الوسيط الفرنسي في الأزمة اللبنانية في الفاتيكان بعد طهران والرياض

مصادر دبلوماسية لـ «الشرق الأوسط»: موسكو تضع العصي في دواليب وساطة باريس

TT

لم تحرف الأوضاع الصعبة التي تعيشها باريس منذ 7 يناير (كانون الثاني)، تاريخ مقتلة مجلة «شارلي إيبدو» الساخرة، أنظار دبلوماسيتها عن الأزمة اللبنانية والفراغ الرئاسي المستحكم منذ ما يزيد على 7 أشهر. فـ«الوسيط» الفرنسي، مدير دائرة «الشرق الأوسط وشمال أفريقيا»، جان فرنسوا جيرو، الواسع الاطلاع على خفايا الأزمة وتعقيداتها، لم يلقِ عصا الترحال؛ إذ إنه مستمر في جولاته على العواصم «المؤثرة»، سعيا وراء إخراج الأزمة من النفق المظلم، ومساعدة اللبنانيين على التوافق على شخص الرئيس، وربما على «سلة» تسويات تتناول الانتخابات الرئاسية، وتشكيل حكومة جديدة وتحديد موعد الانتخابات النيابية المؤجلة.

وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر دبلوماسية متطابقة في باريس، أن جيرو الذي عاد من الرياض يوم الثلاثاء الماضي، يتأهب لزيارة حاضرة الفاتيكان الاثنين القادم، لإطلاع مسؤولي الدبلوماسية البابوية على ما آلت إليه مهمته وعلى الصعاب التي يواجهها في السير بها حتى النهاية. وبعد ذلك، ينتظر أن يقوم جيرو بزيارة جديدة إلى لبنان لجولة موسعة من المناقشات بعد تلك التي قام بها في الأسبوع الثاني من الشهر الماضي.

وكشفت المصادر المشار إليها أن موقف الفاتيكان «يتماهى تماما مع موقف البطريرك الماروني» بشارة الراعي وأنه «يوافق على ما يوافق عليه». ويعول جيرو على «نفوذ» البابوية في لبنان لدفع الأفرقاء المسيحيين للتوافق فيما بينهم على موقف موحد.

لا تريد المصادر الفرنسية أن تدخل في تفاصيل المناقشات التي يقوم بها جيرو نظرا لحساسية الموقف ولتلافي «حرق» الأوراق التي يمكن التفاوض عليها. ولكن ما تناهى لـ«الشرق الأوسط»، أن باريس «مرتاحة» للموقف الأميركي من الملف اللبناني؛ حيث إن واشنطن «تترك الطرف الفرنسي يتحرك من غير أن تضع العصي في دواليبه». وبكلام آخر، فإن واشنطن «تنظر بإيجابية للدور الفرنسي في لبنان، لأنها تعتبر أن ما تقوم به باريس يصعب على الطرف الأميركي بسبب انقطاع التواصل بينه وبين بعض الأطراف المؤثرة» في الأزمة اللبنانية. بيد أن ما يزعج الدبلوماسية الفرنسية هو «الغموض الأميركي» بالنسبة للوضع في سوريا ولمصير الرئيس الأسد على وجه الخصوص. ولا تتواني باريس عن انتقاد واشنطن في شأنين: الأول، قديم ويتمثل في تراجع الرئيس أوباما عن قرار توجيه ضربة عسكرية لقوى النظام السوري بعد استخدامه السلاح الكيماوي في الغوطتين الشرقية والغربية في أغسطس (آب) من عام 2013. والثاني، الإصرار الأميركي على حصر الضربات الجوية الأميركية في سوريا على مواقع تنظيم داعش، وترك قوى النظام حرة تفعل ما تريده ميدانيا. وينتظر أن تثار هذه المواضيع اليوم في لقاءات الوزير كيري مع الرئيس الفرنسي.

تقول المصادر الفرنسية إن باريس تحظى بدعم دول الاتحاد الأوروبي. بيد أن ما يزعج العاصمة الفرنسية هو «مساع روسية لتخريب الجهود الفرنسية». ولمزيد من الدقة، تشير أصابع الاتهام الفرنسية إلى مساعد وزير الخارجية الروسي بوغدانوف الذي زار بيروت ويلعب دورا أساسيا في الملف السوري إلى جانب الوزير سيرغي لافروف. وتفسر باريس العوائق الروسية على أنها تعبير عن رغبة موسكو في «عدم إفساح المجال أمام فرنسا لتستعيد دورا رئيسيا سياسيا ودبلوماسيا في لبنان» إلى جانب الدور الذي تلعبه عسكريا ودفاعيا والمتمثل في إعادة تسليح الجيش اللبناني.

الانطباع العام الذي تولد لـ«الشرق الأوسط» من خلال اتصالاتها، أن باريس «أقل تفاؤلا اليوم مما كانت عليه في الأمس» لجهة حلحلة الأزمة اللبنانية، رغم «الإيجابيات المحلية» المتمثلة بالحوار المتواصل بين «حزب الله» وتيار المستقبل من جهة، والجهود لجمع رئيس القوات اللبنانية، سمير جعجع، ورئيس التيار الوطني الحر، العماد ميشال عون، من جهة ثانية. وكان الوسيط الفرنسي قد التقى الرئيس سعد الحريري في الرياض التي عاد منها جيرو الثلاثاء الماضي، بعد أن كان زار طهران واجتمع بمساعد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان.