رئيس الاستخبارات الأفغانية يثير إعجاب الأميركيين.. باستقلالية قراراته

يركز على تحويل المتشددين إلى مصادر معلومات واختار الحياد أثناء أزمة الانتخابات الرئاسية

رحمة الله نبيل
TT

على عكس سلفه، لم يواجه رئيس جهاز الاستخبارات الأفغاني، رحمة الله نبيل، أي اتهامات توجهها له جماعات حقوق الإنسان بوجود غرفة تعذيب في قبو منزله. بل على العكس، يخشى الكثير من الأفغان ألا تتناسب طبيعة نبيل اللطيفة في الواقع مع هذا المنصب؛ ويرون أن التغلب على حركة طالبان يحتاج إلى درجة معينة من القسوة والشدة. وفي الوقت نفسه، يشعر أفغان آخرون ومسؤولون غربيون بالقلق من عدم التزام نبيل، كما كان يزعم، بتحديث والسيطرة على جهاز استخباراتي ولد من رحم قوة شرطة سرية تلقت تدريبها على أيدي جهاز الاستخبارات الروسي («كيه جي بي» سابقا) المعروف بوحشيته.

بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على ترؤسه «المديرية الوطنية للأمن»، ومع ترشيحه الآن للاستمرار في المنصب في ظل الإدارة الجديدة، يفترض أن تصبح الإجابات عن شخصية نبيل (46 عاما)، المسؤول السابق في الأمم المتحدة، أكثر وضوحا. ومع ذلك، ما زال من الصعب للغاية فهم شخصيته. وربما يجعله ذلك مناسبا تماما لوظيفته، فأفضل الجواسيس يكونون في الغالب ممن لا يجذبون الملاحظة ولا يتمتعون بشخصية جذابة لافتة. ولا يبدو نبيل، وهو رجل رقيق الكلام يفضل ارتداء البذلات البسيطة، شبيها بأي مسؤول استخبارات من منطقة جنوب آسيا.

ومع تقليص الولايات المتحدة والقوى الأوروبية لدورها بشكل حاد في أفغانستان، سعى نبيل بقوة لتحجيم قوة حركة طالبان، ومنع فلول تنظيم القاعدة من تكوين أذرع جديدة في أفغانستان، ومنع تنظيم داعش من استقطاب أتباع له في صفوف حركة التمرد الأفغانية. وأظهرت «المديرية الوطنية للأمن»، تحت قيادته، قدرا من الاستقلالية أذهل حتى وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) التي تقوم بتدريبها وتزويدها بالإمدادات وتمويلها ماديا. فقد حول الجواسيس الأفغان بعض المتشددين الأكثر شهرة في المنطقة إلى مصادر للمعلومات وعملاء محتملين، كما نقلت وكالة الاستخبارات بشكل سري حربها عبر الحدود، لتستهدف قادة طالبان المختبئين في باكستان.

وتعد هذه إنجازات يجري التفاخر بها في أفغانستان. لكن نبيل لا يؤكد أيا منها عندما يتحدث عن «المديرية الوطنية للأمن»؛ بل يتحدث عن الحاجة لحماية الأفغان وضمان حقوقهم. وقال في أحد اللقاءات «إن حرية التعبير عن الرأي جزء من ذلك، واحترام حقوق الإنسان جزء من ذلك. نحن لا نريد أن نكون بوليسا سياسيا». وأضاف محذرا «نحن في خضم حرب؛ ومن الصعب للغاية أن نقول إننا وصلنا إلى الكمال في هذه المرحلة».

لم ينجح مستوى السرية الذي يحيط بالجهاز قيد أنملة في تهدئة المخاوف من أن يكون الجهاز مجرد نسخة جديدة من الشرطة السرية القديمة بقوتها شبه العسكرية وقدراتها العالية في المراقبة التي اقترضتها من الأميركيين، ومع حصولها على تفويض بمراقبة واعتقال أفراد الشعب.

يعج سجل الجهاز بحالات تعذيب وانتهاكات أخرى موثقة. ورغم أن نبيل أنشأ وحدة تحقيق داخلية وسمح لمراقبي حقوق الإنسان الأفغان والدوليين بالدخول إلى منشآت الجهاز، يرى مدافعون عن حقوق الإنسان أن إجراء تغييرات جوهرية يتطلب عملا عاما وملاحقات قضائية، وهو ما لم يتحقق حتى الآن.

