هولاند: مسلمو فرنسا لهم نفس حقوق وواجبات مواطنينا الآخرين

الرئيس الفرنسي شدد على المصير المشترك بين بلاده والعالم العربي * إسبانيا تحقق في زيارة كوليبالي لها

الرئيس الفرنسي يتوسط رئيس معهد العالم العربي جاك لانغ ووزيرة الثقافة الفرنسية فلور بيلارين خلال زيارة للمعهد أمس (إ.ب.أ)
TT

أكد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أمس أن مسلمي بلاده لهم الحقوق نفسها وعليهم الواجبات نفسها التي يتمتع بها المواطنون الآخرون، حيث قام بزيارة «معهد العالم العربي» في باريس أمس لطمأنة المواطنين الفرنسيين من أصول عربية بالإضافة إلى المسلمين.

وقال هولاند، الذي شكر العرب على تضامنهم في أعقاب أعمال العنف الأخيرة، إن الإسلام متوافق مع الديمقراطية، وإن المسلمين في فرنسا لهم الحقوق وعليهم الواجبات التي يتمتع بها كل المواطنين الفرنسيين. وأضاف في خطاب عاطفي: «علينا أن نتذكر - وقد قلت ذلك في كل مرة زرت فيها العالم العربي - أن الإسلام متوافق مع الديمقراطية.. علينا أن نرفض كل الانحيازات والالتباسات، وفي فرنسا أولا. المسلمون الفرنسيون لهم الحقوق وعليهم الواجبات نفسها مثل كل المواطنين».

وقال مسؤولون إن فرنسا ستعلن الأسبوع المقبل مجموعة من الإجراءات لمكافحة الإرهاب. وسيفرج عن موارد جديدة من أجل الرقابة، وقد تبحث فرنسا توسيع نطاق سياسة عزل السجناء المتشددين.

وفيما أخذت ترتفع أصوات في فرنسا وخارجها لتعكس القلق الذي ينتاب المسلمين والمتحدرين من أصول عربية من أن يكونوا ضحايا الإجراءات الأمنية التي تريد الحكومة تطبيقها لتلافي تكرار الحوادث الإرهابية كمقتلة مجلة «شارلي إيبدو» الساخرة، وبينما ارتفعت وتيرة استهداف المساجد وأماكن العبادة وبعض مصالح المسلمين في الأيام الـ8 الماضية، استفاد هولاند من فرصة افتتاح «منتدى التجدد العربي» في معهد العالم العربي في باريس أمس، لتوجيه عدة رسائل للداخل وللعالم العربي والإسلامي لطمأنة من هو خائف، ولتحديد القواعد التي تضبط عمل السلطات.

رسالة هولاند الأولى باتجاه الداخل والخارج معا قوامها التأكيد على «المصير المشترك» بين بلاده والعالم العربي الذي برز من خلال مشاركة البلدان العربية والمسلمة، فضلا عن مسلمي فرنسا، في الوقفة التضامنية ضد الإرهاب، ومسيرة يوم الأحد الماضي التي جمعت الملايين. وعدّ هولاند أن هذه المشاركة كانت «مفيدة وضرورية»؛ لأنها تعكس المصير المشترك على ضفتي المتوسط. وفيما عد الرئيس الفرنسي أن الحركات المتشددة «تتغذى من التناقضات والبؤس والنزاعات التي لم تحل منذ زمن بعيد»، فإنه سارع إلى التأكيد على أن «أول ضحايا التعصب والأصولية وغياب التسامح هم المسلمون أنفسهم».

أما رسالة هولاند الثانية التي عاد إليها في كلمته أكثر من مرة فهي تهدف إلى طمأنة مواطنيه من المسلمين الذين «لهم الحقوق نفسها والواجبات نفسها العائدة لبقية المواطنين» الذين يعيشون في ظل العلمانية التي تحمي الجميع وتوفر احترام جميع الأديان. وذهب الرئيس الفرنسي إلى التشديد على المعطى الأساسي الذي دأب عليه منذ الأعمال الإرهابية، وهو دعوة الفرنسيين إلى «عدم الخلط» بين الإسلام ومن ارتكب جرائم الأسبوع الماضي، وهو ما عبر عنه رئيس الحكومة مانويل فالس بقوله أمام الجمعية الوطنية إن فرنسا «ليست في حرب ضد الإسلام أو المسلمين، بل في حرب على الإرهاب».

