عشائر نينوى.. المدنية أقوى من الأعراف القبلية

(«الشرق الأوسط») تفتح الملف على ضوء دعوة العبادي إلى «ثورة عشائرية» (الحلقة الأخيرة)

عراقيون يفتشون وسط أنقاض جامع النبي يونس في الموصل بعد أن فجّره «داعش» أواخر يوليو الماضي
TT

في نينوى، وطبقا لما يراه الناشط المدني عبد الملك الطائي في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، فإن «الأمر يختلف من حيث البنية العشائرية في هذه المحافظة، التي هي ثاني أكبر محافظة في العراق بعد العاصمة بغداد من حيث عدد السكان (نحو 3 ملايين ونصف المليون نسمة)، لجهة كون المجتمع المدني أو البنية الحضرية المدنية هي الطاغية على المجتمع».

ويضيف الطائي قائلا إنه «على الرغم من وجود تجمعات عشائرية كبيرة في المحافظة، مثل: شمر، وطي، والجبور، واللهيب، والعكيدات، والبوحمدان، وغيرهم كثير، فإن أبناء المحافظة عرفوا عبر التاريخ بالالتزام جانب النظام والدولة والانتماء إلى المواطنة وهو ما تجلى في الروح العسكرية النظامية الصارمة لدى أهاليها، بالإضافة إلى الميادين الأخرى التي أدت إلى إضعاف البنية العشائرية لحساب البنية المدنية»، مشيرا إلى أنه «في مرحلة من المراحل تراجعت العشائرية في المدن إلى حد كبير وبات الانتماء إلى المدينة أو الحي أو الحرفة أو المهنة أو ما إلى ذلك». ويستمر الطائي في سرد رؤيته كباحث مدني مختص في هذه الشؤون قائلا إن «المدينة في المحافظة هي الأقوى، وإن مدينة الموصل بالذات تركت بصمتها المدنية والحضرية على كل أرجاء المحافظة حتى الأرياف التي يفترض أن تكون سمتها هي التجمعات العشائرية».

ويبدو أن هذه السمة التي تتميز بها نينوى انسحبت على المعسكرات التي يجري إعدادها الآن لتحريرها من تنظيم داعش الذي احتلها في 10 يونيو (حزيران) عام 2014. وفي هذا السياق يقول العميد أبو واثق، أحد قياديي معسكرات التدريب، في حديثه إلى «الشرق الأوسط»، طالبا الاكتفاء باسمه الرمزي، إن «السمة العامة للمعسكرات التي يجري إعدادها لتحرير الموصل وعددها 5 معسكرات هي كونها تتكون من أبناء الجيش والشرطة من أبناء الموصل، وليس من أبناء العشائر، مثلما يجري في محافظات أخرى تتغلب فيها السمات العشائرية على ما عداها. وبالتالي، فإن عملية الضبط العسكري هنا أقوى، لأن هؤلاء جميعا هم من المنتسبين بمن في ذلك منتسبي المرور والجوازات، وغيرهم الذين انخرطوا جميعا الآن في هذه المعسكرات وبدأوا يتدربون، على الرغم من وجود نقص كبير في التسليح، بالإضافة إلى التأخير في صرف الرواتب». ويضيف أن «من بين هؤلاء متطوعون من أبناء العشائر، ولكنهم دخلوا كأفراد وليسوا تابعين إلى هذا الشيخ أو ذاك من شيوخ العشائر».

ويقسم أبو واثق هذه المعسكرات الخمسة إلى قسمين: «الأول هو معسكر للجيش والشرطة، وفي إطار خطة مركزية بإشراف مباشر من قبل الدولة ممثلة بنائب رئيس الجمهورية أسامة النجيفي ووزارة الدفاع، والقسم الثاني هم متطوعو الحشد الوطني وهم من عامة المواطنين ومن أبناء العشائر، وتمت تسميته بالحشد الوطني تمييزا لهم عن الحشد الشعبي (المتطوعون الشيعة) إلى حين صدور قانون الحرس الوطني الذي سيكون هؤلاء الركيزة الأولى له».

