ليبيا: الجيش يؤكد التزامه بهدنة مفاجئة اعتبارا من منتصف ليلة الأحد

وزير الخارجية لـ «الشرق الأوسط»: حريصون على نجاح حوار جنيف.. والبرلمان السابق يقترح نقله إلى الداخل

TT

دخل المشهد السياسي في ليبيا، أمس، مرحلة جديدة، بإعلان القيادة العامة للجيش الليبي في بيان مفاجئ أصدرته أمس، عن وقف إطلاق النار اعتبارا من الساعة الثانية 10 منتصف ليلة الأحد برا وبحرا وجوا وعلى كافة الجبهات لإنجاح الحوار الذي تقوده بعثة الأمم المتحدة، باستثناء ما وصفته بعملية مطاردة الإرهابيين.

ورحب وزير الخارجية الليبي محمد الدايري بهذا البيان وقال أمس لـ«الشرق الأوسط» في أول تعليق لمسؤول بالحكومة الانتقالية التي يترأسها عبد الله الثني، إن بيان الجيش يؤكد مجددا مواقف الحكومة الشرعية المرحبة بالحوار الوطني وإصرارها على نجاحه.

وعد الدايري، الذي أبلغ «الشرق الأوسط» أنه يستعد لزيارة السعودية قريبا للإعراب عما وصفه بـ«تثمين الموقف السعودي الرائد تجاه ليبيا والمنطقة العربية»، أن حكومته الشرعية التي تحظى باعتراف المجتمع الدولي متفائلة بجولة الحوار الذي ترعاه الأمم المتحدة والمقرر استئنافها الأسبوع المقبل في مدينة جنيف السويسرية.

من جهتها، اعتبرت قيادة الجيش الليبي، أنها تقف على مسافة واحدة من كافة الأطراف السياسية الليبية القابلة بالعملية السياسية، مشيرة إلى أن الجيش ليس طرفا في هذه العملية بل حامٍ لها.

وأكدت في بيان لها، أن الجيش لا يقاتل إلا من يبادر باستعمال السلاح أو يهدد باستعماله بهدف ابتزاز أو تعطيل العملية لسياسة، مؤكدا رغبته في التفرغ لواجبه في حماية لبلاد وأمنها. وأضاف البيان: «سواء نجح أو فشل حوار جنيف، فإن الجيش الوطني يتعهد بمواصلة حماية الشعب الليبي والسعي لتحقيق تطلعاته في الأمن والاستقرار بعيدا عن أي تجاذبات سياسية».

في المقابل، رحبت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، بإعلانات وقف إطلاق النار أحادية الجانب التي صدرت عن مختلف الأطراف، والتي ترمي إلى تسوية النزاع بشكل سلمي من خلال الحوار. وتدعو البعثة جميع الأطراف إلى العمل معها على تحديد عناصر وقف إطلاق النار لضمان الالتزام به.

ورأت البعثة في بيان أصدرته أمس، أن «هذه الإشارة المشجعة تساهم بشكل كبير في إيجاد بيئة مواتية لعملية الحوار الليبي الجارية». وحثت البعثة الأطراف على ضمان تطبيق وقف إطلاق النار على الأرض وفي البحر والجو، إضافة إلى حركة العناصر المسلحة والمركبات، مشيرة إلى أن لجانا من الطرفين ستقوم بالتنسيق مع بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بمعالجة أي خروقات.

وطالبت البعثة بوقف القتال لإنقاذ الأرواح الليبية ووقف الدمار وتمهيد الطريق للبحث بشكل سلمي عن حلول للأزمة السياسية والأمنية في ليبيا من خلال الحوار، معتبرة أن من شأن الهدنة أن تمكن تدفق المساعدات الإنسانية إلى النازحين والمحتاجين في المناطق المتضررة كما ستشجع المنظمات الدولية على استئناف عملها بشكل كامل في البلاد.

ورحب مجلس الأمن الدولي السبت بمفاوضات السلام الليبية التي تعقد في جنيف هذا الأسبوع، ولكنه حذر ليبيا من أنه سيدرس فرض عقوبات على أي طرف يقوض أمن واستقرار هذا البلد.

وقال المجلس في بيان، إن «أعضاء مجلس الأمن يؤيدون استئناف جولة أخرى من المحادثات في جنيف الأسبوع المقبل (هذا الأسبوع)، ويحثون بقوة كل الأطراف الليبية المعنية على الحضور»، مضيفا أنه يرحب بإعلانات وقف إطلاق النار. وحذر المجلس من أن لجنة عقوبات ليبيا التابعة له «مستعدة لمعاقبة من يهددون السلام أو الاستقرار أو الأمن أو من يعرقلون أو يقوضون نجاح استكمال تحولها السياسي».

لكن المؤتمر الوطني العام (البرلمان) الليبي السابق والمنتهية ولايته، سعى في المقابل إلى إرباك المشهد السياسي مجددا بعدما وافق أمس عقب جلسة عقدها بمقره في العاصمة طرابلس على حضور محادثات السلام شريطة أن تعقد داخل ليبيا. واقترح المؤتمر عقد الجولة الثانية من الحوار الوطني الليبي الذي ترعاه بعثة الأمم المتحدة في مدينة غات الليبية بدلا من جنيف، كما كان مقررا خلال الأسبوع المقبل.

