باريس تعزز خطتها الأمنية بنشر 10 آلاف عسكري لتأمين المنشآت الحساسة

رئيس الحكومة الفرنسي يرفض السير على خطى واشنطن بعد 11 سبتمبر ويصر على احترام دولة القانون

أعلنت فرنسا أمس عن نشر آلاف العسكريين ورجال الشرطة لمواجهة أي تهديد إرهابي جديد محتمل، سينتشرون بشكل خاص قرب المدارس وأماكن العبادة اليهودية غداة يوم تاريخي شهد مسيرات ضخمة ضد الإرهاب.. وفي الصورة جندي فرنسي أسفل برج إيفل بالعاصمة باريس أمس (رويترز)
TT

القناعة الراسخة لدى المسؤولين الفرنسيين أن الخطر الإرهابي الجاثم فوق صدر فرنسا لم تنته فصوله بمقتل الأخوين كواشي وأحمدي كوليبالي مساء الجمعة، على أيدي قوات التدخل الخاصة التابعة لجهازي الدرك والشرطة. فالرئيس هولاند شخصيا يؤكد أن بلاده «لم تطو صفحة التهديدات» ورئيس حكومته مانويل فالس يعبر عن «يقينه» بوجود «شركاء» لمن ارتكبوا العمال الإرهابية التي هزت فرنسا ودفعت بنحو 4 ملايين نسمة لينزلوا إلى الشوارع يوم الأحد يتقدمهم نحو 50 رئيس دولة وحكومة وعشرات من ممثلي الدول الأخرى. والسؤال الذي يطغى على اهتمامات المسؤولين الفرنسيين سياسيين أم أمنيين هو: أين مكامن الخلل في المنظومة الأمنية المعمول بها والتي سهلت لـ3 تنفيذ مخططاتهم وقتل 17 صحافيا ورساما ورجل شرطة ومواطنين من الجالية اليهودية خلال 48 ساعة؟

أمس، عقد صباحا في قصر الإليزيه المجلس الأمني عالي المستوى وهو الخامس من نوعه في 6 أيام لاستخلاص العبر من أحداث الأسبوع الماضي الدامية ولاتخاذ قرارات وتدابير يمكن تصنيفها على نوعين: الأول، التدابير والإجراءات الفورية، والثاني متوسطة المدى وتشمل الجوانب التشريعية والتعاون الأوروبي والدولي.

وأبرز ما اتخذ من قرارات فورية كشف عنها وزيرا الدفاع والداخلية بعد انفضاض الاجتماع. الأول، أعلن أن 10 آلاف عسكري سينتشرون لحماية المواقع والمنشآت الحساسة في طول الأراضي الفرنسية وعرضها.

والثاني أفاد أن 4700 رجل أمن سيتولون حماية المؤسسات التعليمية والدينية اليهودية التي يبلغ عددها 717 موقعا فيما سبقها فالس إلى ألإعلان أنه سيستمر العمل بالخطة الأمنية بأقصى درجاتها.

واضح أن هذه الإجراءات استثنائية وتكشف حجم «القلق» لدى المسؤولين الفرنسيين ورغبتهم في طمأنة المواطنين. فنشر هذا الحجم من قوات الجيش التي سبق أن طلب منها في الماضي القريب تأمين الأماكن الحساسة مثل محطات القطارات والمطارات ومترو الأنفاق ومراكز التجمهر الرئيسية وأماكن العبادة، لم تعرفه فرنسا أبدا في زمن السلم. كذلك، فإن شمولية الإجراءات الخاصة بحماية مصالح الجالية اليهودية استثنائية أيضا رغم أنها تعرضت في الماضي لهجمات إرهابية.

غير أن هذه الإجراءات، رغم أهميتها، لا تعتبر كافية. لذا، هناك حاجة «للتفكير والتشاور» بشأن إجراءات إضافية بعضها قانوني تشريعي يحتاج للمرور في مجلسي النواب والشيوخ وبعضها إجرائي.

