محافظة صلاح الدين تستعد للبدء في حملة الـ«30 يوما» لتطهير أراضيها

بعد أن سيطر «داعش» على 60 % منها

مسلحون من أبناء عشائر صلاح الدين انضموا للقوات الأمنية للقتال ضد «داعش» («الشرق الأوسط»)
TT

تضم محافظة صلاح الدين، البالغ عدد سكانها قرابة 1.5 مليون نسمة حسب الإحصاء المعتمد لدى وزارة التجارة العراقية والمعمول به في نظام البطاقة التموينية، الكثير من الأقضية والنواحي، وأهمها مدينة تكريت، مركز محافظة صلاح الدين (160 كم شمال غربي العاصمة بغداد) التي تشتهر بوجود مرقدي الإمامين العسكريين في سامراء والمأذنة الملوية وقصر العاشق وآثار مدينة آشور التاريخية وسور تكريت ودير الراهبات والقبة الصليبية، لتكون بذلك لوحة للتعايش السلمي المتنوع.

وبعد أحداث 2003 ودخول القوات الأميركية واحتلال العراق، شهدت هذه المدينة اضطرابا أمنيا وسياسيا على مدى السنوات العشر الماضية، وآخرها كان انضمامها إلى المحافظات الـ6 المنتفضة ضد سياسة الحكومة السابقة، مرورا بالطلب المقدم من مجلسها إلى الحكومة المركزية المتضمن إعلانها إقليما، وصولا إلى دخول مسلحي «داعش» والسيطرة على مدنها في العاشر من يونيو (حزيران) 2014 بنسبة وصلت لقرابة الـ80 في المائة من الحجم الكلي لمساحة محافظة صلاح الدين.

سيطر مسلحو «داعش» على مدن تكريت والدور والعلم والشرقاط والضلوعية ويثرب ومناطق أخرى من دون مقاومة تذكر، ونزح مئات الآلاف من السكان المدنيين قاصدين مناطق مختلفة من العراق، ثم بدأت مرحلة استعادة الأرض من قبل القوات الأمنية وقوات الحشد الشعبي ومقاتلي العشائر العراقية من أبناء المنطقة.

ويقول الشيخ مروان ناجي الجبارة، المتحدث باسم مجلس شيوخ عشائر محافظة صلاح الدين لـ«الشرق الأوسط»: «كثيرة وكبيرة هي الأحداث المؤلمة التي مرت بها محافظة صلاح الدين؛ فبعد أن مزق نسيجها الاجتماعي مسلحو تنظيم داعش بفرض سيطرتهم على معظم المناطق في المحافظة، أصيبت مناطقنا بنكبات ومجازر راح ضحيتها المئات من المدنيين العزل، وجرى تهجير مئات الآلاف منهم، وجريمة سبايكر واحدة من أكبر الجرائم التي اقترفها تنظيم داعش بحق أهلنا وأبنائنا. نعم إن هناك أخطاء كبيرة اقترفها البعض من القيادات العسكرية التي كانت مهمتها الدفاع عن المحافظة والحفاظ على أمنها، إلا أننا عقدنا العزم لاستعادة مناطقنا من سطوة المسلحين، وفعلا بدأت رحلة تطهير الأراضي، فتكاتف الجميع من أبناء العشائر مع الجهد الكبير والمشرف لقوات الحشد الشعبي وأبناء القوات المسلحة العراقية؛ من الجيش والشرطة، لتتحرر بعد ذلك مناطق الضلوعية وسليمان بيك ويثرب ونواحي قريبة من طوزخورماتو وبقية المناطق المحررة الأخرى، لكننا في مجلس شيوخ عشائر صلاح الدين طالبنا في بيان رسمي مجلس النواب العراقي بتشكيل لجنة من مهنيين أكفاء للتحقيق في أسباب سقوط مدن محافظة صلاح الدين بيد مسلحي تنظيم داعش، وانهيار المنظومة الأمنية بشكل كامل، مما تسبب في مقتل الآلاف من المواطنين الأبرياء ونزوح سكان مدن بأكملها في ظروف قاسية وصعبة. لا بد من تحديد المقصرين وإحالتهم إلى القضاء فورا. كما أننا في المجلس وثقنا بشكل كامل الجرائم التي ارتكبها تنظيم داعش ضد الأبرياء من المدنيين».

أبو عبد الرحيم (55 سنة) أحد سكان ناحية سليمان بيك المحررة من قبل القوات الأمنية والحشد الشعبي ومقاتلي العشائر، ويقول: «لم أعد أمتلك بيتا يؤويني وعائلتي بعد أن دمرت أغلب الأحياء السكنية بفعل العمليات العسكرية التي شهدتها مدينتنا، سواء بدخول مسلحي (داعش) أو بعد المعارك التي جرى فيها استعادة السيطرة على المدينة من قبل القوات الأمنية.. وحتى العوائل التي تضررت بيوتها بعض الشيء لم تتمكن الدخول للمدينة المحررة بعد تفخيخ معظم المنازل، وبسبب الدمار الهائل الذي ضرب المدينة نتيجة الاقتتال المستمر. أنا الآن مشتت البال، فلا الحكومة المركزية تعوضنا، ولا الحكومة المحلية تهتم بأمرنا، ومعظم المسؤولين غادروا إلى أربيل وبغداد وتركونا نواجه المصير الأسود».

من جانب آخر، قال اللواء الركن حمد النامس قائد شرطة صلاح الدين لـ«الشرق الأوسط»: «نحن على استعداد تام للبدء في عملية تحرير المناطق المتبقية مثل الدور والعلم والشرقاط وقسم من مناطق بيجي والصينية، بالإضافة إلى مدينة تكريت مركز محافظة صلاح الدين، والآن نحن في جهاز الشرطة تموضعنا في مناطق شمال تكريت مثل الصدور والشامة والبوطعمة والمزرعة والمالحة، ومتهيئون لبدء العمليات العسكرية لتحرير كل مدن محافظة صلاح الدين، خصوصا بعدما وعد رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة العراقيين بتحريرها خلال شهر، منطلقين من تحرير منطقة العلم. أما بخصوص عودة الأهالي للمناطق المحررة، فقد تباحثنا مع الدكتور سليم الجبوري رئيس البرلمان العراقي حول هذا الأمر في مؤتمر شارك فيه السادة أعضاء البرلمان في مجلس صلاح الدين وبعض السادة الوزراء، وبحضور قائد عمليات سامراء، وإن شاء الله ستجري عودة العوائل قريبا، والسبب الذي يمنع عودتهم الآن أن هناك بعض الدور ما زالت ملغومة، ووجود عبوات ناسفة في بعض الطرقات، مما يتطلب جهدا هندسيا وفنيا لإزالتها، وعمليات ترميم للمباني المهدمة وإعادة إعمار المرافق الخدمية في المدن المحررة».

وعن حجم الأضرار التي أصابت المدن في محافظة صلاح الدين، قال نائب رئيس مجلس المحافظة جاسم محمد حسن العطية لـ«الشرق الأوسط» إن «أضرارا بالغة أصابت البنى التحتية والأحياء السكنية في مدن محافظة صلاح الدين تقدر بأكثر من 60 في المائة، ابتداء من قضاء بلد شمالا باتجاه محافظة نينوى. الحقيقة هناك خراب كبير تسبب في ضرر لحق بشبكات الكهرباء ومياه الشرب والدور الحكومية ومنازل المواطنين والطرق والجسور، مما يحتاج لمبلغ قد يصل إلى أكثر من مليار دولار لإعادة إعمارها».