وزراء داخلية 12 بلدا يقرون تدابير إضافية للتصدي لتهديد الهجمات الإرهابية

وزير الداخلية الفرنسي: نريد محاربة الإرهاب وفق «مقاربة شاملة»

TT

لم تنحصر المناقشات الخاصة بتعزيز التدابير الأمنية لمنع تكرار هجمات إرهابية كالتي عرفتها فرنسا هذا الأسبوع على الاجتماع الاستثنائي الدولي لوزراء داخلية 11 بلدا أوروبيا ونظيرهم الكندي ووزير العدل الأميركي خلال ساعتين قبيل ظهر يوم أمس في مقر وزارة الداخلية الفرنسية برئاسة الوزير برنار كازنوف، بل كانت حاضرة في كل المناقشات التي جرت، ومنها اللقاء الذي ضم في قصر الإليزيه الرئيس هولاند ومجموعة من ضيوفه الذين شاركوا في المسيرة المليونية في شوارع باريس.

واستباقا لساعة التساؤلات والمساءلات التي ستبدأ منذ اليوم بعد انطفاء لحظات التأثر والعواطف الجياشة والتعبير عن وحدة الموقف في مواجهة الإرهاب، فإن اجتماع الوزراء المعنيين أمس يؤسس كما يبدو لرغبة مشتركة في التعامل مع ظاهرة الإرهاب التي وصفها كازنوف بعد انتهاء الاجتماع بأنها «أخذت بعدا عالميا». وينتظر أن يعقد وزراء الداخلية الأوروبيون يوم الجمعة المقبل اجتماعا استثنائيا للنظر في التدابير الجديدة التي يحتاج بعضها لقرار سياسي حتى يوضع موضع التنفيذ.

وفي تصريح قصير عقب الاجتماع، قال كازنوف، الذي كان يحيط به الوزراء الآخرون وهو بادي التأثر، إن «التجربة التي تمر بها فرنسا تعني ليس فقط أوروبا، بل كل الديمقراطيات.. إن قيمنا وقيم أوروبا والأنظمة الديمقراطية كانت المستهدفة». وبحسب الوزير الفرنسي الذي كان دائم الحضور إلى جانب رئيس الجمهورية والحكومة لإدارة الأزمة واتخاذ قرار الانقضاض على مختطفي الرهائن مساء الجمعة، فإن «الإرهاب أصبح معولما بسبب الأحداث في سوريا والعراق، وهو يعني الجميع ولا يميز بين الأمم والقارات». ولذا، أكد الوزير الفرنسي أن هناك قرارا بمحاربته «معا» وفي إطار «مقاربة شاملة».

بيد أن هذه التصريحات تثير أسئلة أكثر مما توفر أجوبة، وأول التساؤلات، وفق خبير أمني فرنسي، هو: لماذا تأخرت أوروبا حتى الآن حتى تعي طبيعة الإرهاب والحاجة إلى تدابير جذرية لمقاومته رغم ما حصل في باريس في التسعينات ثم مدريد وبرلين ثم مجددا في باريس؟ وما الذي فعله وزراء الداخلية والخبراء في العشرات من اجتماعاتهم المتنقلة بين عواصم الاتحاد؟

عمليا، ما الذي أقره الوزراء؟

محوران يريد الأوروبيون أن يشددوا عليهما: الأول، توفير الوسائل الضرورية لفرض الرقابة على تنقل «المقاتلين الأجانب» (بحسب تسمية كازنوف)، والثاني، الحرب على كل البيئات الحاضنة التي تسمح بتجنيد المتطرفين وتحديدا شبكة الإنترنت. ويسعى الأوروبيون، تفصيلا، إلى تشديد الرقابة على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي (المقصود ضمنا حدوده مع الجنوب المتوسطي) ولكن «مع احترام الحريات الأساسية» والموافقة على تعديل بعض بنود اتفاقية شنغن الخاصة بتنقل الأفراد، ولكن من غير الوصول إلى إعادة فرض الرقابة والتأشيرات بين دول شنغن. وفي المقام الثالث، يريد الأوروبيون القيام بما فعلته الولايات المتحدة الأميركية مع كندا وبريطانيا وأستراليا والذي رفضه الأوروبيون حتى الآن، والمتمثل في تبادل المعلومات حول المسافرين على الطائرات الأوروبية أو المتجهين إلى المدن الأوروبية.