تتنصت «المديرية الوطنية للأمن» على نطاق واسع على الأفغان، وخلال أزمة الانتخابات الرئاسية التي أدت إلى انقسام الحكومة العام الماضي، قال مسؤولون أفغان إن ضباطا تابعين لـ«المديرية الوطنية للأمن» سربوا تسجيلات توضح محاولات تلاعب في الانتخابات لصالح أشرف غني، الذي فاز بها في النهاية.

ويرى مسؤولون أفغان وغربيون أنهم لا يعتقدون أن نبيل لعب دورا في تسريب الأشرطة لصالح حملة منافسه عبد الله عبد الله. وكثيرا ما أشاد أنصار المعسكرين المتنافسين بنبيل بسبب بقائه على الحياد نسبيا خلال الأزمة، وهو يجتمع حاليا مع الرئيس غني بشكل يومي. ولكن إذا مثلت الانقسامات في الحكومة الجديدة تحديا لنبيل، فإنها لن تكون أكثر صعوبة من الانقسامات التي تسببها مجموعة متنافرة من الأعداء السابقين يمثلون كيان الجهاز الذي يترأسه؛ حيث يعمل في «المديرية الوطنية للأمن» في شكلها الحديث عملاء قدامى دربتهم الاستخبارات الروسية إلى جانب «متشددين» كانوا يحاربون خلال الثمانينات من القرن الماضي. ويتشارك الفريقان في إحساس كل منهما بالنفور من زملاء جرى تعيينهم عندما كانت حركة طالبان في سدة الحكم. ويرى نبيل أن تلك المعسكرات الداخلية تفتقر إلى التفكير الاستراتيجي، أو حتى الشعور المشترك بما ينبغي القيام به. وقال إن «التحدي الأكبر الذي يواجهنا» هو تجميعهم على هدف واحد مشترك. ويمثل الحل الذي طرحه في استقدام جيل جديد من المسؤولين الذين يقومون، مثله، بجسر الهوة بين أفغانستان والغرب.

كان تعيين نبيل كأحد موظفي مجلس الأمن القومي للرئيس حميد كرزاي في عام 2004 قد جرى عن طريق زميل سابق له في الأمم المتحدة، وسرعان ما أسندت إليه بعد ذلك مسؤولية قيادة قوة حرس جديدة كان يجري تدريبها لحماية الرئيس. كان أسد الله خالد، خلف نبيل في رئاسة «المديرية الوطنية للأمن»، والذي اتهم قبل سنوات بإدارة غرفة تعذيب في قبو منزله، قد أصيب بجروح بليغة في تفجير انتحاري وقع بعد بضعة أشهر من توليه المنصب. فكان أن اتجه كرزاي مرة أخرى إلى نبيل، وعينه في منصب نائب المدير العام للجهاز. ورشحه الرئيس غني الشهر الحالي لتولي هذا المنصب مرة أخرى، وفي انتظار موافقة البرلمان.

ومن المهام الأولى التي سيضطلع بها استئناف مشروع حساس كان قد بدأه في بداية فترة عمله كرئيس للمديرية الوطنية للأمن، وهو تحويل المسؤول الثاني في حركة طالبان باكستان، لطيف محسود، إلى مصدر للمعلومات، وربما إلى عميل لاستخدامه ضد باكستان. وقال نبيل إن محسود تم زرعه في البداية ليكون مصدرا للمعلومات الاستخباراتية؛ لكن الأفغان يريدون أيضا «إرسال رسالة إلى باكستان مفادها أنه إذا كان بإمكانهم القيام بذلك، فنحن نستطيع أيضا».

وبغض النظر عن ماهية العلاقة، استشاط المسؤولون الأميركيون غضبا عندما اكتشفوها في شهر سبتمبر (أيلول) 2013؛ فأرسلوا فريق عمليات خاصة لاختطاف محسود من موكب تابع للمديرية الوطنية للأمن كانت ينقله إلى كابل العام الماضي. ويُعتقد أنه ما زال محتجزا لدى الولايات المتحدة.

* خدمة «نيويورك تايمز»