دار الإفتاء المصرية تحذر «شارلي إيبدو» من إعادة تأجيج مشاعر المسلمين

أكدت أن ما تقوم به المطبوعة لا يخدم التعايش.. ومراقبون وصفوه بـ«الغباء السياسي» > عددها الجديد 3 ملايين نسخة بـ16 لغة حول العالم اليوم

صحافيو ورسامو «شارلي إيبدو» يضعون اللمسات الأخيرة على عدد المجلة المقرر صدوره اليوم
TT

حذرت دار الإفتاء المصرية مجلة «شارلي إيبدو» الفرنسية الأسبوعية الساخرة من الإقدام على نشر ما يسيء مجددا إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ما من شأنه إعادة تأجيج مشاعر المسلمين حول العالم واستفزازهم بما يسفر عنه من انقسام ديني. وقالت دار الإفتاء إن إقدام المجلة على نشر عدد جديد مسيء للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ردًّا على الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها المجلة، هو «استفزاز غير مبرر لمشاعر مليار ونصف مليار مسلم عبر العالم، يكنّون الحب والاحترام لنبي الرحمة صلى الله عليه وآله وسلم».

وكانت «شارلي إيبدو» قد نشرت خلال اليومين الماضيين تنويها بعددها الجديد الذي تعتزم إصداره اليوم الأربعاء (3 ملايين نسخة)، وهو العدد الأول عقب الحادث الإرهابي الذي تعرض له مقر المجلة في باريس وأسفر عن مقتل 8 من رساميها على أيدي متطرفين منتمين إلى تنظيمات إرهابية ادّعوا أنهم يدافعون عن الإسلام.

وأظهرت التنويهات التي تضمنت بعضا من رسومات العدد الجديد صورا يبدو منها أنها تسير في ذات المسار المتهكم والمسيء، الذي أدى إلى موجة احتجاجات عارمة حول العالم عقب نشر دفعات من الرسوم المسيئة للرسول منذ عام 2011، شهدت ذروتها في سبتمبر (أيلول) من عام 2012 بالتزامن مع هجمات على مصالح غربية في عدد من الدول العربية، عقب بث فيلم أميركي محدود الإنتاج يسيء إلى المسلمين». كما أشارت تصريحات لعدد من منسوبي «شارلي إيبدو» خلال الأسبوع الماضي إلى نية المجلة طرح عددها الجديد 3 ملايين نسخة بـ16 لغة حول العالم، متضمنا رسوما تسخر من رموز إسلامية. ويرى المراقبون أن الهجوم الإرهابي الذي تعرضت له «شارلي إيبدو» أسهم في إنقاذ المطبوعة الفرنسية من الإفلاس، إذ كانت تطبع ما يوازي نحو 60 ألف نسخة فقط في الفترة الماضية. لكنّ محللين سياسيين قالوا لـ«الشرق الأوسط» إن استثمار المطبوعة لهذا الرواج في إعادة الإساءة للمسلمين هو «تصرف يشوبه الغباء، وسيسفر عن إعادة إنتاج موجات جديدة من الكراهية والصراع بين الحضارات، ماحيا أي تقدم أحرزه العالم في تضامنه وتوحده ضد الإرهاب».

وأشارت دار الإفتاء في بيان لها أمس حصلت عليه «الشرق الأوسط» إلى أن «هذا العدد (الجديد من المجلة) سيتسبب في موجة جديدة من الكراهية في المجتمع الفرنسي والغربي بشكل عام، كما أن ما تقوم به المجلة لا يخدم التعايش وحوار الحضارات الذي يسعى المسلمون إليه، مما يعد تطورا خطيرا مناهضا للقيم الإنسانية والحريات والتنوع الثقافي والتسامح واحترام حقوق الإنسان التي تحمل أهمية كبيرة للهدوء المجتمعي والسلام، كما أنها تعمق مشاعر الكراهية والتمييز بين المسلمين وغيرهم».

كما أدانت دار الإفتاء تزايد الاعتداءات التي تعرض لها بعض المساجد في فرنسا عقب العملية الإرهابية، وأشارت إلى أن تلك الأفعال ستعطي الفرصة للمتطرفين من الجانبين لتبادل أعمال العنف التي لن يذوق ويلاتها إلا الأبرياء، وستعكر السلم المجتمعي في فرنسا.

وطالبت دار الإفتاء الحكومة الفرنسية والأحزاب والمنظمات الفرنسية بإعلان رفضها لهذا الفعل العنصري من قبل مجلة «شارلي إيبدو»، التي تعمل على إثارة الفتن الدينية والنعرات الطائفية وتعميق الكراهية والبغضاء، وتؤجج الصراع بين أتباع الحضارات والديانات، فضلا عن أنها تهدم الجهود التي تبذل لتعزيز الحوار والتفاهم بين الشعوب.

وتأتي رسالة دار الإفتاء في وقت تسعى فيه المؤسسات الدينية الإسلامية حول العالم لمكافحة الفكر المتطرف والإرهاب، وإدانة أفعاله المنسوبة إلى الإسلام «زورا». وبينما أدان الأزهر حادثة «شارلي إيبدو» في باريس بكل قوة، أكد الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي مصر، أمام ملتقى ممثلي الأديان في نيويورك أول من أمس، أن «الإرهابيين قد أصبحوا عبئا على الغالبية العظمى من المسلمين، ويضيعون في يوم واحد ما نحاول في سنوات كثيرة بذله من جهود حثيثة لتصحيح صورة الإسلام للعالم»، موضحًا أن «جرائمهم تجعلنا أمام تحدٍّ متزايد لإزالة الصور النمطية المشوهة التي تربط الإسلام بالإرهاب».

وشدد نجم على أن الإرهاب أصبح ظاهرة عالمية، ولا يوجد مجتمع أو دولة محصنة كليا من جرائمه، وعلى ضرورة توحّد العالم في مواجهته والقضاء عليه، مشيرا إلى أهمية تنقية رسالة الإسلام النبيلة التي تتمثل في الرحمة والسلام من تلك المغالطات والممارسات التي ظهرت من أولئك المتطرفين والإرهابيين الذين لا يفهمون التفسير الصحيح لآيات القرآن مع جهل كبير بأدوات الفهم، وآداب الاستنباط، ومقاصد الشرع الشريف وقواعده، مطالبا الجاليات المسلمة، في دول أوروبا خاصة والولايات المتحدة، بالاندماج الإيجابي في مجتمعاتهم ونبذ التطرف وإعلان موقف موحد ضد الإرهاب.

لكنّ عددا كبيرا من المراقبين والمحللين يرون أن «جهود المؤسسات الإسلامية تواجه أيضا بصلف وعدم قدرة على الفهم من جانب بعض من المؤسسات السياسية والإعلامية الغربية، مما يضع على كاهل رجال الدين الإسلامي جهدا مضاعفا، لكن نتائج الفشل في هذا المجال سيتحملها الجميع».