وبالنظر لما استخدمه الأخوان كواشي وأحمدي كوليبالي من أسلحة حربية بما فيها من قاذفات آر بي جي، فإن الوزراء الأوروبيين قرروا العمل معا لوقف تدفق هذه الأسلحة وتوثيق التعاون وتبادل المعلومات بين الأجهزة الأمنية. ويفيد خبراء فرنسيون بأنه «من السهل جدا» في السوق الفرنسية شراء رشاش كلاشنيكوف بسعر يتراوح، وفق جودة السلاح، ما بين ألف و1500 يورو. وبحسب هذا الخبير، فإن الأسلحة ما زالت تأتي من بلدان أوروبا الشرقية خصوصا من منطقة البلقان. وحمل الأشخاص الثلاثة الذين قتلتهم قوى الأمن الفرنسية أربعة رشاشات كلاشنيكوف، وأربعة مسدسات، ومتفجرات وصواعق، وقاذفي آر بي جي، وكمية وافرة من الطلقات الصالحة للاستخدام.

تبقى مسألة محاربة «البيئات» التي تساعد على تجنيد المتشددين، وأهمها وفق وزير الداخلية الفرنسي الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. وفي هذا السياق، يسعى الأوروبيون إلى التوفيق بين المحافظة على الحرية الفردية والحياة الشخصية من جانب، والضرورات الأمنية من جانب آخر. ولكي تستطيع الحكومات تحقيق هذا الهدف يتعين عليها أن تحصل على تعاون موفري خدمات الإنترنت، وهو أمر ليس محسوما سلفا.

وفي البيان الذي صدر عقب الاجتماع، وردت فقرات تتحدث عن الحاجة «الماسة» لقيام تعاون مع موفري الخدمات من أجل تحديد الرسائل ذات المضمون الخطر الذي «يبث الحقد والرعب»، وسحبها من التداول سريعا.

إلى ذلك, أعلن البيت الأبيض، أمس، عقد مؤتمر عالمي في الشهر القادم لمكافحة التطرف العنيف، وذلك على ضوء الهجمات العنيفة التي شهدتها فرنسا مؤخرا. وكان البيت الأبيض أعلن أن ديفيد كاميرون، رئيس وزراء بريطانيا، سيزور واشنطن زيارة قصيرة يوم الخميس القادم، وسيقابل الرئيس باراك أوباما، أيضا على ضوء أحداث فرنسا.

وقال بيان البيت الأبيض بأن المؤتمر سيعقد يوم 18 فبراير (شباط) القادم. وذلك بهدف «تسليط الضوء على الجهود المحلية، والدولية، لمنع المتطرفين الذين يمارسون العنف، ومؤيديهم، من التطرف، ومن تجنيد، أو إلهام، أفراد، أو جماعات، في الولايات المتحدة، وخارج الولايات المتحدة، لارتكاب أعمال عنف».

وأشار البيان إلى الهجمات الأخيرة في كندا، وأستراليا، بالإضافة إلى فرنسا.

وكان البيت الأبيض أصدر في أغسطس (آب) عام 2011 خطة عن «شركاء داخل الولايات المتحدة لمنع التطرف العنيف، ولوضع استراتيجية وطنية لمنع التطرف العنيف». وهي الخطة التي يرمز إليها بأحرف «سي في إي» (مواجهة التطرف العنيف).

وحسب الخطة، عقد البيت الأبيض مؤتمرات مع مسلمين، وغير مسلمين، في بوسطن، ولوس أنجليس ومينابوليس. وحسب بيان البيت الأبيض أمس، ساعدت هذه المؤتمرات على «بناء أطر لدمج برامج في الخدمات الاجتماعية، مثل المسؤولين عن التعليم، والصحة العقلية، والزعماء الدينيين، ورجال الأمن، لمعالجة التطرف العنيف كجزء من جهود أوسع لضمان سلامة المجتمع، ومنع الجريمة».

