المشاريع التي لم تنطلق بحسب أولوية كل مشروع. وطالب سلال رؤساء الشركات الحكومية «باللجوء إلى المواد المصنعة محليا في إطار الصفقات العمومية»، في إشارة إلى مسعى للحد من الاستيراد الذي بلغ العام الماضي 65 مليار دولار. وتستورد الجزائر الحبوب والمواد الزراعية والمواد المصنعة ونصف المصنعة، وكل حاجياتها من الدواء.

وشددت الوثيقة الحكومية على «ضرورة تضافر الجهود لتحسين نسبة تحصيل الجباية العادية ومردودها، ومضاعفة التدابير الرامية إلى إدماج النشاط الموازي (العمل غير القانوني) في النشاط الرسمي، وتحسين مستوى تحصيل الإيجار والأعباء وغيرها من الإتاوات كالماء والكهرباء، وزيادة البحث عن المحروقات واستغلالها بما فيها غير التقليدية».

وتعكس سلسلة الإجراءات المتعلقة بمواجهة انهيار سعر النفط حالة طوارئ بالحكومة، وتضع حدا لتطمينات وردت على سلال نفسه قبل أسبوع، عندما صرح للصحافة بأن الجزائر «في مأمن من تقلبات أسعار المحروقات».

وقال عبد الرزق مقري، زعيم حزب «حركة مجتمع السلم» الإسلامي، في تغريدة على حسابه بـ«تويتر» أمس، كرد فعل على إجراءات التقشف الحكومية «لقد أعط الشعب الجزائري للنظام السياسي كل الفرص لمدة 53 سنة، فحكمنا باسم الاشتراكية ثم حكمنا باسم اقتصاد السوق. ففشل في الاشتراكية وهو يفشل في الرأسمالية، وحكمنا باسم مكافحة الإرهاب ثم حكمنا باسم المصالحة والاستقرار، واستعمل هذه الحالة وتلك للبقاء في السلطة. وحكمنا في زمن الوفرة المالية وهو نفسه يريد أن يستمر في الاستئثار بالحكم في زمن التقشف، ويا ليته نجح في أي مرحلة من المراحل». وأضاف «لقد استكثر فينا بناء المدارس والمستشفيات دون أن يكون ذلك كافيا، أو تكون الخدمة التعليمية والخدمة الصحية على المستو المطلوب، كحال أسرة ترك لها معيلها إرثا كبيرا فسيطر عليه الأخ الأكبر، وأعط لمن حقه 100 حق 5 حقوق، وأكل الباقي بغير حق وبذره وأفسده، ثم يمن عل أشقائه طول الوقت أنه أعطاهم 5 حقوق!! لقد آن الأوان للشقيق الأكبر أن يعلم أن العيال كبروا!».