«داعش» يتمدد في أكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان

لم يعلن التنظيم الإرهابي عن وجوده بشكل رسمي داخل «عين الحلوة» ويعتمد على متعاطفين معه

أهالي السجناء المتشددين في سجن رومية يحملون أعلام «داعش» و«القاعدة» بعد صلاة الجمعة أمس في مخيم البداوي بطرابلس احتجاجا على رسوم مسيئة للرسول نشرتها الأسبوعية الفرنسية الساخرة «شارلي إيبدو» (رويترز)
TT

لن يكون تمدد تنظيم «داعش» إلى داخل مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين الواقع في منطقة صيدا جنوبي لبنان، بالأمر المستغرب للفلسطينيين واللبنانيين على حد سواء، فالمخيم والذي يُعتبر كغيره من المخيمات الـ12 التي يعيش فيها لاجئون فلسطينيون منذ العام 1948 بقعة خارجة عن سلطة الدولة اللبنانية وأجهزتها، اعتاد الظواهر المتطرفة وتحوله إلى بؤرة أمنية في السنوات الماضية يلجأ إليها المطلوبون للعدالة والساعون لزعزعة الاستقرار اللبناني.

ولم تثر التصريحات المتتالية لوزير الداخلية نهاد المشنوق التي تلت التفجير الانتحاري المزدوج الذي استهدف منطقة جبل محسن العلوية شمالي البلاد الأسبوع الماضي، والتي تحدث فيها عن مربع موت جديد لـ«داعش» يمتد بين جرود بلدة عرسال اللبنانية ومخيم عين الحلوة وسجن رومية (شرق بيروت) إلى العراق والرقة، مخاوف أهل المخيم الذين تعايشوا منذ زمن مع فكرة أن بينهم العشرات ممن يحملون الأفكار المتطرفة وينفذون أجندات معينة لدول أو لتنظيمات كـ«القاعدة» و«داعش» وغيرهما.

وقد نجح قادة الفصائل الفلسطينية في «عين الحلوة» طوال السنوات الـ4 الماضية بتجنيبه الانجرار إلى أتون الحرب السورية، رغم توجه عدد لا بأس به من أبناء المخيم للقتال هناك. وتوج هؤلاء نجاحاتهم هذه بإنشاء قوة أمنية مشتركة في يوليو (تموز) الماضي تضم نحو 150 عنصرا مسلحا يمثلون جميع التنظيمات ويتولون حفظ الأمن في المخيم. إلا أن التحديات الأمنية عادت تطرق أبواب «عين الحلوة» وبقوة بعيد المعارك التي شهدتها مدينة طرابلس الشمالية في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بين مسلحين متطرفين وعناصر الجيش، وما حكي عن فرار عدد من الرؤوس الإرهابية الكبيرة إليه وأبرزهم شادي المولوي والشيخ خالد حبلص وقبلهما الشيخ أحمد الأسير والفنان المعتزل فضل شاكر.

وحافظ المخيم على تماسكه مع إعلان قادة الفصائل جهوزيتهم للتنسيق مع أجهزة الدولة اللبنانية لإلقاء القبض على المطلوبين داخله، رغم تأكيدهم أن معظم من يتم التداول بأسمائهم لم يثبت تواجدهم في «عين الحلوة». ولكن يبدو أن استقرار المخيم عاد للاهتزاز بعد تأكيد المشنوق وجود رابط بين مجموعة في عين الحلوة وتفجيرَي جبل محسن، فضلا عن وجود صلات بين «غرفة عمليات سجن رومية» (التي جرى تفكيكها الاثنين الماضي بعملية دهم لمبنى الموقوفين ب)، وعين الحلوة ومدينة الرقة السورية التي يحتلها تنظيم «داعش»، متوعدا «الإرهابيين» بأن لا يبقوا متحصّنين في المخيم.