ويتابع العميد أبو واثق قائلا إن «خطة تحرير الموصل بدأت ملامحها، وهناك تنسيق مع الأميركيين بهذا الصدد على صعيد دور التحالف الدولي في هذا الأمر على أن تجري عملية التحرير من قبل أبناء الموصل حصرا، مع رفض صريح وواضح للحشد الشعبي مع مشاركة لقوات البيشمركة الكردية، ولكن عبر تفاهمات واضحة بهذا الشأن حتى يتم تجنب الحساسيات فيما يتعلق بمناطق متنازع عليها أو شيء من هذا القبيل».

مع ذلك، فإن هناك كلاما كثيرا بشأن صلة عشائر نينوى بتنظيم داعش حتى إن التنظيم أعلن أنه شكل لواء من عشائر الموصل أو أن العشائر هناك بايعته؛ الأمر الذي أعطى صورة سلبية إلى حد كبير عن عشائر المحافظة.

لكن الشيخ أحمد مدلول الجربا، أحد شيوخ عشيرة شمر ذات النفوذ الكبير في نينوى وعضو البرلمان، ينفي ذلك نفيا قاطعا. ويقول الشيخ الجربا لـ«الشرق الأوسط»، إن «القول بأن هناك دعما من قبل العشائر في عموم محافظة نينوى لتنظيم داعش، عار عن الصحة تماما، لكن هناك أفرادا من كل عشيرة من عشائر المحافظة، مثلما هي عشائر المنطقة الغربية كلها، يدعمون (داعش)». ويعزو الشيخ الجربا اهتمام «داعش» بالموصل وتهويلة الأنباء الخاصة بدعم عشائرها له إنما هو «نابع من رغبة هذا التنظيم في أن يعطي للموصل أهمية رمزية بحيث يجعل الموصل المعقل الثاني له بعد الرقة السورية». ويشير الجربا إلى «أننا لو أجرينا إحصاء لأعداد مسلحي (داعش)، الذين تقدرها المصادر الاستخبارية العالمية بنحو 35 ألف مقاتل ومن جنسيات مختلفة ومن مناطق مختلفة، فإننا لو افترضنا أنهم كلهم من أبناء نينوى، فإن نسبتهم إلى سكان المحافظة لا تتعدى الواحد في المائة، وحتى لو ضاعفنا العدد إلى 70 ألف مقاتل، فإن نسبتهم إلى سكان عموم المحافظة لا تتعدى الاثنين في المائة. ومن هنا يتبين لنا مدى التزييف الإعلامي على صعيد هذه القصة».

وبشأن دور قبيلة شمر بوصفها من كبريات قبائل المحافظة، قال الجربا إن «كون شمر عشيرة ممتدة بين عدة أقطار عربية، فضلا عن امتدادها من شمال العراق حتى جنوبه، جعل رؤيتها للأمور وسطية، ودائما تميل إلى الاعتدال، والأهم من ذلك أن شمر في الماضي والحاضر لم تكن يوما أداة بيد الدولة للبطش بالمدنيين».

وبشأن العمليات القتالية الحالية الآن في نينوى، قال الجربا إن «هناك نوعين من العمليات القتالية: عمليات عسكرية تقوم بها الأجهزة الأمنية، لا سيما من جهة ربيعة، ونوع تقوم به قوات البيشمركة، مع الإشارة إلى نقطة بالغة الأهمية هنا، وهي أننا نتمنى أن تكون الأولوية الآن لتحرير الموصل من (داعش) لا تثبيت مواقف أو تغيير حقائق على الأرض».

في السياق نفسه، يرى عز الدين الدولة، عضو البرلمان عن محافظة نينوى، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن «المتطوعين الآن من أبناء نينوى في المعسكرات الخاصة بالتحرير بدأت ترتفع الآن بعد أن تم صرف رواتب لهم وهو مؤشر جيد، لم يعد هناك مكان الآن في بعض المعسكرات»، مشيرا إلى أن «هذه العملية تأخرت والحكومة تتحمل المسؤولية في ذلك؛ حيث لو كانت الرواتب قد صرفت في وقتها لكانت عملية تحرير الموصل قد اكتملت بالفعل؛ إذ يوجد حماس لدى أهالي نينوى سواء كانوا أبناء مدن أو عشائر أو منتسبي أجهزة أمنية باتجاه تحرير أرضهم وعودتهم إلى منازلهم».