وعن مشاركات عالمية، قال بيان البيت الأبيض: «يقوم شركاؤنا في جميع أنحاء العالم بنشاطات لمنع التطرف العنيف، ومنع تجنيد الإرهابيين الأجانب». وإن مؤتمر الشهر القادم «سوف يشمل ممثلين من عدد من الدول المشاركة، مع التركيز على مشاركة المجتمعات المحلية، والزعماء الدينيين، والقطاع الخاص، والقطاع التكنولوجي».

لكن، علمت «الشرق الأوسط» أن عددا ليس قليلا من المنظمات الإسلامية الأميركية لا يتحمس للمؤتمر القادم، وذلك لأن هذه المنظمات تراه جزءا من سياسة «جذرة وعصا» تقوم بها الحكومة الأميركية تجاه المسلمين في الولايات المتحدة منذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001. في جانب، يطلب البيت الأبيض التشاور مع قادة المنظمات الإسلامية، من وقت لآخر، ويدعوهم لحفلات الصيام والأعياد. وفي الجانب الآخر، يقوم مكتب التحقيق الفيدرالي (إف بي أي) بنشاطات فيها مضايقات وإحراجات، مثل التجسس على المساجد. وأيضا، تقوم شرطة مدن رئيسية، وخاصة نيويورك، بعمليات تجسس علنية على المسلمين فيها.

وأمس، قال لـ«الشرق الأوسط» كوري سيلار، متحدث باسم مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (كير) في واشنطن، أكبر منظمات المسلمين الأميركيين: «نريد مؤتمرات لا تتحدث فقط عن الأمن». وأضاف بأن المؤتمرات السابقة لبرنامج «سي في إي» ركزت على الجوانب الأمنية، ولم تركز على مظالم الجاليات الإسلامية.

من جهة أخرى, قال الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي، أمس، إنه يعمل على إعداد جدول الأعمال الأوروبي للأمن، للفترة من 2015 إلى 2020، لمواجهة التحديات الإجرامية والإرهابية، وهناك عدة أمور منها قيد النظر، ومنها مواصلة تعزيز كفاءة نظام شنغن للمعلومات، بحيث يكون أكثر صرامة ولديه ضوابط أعلى.

وتعهدت المفوضية الأوروبية بمواصلة تشجيع وكالات إنفاذ القانون في الدول الأعضاء على تكثيف التعاون، من خلال أنشطة ملموسة لحماية المواطنين، وأيضا الأماكن العامة التي يمكن أن تكون هدفا لهجمات، ومنها على سبيل المثال المتاحف، والمباني الرياضية، والمراكز الثقافية، وغيرها، إلى جانب استمرار الجهود للكشف والرد على التهديدات قبل وقوعها، بما في ذلك حماية البنى التحتية والمؤسسات العامة.

يأتي ذلك فيما أعلن وزير الداخلية الإسباني خورخي فرنانديز دياز أنه سيدافع عن فكرة تعديل اتفاقية شنغن للسماح بمراقبة الحدود الداخلية للاتحاد الأوروبي للحد من تحرك المقاتلين المتطرفين العائدين إلى أوروبا. كما تعهدت المفوضية بمواصلة العمل مع البرلمان الأوروبي والمجلس الذي يمثل الدول الأعضاء في الاتحاد من أجل إنهاء خلافات تتعلق بسجل أسماء الركاب واستخدام البيانات الشخصية في تحسين القدرات على منع وكشف العمليات الإرهابية والجرائم الخطيرة في عمليات السفر.

وفي ما يتعلق بنظام شنغن لتبادل المعلومات بين الدول الأعضاء حول المسافرين عبر الحدود، فإن المفوضية الأوروبية تعتبره واحدا من أفضل الأنظمة المتبعة حاليا، ويتضمن أدوات قانونية وتقنية عالية، توفر مستوى عاليا من الأمان للمواطنين الأوروبيين، وتسمح للسلطات في الدول الأعضاء بالتعامل وبشكل مناسب مع الأشخاص الذين يمثلون تهديدا للأمن الداخلي الأوروبي.