وأكد البرلمان السابق في بيان صحافي تلاه الناطق الرسمي باسمه عمر حميدان، تمسكه بضرورة أن يكون الحوار على الأراضي الليبية تحقيقا لرغبة الليبيين، مشيرا إلى أنه اقترح مدينة غات في جنوب البلاد مكانا للحوار.

وأبدى المؤتمر السابق الذي لا يحظى بالاعتراف الدولي، استعداده وجاهزيته لمناقشة أي مقترح من شأنه أن يخرج البلاد من أزمتها الراهنة ويؤدي إلى حقن الدماء وبسط سيطرة الدولة على كافة مؤسساتها ومرافقها، على أن يكون ذلك وفق الثوابت التي سبق التأكيد عليها. وأعلن عن تكليفه لفريق الحوار في التنسيق مع بعثة الأمم المتحدة لتحديد زمان وبنود الحوار وآلياته مع ضرورة الرجوع إليه قبل اتخاذ أي قرار في هذا الشأن.

كما كشف البيان عن تفويض المؤتمر الوطني لرئيسه نوري أبو سهمين، في التنسيق مع رئاسة الأركان والمجلس الأعلى للدفاع وقادة الثوار المنضوين تحت لواء الشرعية بوضع الآليات المناسبة لتهيئة الظروف الملائمة لإنجاح هذا الحوار. كما أكد على الالتزام بمبادئ وأهداف ثورة الـ17 من فبراير (شباط) والإعلان الدستوري وحكم الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا والانطلاق منه باعتباره أمرا دستوريا يتسامى عن الجدل وهو أساس لأي حل سياسي.

ولم يصدر على الفور أي إعلان رسمي من بعثة الأم المتحدة ردا على مقترح البرلمان السابق نقل حوار جنيف إلى داخل الأراضي الليبية، لكن الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا برناردينو ليون، أعلن أمس في رسالة متلفزة استغرقت أقل من نصف دقيقة، عن تطلعه قدما لمزيد من المحادثات في الجولة الثانية من الحوار الأسبوع المقبل بعد عقد الجولة الأولى من الحوار الليبي في جنيف.

وفي الأسبوع الماضي جمعت الأمم المتحدة الفصائل التي تتنافس على السلطة في ليبيا في محادثات في جنيف، غاب عنها ممثلون كبار من الحكومة المعلنة من جانب واحد والبرلمان المرتبط بها، وتتخذ هذه الحكومة من طرابلس مقرا.

من جانبها، قالت قوات ما يسمى عملية فجر ليبيا المتطرفة التي تسيطر على العاصمة طرابلس بقوة السلاح منذ شهر أغسطس (آب) الماضي، إن ما سمته حوار جنيف التآمري قد فشل فشلا ذريعا وسقطت معه أقنعة المتلبسين بالثورة من طلاب الكراسي ورجال الأعمال الذين يسعون لحفظ مكاسبهم ومصالحهم المادية.

واعتبرت في بيان بثته عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، أن هذه المؤامرة التي قادها ليون ليست الأولى ولا الأخيرة التي تحطمت وذهبت سدى. وزعمت حصولها على أنباء مؤكدة على أن ليون قد انصاع لإحدى ركائز نجاح أي حوار، وهي أن يكون ليبيًا – ليبيًا، وعلى أرض ليبيا ودون أي إملاءات خارجية ولا أجندة سلطوية، وإنما تحت ثوابت ثورة 17 فبراير وأهدافها.

إلى ذلك، أعلن طاقم طبي، أن نحو 600 شخص قتلوا في 3 شهور من القتال الشرس بين القوات الموالية للحكومة وجماعات إسلامية في مدينة بنغازي ثاني أكبر المدن الليبية. وقال أحد المسعفين لوكالة «رويترز» (إجمالي عدد القتلى نحو 600)، لافتا إلى أن المشرحة في أحد المستشفيات بها 71 جثة لم يتسلمها أقاربها.

وطبقا لما أعلنته المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة فإن عشرات الآلاف من الليبيين اضطروا للنزوح، جراء تجدد القتال في بين قوات الجيش ومجموعات متطرفة في بنغازي، بشرق البلاد. وقال المتحدث باسم المفوضية ويليام سبندلر في مؤتمر صحافي بمدينة جنيف: «نقدر أن نحو 400 ألف شخص نزحوا في أنحاء البلاد، إضافة لذلك تستضيف ليبيا نحو 37 ألفا من اللاجئين وطالبي اللجوء من جنسيات مختلفة، ظروفهم الإنسانية متقلبة».

وبعد نحو 4 أعوام من الإطاحة بنظام حكم العقيد الراحل معمر القذافي عام 2011 في انتفاضة دعمها حلف شمال الأطلنطي (الناتو) سادت الفوضى ليبيا؛ إذ توجد بها حكومتان وبرلمانان تدعمهما فصائل مسلحة متناحرة فيما تخشى حكومات غربية أن تسقط البلاد في هوة الحرب الأهلية. وتهدف محادثات الأمم المتحدة إلى تشكيل حكومة وحدة ووقف القتال ووضع البلاد على مسار الديمقراطية من جديد، لكن القوى التي تتخذ من طرابلس مقرا لها شكت الأسبوع الماضي من أن العملية تتم على عجل.

وتسبب الصراع على البنية التحتية النفطية في إغلاق ميناءين نفطيين رئيسيين في شرق ليبيا وتقليص إنتاجها النفطي إلى نحو 300 ألف برميل يوميا بعدما كان 1.6 مليون برميل يوميا قبل الإطاحة بالقذافي.