في حديث صحافي أمس، قال فالس إنه «لا شك توجد حاجة لتدابير إضافية لمواجهة التهديدات الإرهابية ومنها العمل على نصوص قانونية جديدة».

وفي السياق نفسه، أشار رئيس الجمهورية السابق نيكولا ساركوزي إلى ضرورة «اتخاذ إجراءات حاسمة لتقوية فاعلية الأجهزة الأمنية» في مواجهة الإرهاب، بيد أن ما يقوله المسؤولان الحالي والسابق يجب أن يوضع في سياق ما أقرته فرنسا في هذا الميدان. فمنذ وصول هولاند إلى السلطة في ربيع العام 2012. أقرت الهيئة التشريعية قانونين لمحاربة الإرهاب آخرهما في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وحتى الآن، لم تصدر المراسيم التطبيقية للقانون الثاني الذي يمكن الأجهزة الأمنية والقضائية من منع خروج من يظن أنه ذو نوايا متطرفة ويسعى لمغادرة البلاد. كذلك يوفر القانون تدبيرا جديدا للقضاء لأنه أوجد ما يسمى «المشروع الإرهابي الفردي»، الذي يمكن العدالة ومعها الأجهزة الأمنية من استباق وتعطيل ما تظن أنه مشاريع إرهابية.

في الواقع تعاني فرنسا من «تخمة» قوانين. بيد أن المطلوب اليوم شعبيا وسياسيا هو قانون حازم وصارم بعضهم يريده شبيها بما أقرته الولايات المتحدة الأميركية عقب هجمات سبتمبر (أيلول) 2001 والمسمى «Patriot Act»، لكن توجها كهذا يواجه صعوبات جمة خصوصا من داخل اليسار والحزب الاشتراكي. لذا، فإن الجهود ستنصب في الأشهر المقبلة على إيجاد «نقطة توازن» بين الحاجة لتدابير أمنية صارمة تمكن الأجهزة من التنصت وجمع المعلومات والقيام بضربات استباقية ولكن في الوقت عينه تحترم الحريات الفردية وحرمة الحياة الخاصة للمواطن. كذلك، لا تريد الحكومة التفريط بالإجماع «الوطني» الذي ظهر في الأيام الأخيرة وتلافي العودة إلى الاشتباكات السياسية والحزبية.

وفي أي حال، فإن النقاش ما زال في بدايته وتتوجه فرنسا نحو تشكيل لجنة برلمانية تتشارك فيها الأكثرية والمعارضة، وتنكب على دراسة هذه المسألة الحساسة.

وبحسب رئيس الحكومة الذي سبق له أن شغل منصب وزير الداخلية في العهد الحالي، فإنه «يتعين الحذر من الارتجال والتسرع» في سن القوانين.

تريد باريس إلى جانب الإجراءات الداخلية، دفع بلدان الاتحاد الأوروبي ومجموعة شينغن بداية، إلى توثيق التعاون الأمني وتبادل المعلومات وإقرار لائحة تبادل المعلومات حول المسافرين جوا في الفضاء الأوروبي وتشديد الرقابة على الحدود «الخارجية» للاتحاد والنظر فيما يطالب بعض اليمين واليمين المتطرف بإعادة العمل بالرقابة على الحدود «الوطنية» لفرنسا.

