نتنياهو يستغل عمليات باريس لتغيير السياسة الفرنسية لصالح إسرائيل

باريس مستاءة من دعوته اليهود فيها للهجرة إلى إسرائيل

TT

يحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، استغلال العمليات الإرهابية في باريس، لتغيير السياسة الفرنسية تجاه قضايا الشرق الأوسط وتجييرها لصالح سياسته. وقام ومنافساه على أصوات اليمين في إسرائيل؛ وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، ووزير الاقتصاد نفتالي بنيت، بتحويل الأحداث إلى عنصر أساسي في دعايتهم الانتخابية، وجعلها رافعة لمشروع دفع اليهود الفرنسيين للهجرة إلى إسرائيل.

وأكدت مصادر فرنسية استياء باريس من هذا التوجه وتعبيرها عن امتعاضها.

وأغاظت الفرنسيين بشكل خاص تصريحات نتنياهو بأن إسرائيل هي «موطن» يهود فرنسا. فرد الرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، بالقول، إن «مكان يهود فرنسا هو فرنسا»، متعهدا «بملاحقة معاداة السامية والقضاء عليها».

وأعلن مكتب نتنياهو أن ضحايا الهجوم على الحانوت اليهودي سيُدفنون في إسرائيل. وقال في بيان له: «قبل رئيس الوزراء نتنياهو طلب أهالي الضحايا الذين قُتلوا في العملية الإرهابية المروعة التي استهدفت المتجر اليهودي في باريس، وأوعز إلى جميع الدوائر الحكومية المعنية، بالمساعدة على جلب الضحايا للدفن في إسرائيل. ومن المرتقب إجراء الجنازات يوم غد، الثلاثاء».

وكان نتنياهو وغيره من المسؤولين الإسرائيليين، قد استغلوا العمليات في باريس بكل الاتجاهات للمساس بفرنسا نفسها، واتهامها بالتساهل مع المتطرفين. وأطلقت أوساط مقربة من الحكومة الإسرائيلية، تحليلات تقول إن فرنسا تستيقظ متأخرا لما يدور على أراضيها، فلم تقر إجراءات قانونية ملائمة تتيح مراقبة نشاط الإرهابيين وردعهم في الوقت المناسب. وتتهم التحليلات الحكومات والرؤساء الفرنسيين باتباع سياسة مسايرة للمتطرفين، بل وحتى منافقة لصالح الفلسطينيين، وأن ذلك تجلى في التصويت لصالحهم في مجلس الأمن، وطرح باريس مبادرة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية خلال سنتين.

واعتبروا هذه السياسة رافعة لنشاط قوى الإرهاب إذ «بثت لهم إشارات ضعف». كما شككوا في القدرات المهنية لأجهزة الأمن الفرنسية.

وقد اضطرت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية لمطالبة هؤلاء الناطقين المتبجحين بقليل من التواضع. وتساءلت صحيفة «هآرتس»: «هل استطاعت إسرائيل وقف الإرهاب ضدها؟».

وكان نتنياهو قد أظهر بلبلة تجاه المشاركة الإسرائيلية في مسيرة المليون الدولية في باريس تضامنا مع ضحايا الإرهاب. ففي البداية، قرر المشاركة بنفسه، بغرض تشجيع اليهود الفرنسيين، الذين يعيشون في حال توتر شديد بعد الاعتداء الدامي على حانوت بيع الأطعمة اليهودية الحلال. ولكنه تراجع فيما بعد، بدعوى الأسباب الأمنية. بيد أنه غير رأيه مرة أخرى، عندما علم بأن وزيريه بنيت وليبرمان أعلنا أنهما سيسافران. فكل منهما يتربع على رأس حزب يميني ينافس نتنياهو على الأصوات نفسها، فقرر السفر.

والتقى نتنياهو، أمس، مع الرئيس الفرنسي، وكذلك مع رؤساء الجاليات اليهودية فيها. وعاد ليكرر دعوته إلى اليهود بأن يهاجروا إلى إسرائيل، مشيرا إلى أن الفرنسيين شكلوا أكبر مجموعة مهاجرين لإسرائيل في السنة الماضية (نحو 7 آلاف)، وتجاوزوا لأول مرة عدد المهاجرين من روسيا.

من جهتها، حاولت الحكومة الفرنسية القيام بنشاطات وإجراءات عدة لإظهار مودتها لليهود الفرنسيين، بوصفهم مواطنين مرغوبا بهم، مثل بقية الطوائف الأخرى. وبدأت بحماية المدارس اليهودية والكنس في البلاد من قبل الجيش «في حال الضرورة»، بينما توجه الرئيس الفرنسي مساء إلى الكنيس الكبير في باريس، لحضور موكب تكريم لكل ضحايا الهجمات الإرهابية الأخيرة في المنطقة الباريسية.

وأكد رئيس الوزراء، مانويل فالس، أن مكان يهود فرنسا هو فرنسا. وقال رئيس المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا، روجيه كوكيرمان، أمس (الأحد)، في ختام لقاء مع الرئيس الفرنسي إن الحكومة الفرنسية وعدت بأن يقوم الجيش بحماية المدارس اليهودية والكنس في البلاد «في حال الضرورة».

وأضاف أن الرئيس هولاند «قال لنا إن كل المدارس وكل الكنس ستكون، في حال الضرورة، محمية من قبل الجيش». واستقبلت الرئاسة الفرنسية أمس، عددا كبيرا من ممثلي الطائفة اليهودية في فرنسا لإبداء التعاطف معهم.

وقال كوكيرمان، إنه مع احترام قرار اليهود الراغبين في الهجرة إلى إسرائيل: «علينا أن نحارب في فرنسا كل أعداء اليهودية». وأوضح أن بين المواضيع التي تمت مناقشتها مراقبة «الشبكات الاجتماعية» أو القنوات التلفزيونية الفضائية التي «تبث عبرها رسائل معادية للسامية»، ويجب اتخاذ إجراءات جزائية ضدها.

وأكد ضرورة «الكف عن صنع متطرفين في سجوننا». وتابع أن «إجراءات ستعلن في الأيام المقبلة». وكان رئيس الحكومة الفرنسية تفقد مع عدد من الشخصيات السياسية والدينية، المكان الذي وقع فيه احتجاز الرهائن. وقال إن «يهود فرنسا خائفون منذ سنوات»، مؤكدا: «نحن كلنا اليوم (شارلي)، كلنا شرطيون، كلنا يهود فرنسا». وأضاف فالس أن «فرنسا من دون يهود فرنسا لا تكون فرنسا، وعلينا ألا نخاف من أن نكون صحافيين، وأن نكون شرطيين، وأن نكون يهودا، وأن نكون مواطنين».