ولمن يعتريه الخوف من تكرار حوادث الاعتداءات، أكد هولاند أن «القانون سيطبق على كل من يستهدف أماكن العبادة»، وأن الاعتداءات التي تستهدف اليهود والمسلمين «لا يكفي التنديد بها، بل سيعاقب كل من يرتكبها بقساوة».

أما التطبيق العملي لكلام الرئيس الفرنسي فهو توفير حضور أمني أمام أماكن العبادة الإسلامية واليهودية التي سيتولاها ما يزيد على 7 آلاف رجل أمن وجيش على كل الأراضي الفرنسية.

بيد أنه مقابل الحقوق، مثل الحماية والعيش الكريم وحقوق الإنسان، فإن الرئيس الفرنسي شدد أيضا على الواجبات التي تلزم جميع المواطنين، وقال هولاند: «أريد من المنتدى أن يكون فرصة أغتنمها لأقول للشعوب العربية إن فرنسا بلد صديق ولكن له قواعد ومبادئ وقيم (يتعين احترامها)، لا مساومة حولها، وأولها الحرية والديمقراطية.. وأقول للذين يعيشون في فرنسا أن يشعروا بأنهم محميون ومحترمون، كما أن عليهم أن يحترموا (قواعد) الجمهورية».

مقابل ذلك، دعا هولاند إلى «عدم نقل النزاعات الموجودة (في الشرق الأوسط) إلى فرنسا»، ملمحا بذلك إلى ما حصل خلال الصيف الماضي أثناء المظاهرات التي سارت في شوارع باريس ومدن أخرى احتجاجا على حرب إسرائيل على غزة. لكن هولاند الذي رأى أن «تستفيد وتستغل الفوضى (الموجودة في عدد من البلدان) لتهدد أمن العالم»، رأى أيضا أنه «يتعين تسوية هذه الأزمات (المستفحلة) التي تولد الفوضى» بحيث لا تنحصر المعالجة بالنتائج، بل تذهب إلى جذور المشكلات. وبأي حال، لا يخفي هولاند أن المبادرات التي تقوم بها بلاده سياسيا وعسكريا في الخارج هي «طريقة لضمان أمننا في الداخل»، ما يعني في تصوره أن الإرهاب واحد، خصوصا بعد أن تبنت «القاعدة في اليمن» مقتلة «شارلي إيبدو»، وزعم أحمدي كوليبالي أنه قام بعملية احتجاز رهائن وقتل مجموعة منهم في المتجر اليهودي بناء على أوامر من «داعش».

ولم يفت الرئيس الفرنسي أن ينبه الأوروبيين ويدعوهم للتحرك لحل نزاعات المنطقة؛ لأن استمرارها «يعني تدفق مئات الآلاف وربما الملايين إلى أوروبا».

أما بالنسبة للخارج، أي بالنسبة للعالم العربي والإسلامي، فإن الرئيس الفرنسي الذي يلقي غدا كلمة شاملة بمناسبة استقباله السلك الدبلوماسي المعتمد في باريس، شدد على الرد على من يزعم أن هذا العالم لا يتلاءم مع معطيات الحداثة. وقال هولاند: «علينا أن نؤكد على أن الإسلام يتلاءم مع الديمقراطية وعلى رفض الخلط (بين الإسلام والإرهاب) والمغالطات».

لكن هولاند أراد أيضا، رغم ما يراه من صورة معتمة للعالم العربي، أن يشدد على الإيجابيات وبصائص الأمل التي يحتضنها وما يمثله المبدعون والفنانون ورجال الأعمال والحيوية التي يحملها الشباب. وبرأيه أنه إذا كان العالم العربي يجتاز مرحلة «تحولات» ستأخذ وقتا طويلا، فإنه «يحبل بفرص جديدة»، وإن «النهضة ممكنة» إذا استخدمت الطاقات المتوافرة بذكاء، وجرى التزويج بين المصادر الطبيعية والتكنولوجيا والكفاءات ورؤوس الأموال للاستثمارات المفيدة. ولخص هولاند رؤيته بجملة معبرة: «نريد أن يكون العالم العربي هو الحل وليس المشكلة».