بانتظار أن ينطلق النقاش، وتتبين أسباب الخلل في عمل المنظومة الأمنية، فإن «أفكارا» أصبحت قيد التداول لمعالجة «البيئات» الخطرة التي يرى فيها المسؤولون تربة خصبة لتطور الفكر المتطرف، والمشاريع الإرهابية وهي 3 رئيسية: السجون، وشبكات الإنترنت والتواصل الاجتماعي والمساجد. ففي موضوع السجون، يكسب مقترح «عزل» السجناء المتطرفين في زنزانات مغلقة عن بقية السجناء إذ تبين مثلا أن سعيد كواشي تعرف على أحمدي كوليبالي في السجن في العام 2005 عندما كان يقضي عقوبة بسبب دوره في «خلية بيت شومون» التي كانت تجند متطرفين وترسلهم إلى العراق. والاثنان تعرفا إلى جمال بيغال، الملقب بأبو حمزة في سجن فلوري مروجيس «مقاطعة أيسون». وكان بيغال قد ألقي القبض عليه في الإمارات العربية المتحدة لدوره المفترض في تحضير اعتداء على السفارة الأميركية في باريس. وتحول بيغال سريعا إلى «المرشد الروحي» للاثنين الآخرين اللذين بقيا على علاقة معه. لذا، فإن محامي بيغال المسجون انفراديا في سجن مدينة رين «غرب فرنسا» أصدر بيانا ينفي فيه أي علاقة لموكله بما حصل في باريس الأسبوع الماضي.

بالإضافة إلى ذلك، تسعى باريس لاستصدار قانون يتيح إغلاق المواقع التي يظن أنها تنشر فكرا متطرفا أو أنها تمجد الإرهاب وملاحقة القائمين عليها والداعين لها. كذلك تعول السلطات الفرنسية على المراجع المسلمة في فرنسا وأولها المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية التي تريد منها تأطير الأئمة والدعوة للإسلام المتسامح والمعتدل والعمل على وضع حد للخطابات النارية التي يسمع بعضها يوم الجمعة.

هل ستكون هذه الإجراءات كافية؟ الواضح أن الحكومة لا تريد السير على خطى الأميركية لما بعد 11 سبتمبر التي فتحت الباب لكل التجاوزات وللتجسس على حياة الأميركيين وعلى قادة الدول وبينها الصديقة كما حصل مع المستشارة الألمانية ميركل. ويلخص فالس الذي يعد من المتشددين في الموضوع الأمني حكوميا وفي أوساط الحزب الاشتراكي: «يتعين علينا العمل بشكل قاطع مع الإرهابيين ولكن علينا أن نعمل بتروٍّ وأن نحترم دولة القانون».

واضح أن «نقطة التوازن» ستكون صعبة المنال خصوصا عندما تعود السياسة إلى الواجهة ويعود احتمال استغلال المآسي ومنها مقتلة «شارلي إيبدو» إلى الواجهة في إطار اكتساب المناصرين والتنازع على السلطة.

من جهة اخرى قال رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو أمس إنه لا يمكن لوم تركيا بعد أن دخلت المشتبه في تورطها في هجمات باريس الأسبوع الماضي إلى سوريا عبر تركيا قبل وقوع الهجمات.

وأضاف في مؤتمر صحافي في برلين مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إن السلطات التركية يلزمها أولا معلومات مخباراتية لمنع دخول مسافرين مشتبه بهم. وتابع أن تركيا رحلت من قبل ما بين 1500 وألفي أجنبي لأن أسماءهم مدرجة في القائمة السوداء التي قدمتها وكالات مخابرات أجنبية.

وأعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أمس، أن حياة بومدين، رفيقة محتجز الرهائن الذي قتلته الشرطة في باريس، المطلوبة في فرنسا، دخلت سوريا في الثامن من يناير (كانون الثاني) عبر تركيا. وقال الوزير لوكالة الأناضول الرسمية: «عبرت إلى سوريا في الثامن من يناير».

وقد أعلن مصدر أمني تركي، أول من أمس، لوكالة الصحافة الفرنسية أن رفيقة أحمدي كوليبالي، أحد الإسلاميين المسلحين الـ3، الذي قتل الجمعة، إثر عملية احتجاز رهائن دامية في متجر أغذية يهودي في ضاحية باريس، وصلت إلى تركيا في الثاني من يناير، وتوجهت إلى سوريا على الأرجح. وأكد جاويش أوغلو: «لقد وصلت إلى تركيا في الثاني من يناير قادمة من مدريد، وهناك صور لها في المطار».