ولم يعلن «داعش» عن أي تواجد رسمي له في لبنان أو «عين الحلوة»، وهو يعتمد على ما يبدو على تنظيمات ومجموعات متطرفة بعيدة عن الضوء كجماعة «الشباب المسلم» التي تضم أعضاء من تنظيم «فتح الإسلام» المتطرف الذي خاض في العام 2007 مواجهات دامية مع الجيش اللبناني في مخيم نهر البارد شمالي البلاد.

ويؤكد قادة الفصائل الفلسطينية داخل المخيم أنّهم لا يملكون إطلاقا المعلومات التي بحوزة المشنوق. وينفي قائد قوات الأمن الوطني الفلسطيني اللواء صبحي أبو عرب أن تكون أجهزة الدولة اللبنانية قد طلبت منهم تنفيذ أي خطوات جديدة أو اتخاذ أي تدابير بالتزامن مع إعلان وزير الداخلية تواجد «داعش» داخل المخيم، لافتا إلى أنّه يتم عقد اجتماعات متتالية بين قادة الفصائل والقوى المعنية داخل «عين الحلوة» كما مع قادة الأجهزة الأمنية اللبنانية لاستيعاب أي تطورات مفاجئة. وشدّد أبو عرب في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على أنه لا تواجد بشكل علني ورسمي لـ«داعش» داخل المخيم: «إلا أن هناك وبلا شك جماعات متعاطفة معه»، مشيرا إلى جماعة «الشباب المسلم».

ويشكك أمير «الحركة الإسلامية المجاهدة»، أمين سر القوى الإسلامية الشيخ جمال خطاب في المعلومات التي لدى المشنوق، لافتا إلى أنّه يعتمد في تصريحاته على التقارير التي تصله وقد يكون بعضها غير صحيح، نافيا وجود أي دليل يؤكد تجنيد الانتحاريين اللذين فجرا نفسيهما في جبل محسن، داخل عين الحلوة. وقال خطاب لـ«الشرق الأوسط»: «لماذا أصلا قد يتم تدريبهما داخل المخيم ومدينة طرابلس والتي هي مسقط رأسيهما فيها كل ما يحتاجانه لهذا الغرض، كما أن سوريا قد تكون أقرب إليهما من صيدا».

ونفى خطاب نفيا قاطعا وجود مراكز أو مكاتب أو نشاط أو حتى هيكلية تنظيمية لـ«داعش» داخل المخيم، متحدثا عن تواجد «شباب متعاطفين مع التنظيم وهؤلاء موجودون في كل أنحاء لبنان كما في أوروبا وأميركا وغيرها من البلدان».

ويُجمع كل قادة الفصائل على تواجد فضل شاكر داخل المخيم، إلا أنهم يؤكدون أن المولوي والأسير وحبلص لم يظهروا داخل عين الحلوة، مستبعدين تواجدهم فيه.

ويعي هؤلاء تماما، معتمدين على التصريحات الأخيرة للمشنوق، أن التهديدات عادت تلوح في أفق المخيم، لذلك يتركون اجتماعاتهم مفتوحة لتدارك المستجدات، وهو ما أكّده مسؤول منظمة «الصاعقة» في لبنان، وأمين سر لجنة المتابعة لقوى وفصائل القوة الوطنية والإسلامية الفلسطينية في عين الحلوة عبد مقدح، لافتا إلى أن الفلسطينيين يسعون لأن يكونوا عامل استقرار للبنان. قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «مهما كلّف الثمن لن نكون شوكة في الخاصرة اللبنانية كما أننا سنتعاون مع أجهزة الدولة بكل إمكانياتنا».

يُذكر أن مساحة المخيم الذي يُعتبر أكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين في لبنان لا تتخطى الكيلومتر المربع الواحد. وقبل اندلاع الأزمة السورية في مارس (آذار) 2011. كان المخيم يضم 80 ألف لاجئ فلسطيني، لكن وبعد تفاقم الحرب السورية وإقحام المخيمات الفلسطينية فيها وخاصة «اليرموك» بات عين الحلوة يستضيف نحو 105 آلاف شخص، معظمهم من الفلسطينيين.