وكان منتدى معهد العالم العربي قد اجتذب في جلسته الافتتاحية العشرات من الوزراء والنواب والسفراء ورجال الأعمال والإعلام، وهو الأول من نوعه الذي ينظمه المعهد. وأشاد هولاند الذي يزور المعهد للمرة الرابعة في عامين، وهو ما لم يفعله أي رئيس فرنسي سابق، بإدارة جاك لانغ، رئيس المعهد، وبما يطلقه من مشاريع ولقاءات ومعارض ومنتديات.

على صعيد تداعيات أحداث الأسبوع الماضي الدامية، وفيما يتواصل العمل بالخطة الأمنية واستكمال انتشار الشرطة والدرك والجيش، يجهد القضاء والأجهزة الأمنية لحل بعض الألغاز المحيطة بالعمليتين، ومنها احتمال وجود شركاء للأخوين كواشي وأحمدي كوليبالي، ودور زوجة الأخير حياة بومدين التي تأكد وصولها إلى تركيا، لكن لم يحدد مكان وجودها حتى الآن. فضلا عن ذلك، أشارت المعلومات الأمنية الجديدة إلى وجود أمرين بالغي الأهمية يتناولان سبب إقامة الأخير في مدريد قبل أيام من عمليته في باريس، والثاني يدور حول مصادر السلاح والمعلومات التي تدل على أن الأخوين كواشي حصلا عليها من بلجيكا.

وأبلغ خبير في الدفاع على الإنترنت بالجيش الفرنسي أمس عن تصاعد القرصنة ضد 19 ألف موقع فرنسي على الإنترنت في الأيام الـ4 الماضية، وقال إن مواقع الإنترنت من جميع الأنواع تأثرت.

وقال الأميرال أرنو كوستيلييه للصحافيين في إشارة إلى مسيرة احتجاج حاشدة تقدمها هولاند و40 آخرون من زعماء العالم: «هذا هو الرد على مسيرة الأحد الماضي من جانب أشخاص لا يشتركون في قيمنا، وتراوحوا بين المؤمنين الذين يشعرون بالصدمة وعتاة الإرهابيين».

ويقابل هولاند صباح اليوم وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي يزور باريس للتعبير عن تضامن واشنطن مع فرنسا. بيد أن هذه الزيارة تأتي متأخرة كثيرا؛ إذ إن الغياب الأميركي عن مسيرة الأحد المليونية كان موضع جدل، وحتى الآن لم تعرف الأسباب الحقيقية له، علما بأن وزير العدل الأميركي كان في باريس صباح الأحد للمشاركة في اجتماع وزراء الداخلية الـ12، لكنه لم يشارك في المسيرة.

ومن جهتها، أمرت المحكمة العليا الإسبانية أمس بفتح تحقيق في فترة قضاها مسلح فرنسي في إسبانيا قبل أيام من شنه هجوما عنيفا على متجر للأطعمة اليهودية في باريس.

وقتل المسلح أحمدي كوليبالي شرطية و4 زبائن في المتجر في التاسع من يناير (كانون الثاني). وأطلق مسلحان آخران النار على 12 شخصا أمام مقر مجلة «شارلي إيبدو» الفرنسية.

وذكرت المحكمة في بيان أن كوليبالي كان بصحبة زوجته حياة بومدين وطرف ثالث خلال الفترة التي قضاها في إسبانيا. وأضافت أن الطرف الثالث ربما ساعد بومدين على الفرار إلى سوريا.

وينص النظام القضائي في إسبانيا على أن المحكمة العليا يمكنها فتح تحقيق وتكليف قاض يحصل فيما بعد على مساعدة الشرطة.

وقالت مصادر أمن لصحيفة «لا بانجارديا» إن كوليبالي أمضى عطلة نهاية أسبوع بين 30 ديسمبر (كانون الأول) و2 من يناير في مدريد مع زوجته التي توجهت إلى سوريا لاحقا عبر تركيا. وذكرت الصحيفة أن كوليبالي عاد إلى فرنسا يوم 2 من يناير برفقة طرف ثالث. وقال وزير الداخلية الإسباني خورخي فرنانديز دياز في كلمة نقلها التلفزيون إن السلطات الإسبانية تتعاون مع نظيرتها الفرنسية، لكنه أحجم عن تأكيد قضاء كوليبالي فترة من الوقت في مدريد أو التصريح بالأشخاص الذين ربما كان على اتصال بهم.