وأضاف: «بعد ذلك، أقامت مع شخص آخر في أحد فنادق حي كاديكوي (ضفة إسطنبول الآسيوية)، ثم توجهت إلى سوريا في الثامن من يناير، وبياناتها الهاتفية تثبت ذلك.

وقد أفاد المصدر الأمني التركي، السبت الماضي، بأن المرأة تحمل تذكرة ذهاب وإياب من مدريد إلى باريس.

وأعلنت الشرطة الفرنسية أنها مطلوبة لتحديد دور محتمل لها في إطلاق النار من قبل كوليبالي في مونروج (مقتل شرطية في جنوب باريس صباح الخميس)، ولمعرفة ما إذا قدمت أي مساعدة له خلال احتجاز رهائن في المتجر اليهودي، حيث قُتل 4 أشخاص، الجمعة، بإحدى ضواحي باريس.

وتؤكد المعلومات التي أعلنتها السلطات التركية أن المرأة (26 عاما) لم تكن في باريس حين وقوع الجرائم التي ارتكبها رفيقها.

وتأكيدا على ما قاله المصدر كتبت صحيفة «يني شفق» القريبة من الحكومة أمس أن حياة بومدين توجهت فيما بعد إلى مدينة شانلي أورفه (جنوب شرق) قرب الحدود السورية. وتابعت الصحيفة أنها دخلت إلى سوريا من معبر اكجاكالي إحدى نقاط العبور الاعتيادية للأجانب الراغبين في الانضمام إلى تنظيمات متطرفة مثل تنظيم داعش. وبحسب الصحيفة فإن أجهزة الاستخبارات التركية تعرفت على الرجل الذي أقام معها في تركيا على أنه مهدي صبري بلحسين وهو مواطن فرنسي عمره 23 عاما.

وبومدين مطلوبة لدى الشرطة الفرنسية لتحديد دورها المحتمل في الهجوم الذي شنه كوليبالي في مونروج بجنوب باريس حيث قتل شرطية بالرصاص، ولمعرفة ما إذا قدمت أي مساعدة خلال عملية احتجاز الرهائن الذين قتل 4 منهم في المتجر اليهودي في فانسان عند أطراف باريس الجمعة.

وتشير معلومات السلطات التركية إلى أن بومدين البالغة من العمر 26 عاما لم تكن موجودة في فرنسا عند تنفيذ كوليبالي العمليتين.

وردد الوزير التركي أمس أن بلاده «تتقاسم هذه المعلومات مع فرنسا قبل أن تطلب منا ذلك حتى»، مضيفا: «قلنا لهم إن الشخص الذي تبحثون عنه هنا، أقامت هنا ودخلت سوريا بطريقة غير شرعية».

وأخذت الأجهزة الفرنسية مرارا في الآونة الأخيرة على الاستخبارات التركية عدم تعاونها في مكافحة الشبكات الجهادية التي سمحت لآلاف المقاتلين الأوروبيين بالالتحاق بسوريا عبر الأراضي التركية.

وفي سبتمبر (أيلول) تعهد وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف ونظيره التركي افكان علاء بالتعاون بشكل أفضل لمحاربة الشبكات المتطرفة التي تعبر تركيا، وذلك بعد خلل دبلوماسي أمني واكب رجوع 3 فرنسيين يشتبه بانضمامهم إلى التنظيمات المتطرفة إلى بلدهم.

وتواجه تركيا اتهامات عدد من حلفائها بغض الطرف منذ فترة طويلة عن بعض المتطرفين الأكثر راديكالية بل حتى بدعمهم وفي طليعتهم عناصر من تنظيم داعش الذين يحاربون نظام الرئيس السوري بشار الأسد عدو أنقرة اللدود. وينفي النظام التركي هذه الاتهامات وأكد مؤخرا تشديد المراقبة على الحدود لرصد الراغبين في الانضمام إلى التنظيمات المتطرفة القادمين من الخارج.