وزير خارجية فرنسا يعلن عن زيارة قريبة للمغرب لحل الأزمة الدبلوماسية بين البلدين

بعد عام من الفتور بين الرباط وباريس ودخول علاقاتهما في حالة جمود

TT

أعلن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، أمس، أنه سيزور «قريبا» المغرب في مسعى لحل أزمة دبلوماسية مستمرة منذ نحو عام بين البلدين، و«إعادة العلاقات إلى سالف عهدها».

وقال فابيوس متحدثا أمام أعضاء مجلس الشيوخ الفرنسي: «أنوي التوجه بنفسي قريبا إلى هذا البلد الذي أكرر أنه صديق لفرنسا»، مؤكدا أن البلدين «يتقدمان في إيجاد الحلول» بهدف إعادة التعاون القضائي المعلق منذ نحو عام من قبل الرباط.

وتأتي هذه الخطوة بعد عام من الفتور بين الرباط وباريس، دون مؤشرات على انفراج قريب، ودخول علاقاتهما في حالة جمود، عكسها التعطيل الكامل لاتفاقيات التعاون القضائي، والحفاظ على الحد الأدنى من الحوار الدبلوماسي، في أزمة غير مسبوقة في تاريخ البلدين، اللذين يرتبطان بعلاقات تقليدية قوية.

وتعددت أسباب هذه الأزمة منذ بداية 2014، بين تقديم شكاوى قضائية في فرنسا ضد مسؤولين مغاربة كبار، ومحاولة الشرطة الفرنسية استدعاءهم للمثول أمام القضاء، إضافة إلى التقارب الفرنسي - الجزائري.

وفي هذا الصدد قال وزير الخارجية والتعاون المغربي صلاح الدين مزوار، إن الثقة بين الطرفين تعرضت لـ«الاهتزاز»، وعبر عن أسفه لغياب «الإرادة السياسية» لدى باريس لإعادة العلاقة إلى «مسارها الصحيح»، موضحا أن «وقت الوصاية» الفرنسية على المغرب قد ولى، كما وجه الانتقاد لدور باريس في منطقة الساحل والصحراء.

من جانبها، تلتزم باريس الصمت، حيث تكتفي وزارة الخارجية الفرنسية منذ قرابة السنة بتكرار الكلام حول «رغبتها في استئناف المسار الطبيعي للتعاون، في مناخ تسوده الثقة والاحترام المتبادل الذي يميز الصداقة الفرنسية - المغربية»، لكن على أرض الواقع هناك «برود كبير» في العلاقة لا يزال قائما، وفق مصدر فرنسي.

وفي محاولة لتحليل طبيعة العلاقة بين باريس والرباط، قال بيير فيرميرن المختص في التاريخ المغاربي، إن «العلاقة بين الطرفين تعرف شدا، ففرنسا خلال 20 سنة الماضية كان لها اهتمام خاص جدا بالمغرب، وهو الأمر الذي لم يعد قائما اليوم».

واندلعت الأزمة بيا البلدين في 20 فبراير (شباط) الماضي عندما حاولت الشرطة الفرنسية مداهمة مقر إقامة السفير المغربي بباريس، لتخطر عبد اللطيف الحموشي، مدير المخابرات المغربية الداخلية الذي كان في زيارة رسمية، بضرورة الحضور إلى جلسة استماع أمام محكمة فرنسية، ليجيب على اتهامات بالتعذيب في حق مغاربة.

ويعتبر بيير فيرميرن، أنه «علاوة على أن ذلك التصرف يمثل طريقة سيئة في التعامل، فقد كشف إنزال الشرطة الفرنسية أمام مقر إقامة السفير المغربي في باريس، أن الحماية التي كان يتمتع المغرب يمكن أن تختفي».

وتصاعدت حدة التوتر بين الرباط وباريس أكثر بتقديم شكاوى جديدة ضد مسؤولين مغاربة أمام القضاء الفرنسي، إضافة إلى سلسلة من الحوادث الدبلوماسية، ومن بينها التفتيش الدقيق وغير المتوقع الذي خضع له وزير خارجية المغرب بمطار رواسي في باريس شهر مارس (آذار) الماضي، إضافة إلى سخرية مسؤول دبلوماسي فرنسي من المغرب حول قضية الصحراء.

وعلى الرغم من استمرار باريس في دعم الرباط بشأن مسألة الصحراء في الأمم المتحدة، فإن الرباط ما زالت تنظر إلى التقارب الفرنسي - الجزائري، منذ وصول الاشتراكي فرنسوا هولاند إلى الرئاسة الفرنسية، بعين الريبة والحذر.

وقد كان لهذه القطيعة آثار واضحة ومستمرة في الزمن، حيث إن التعليق الكامل للعمل باتفاقيات التعاون القضائي لمدة سنة تقريبا، جمد على المستوى المدني ملفات عشرات الآلاف من الفرنسيين والمغاربة في البلدين، إضافة إلى الملفات الجنائية المرتبطة بالسجناء، الذين خاضوا إضرابات عن الطعام احتجاجا على تأخر النظر في نقلهم إلى فرنسا.

أما التعاون الأمني الذي يعد حاسما بين البلدين، فقد طاله الجمود بدوره، حسب قنوات غير رسمية من الجانبين، وذلك في وقت يعتبر فيه المغرب وفرنسا من البلدان المصدرة لآلاف من المواطنين إلى مناطق التوتر والصراع، خاصة الملتحقين للقتال في صفوف تنظيم داعش.

وعلى الصعيد الدبلوماسي تبقى العلاقات محصورة في الحد الأدنى، حيث التقى لوران فابيوس الأحد الماضي في باريس مع وزير الخارجية المغربي، في اجتماع هو الأول على هذا المستوى منذ عدة أشهر. أما الزيارات الوزارية الفرنسية إلى المغرب، والتي كانت متكررة بشكل مألوف بين الجانبين، فقد توقفت منذ سبتمبر (أيلول) الماضي، وبحسب الإعلام المغربي فإن التوتر حاصل على أعلى مستوى، باعتبار أن الملك محمد السادس اختار قضاء عطلة رأس السنة رفقة عائلته في تركيا، بدل قصره في مدينة بيتز شمال باريس.