«الجبهة الشعبية» و«حراك شعب المواطنين» قطبا المعارضة الجديدة في تونس

الداخلية لـ «الشرق الأوسط»: رسائل التهديد التي تصل إلينا من الإرهابيين تعكس ضعفهم

TT

فرض التقارب الحاصل بين حركة نداء تونس وحركة النهضة والتوافق السياسي الحاصل بينهما، وضعا مختلفا في علاقة المعارضة بالحزب الحاكم؛ إذ كان من المنتظر أن تمثل تركيبة البرلمان التونسي الجديد مرآة عاكسة للمشهد السياسي في تونس، من خلال تقسيم تقليدي يفصل بين الحزب الفائز بأغلبية المقاعد البرلمانية في السلطة وبقية الأحزاب التي تنضم آليا إلى صفوف المعارضة، غير أن هروب حركة النهضة من المعارضة الصريحة لحزب حركة نداء تونس الحاكم خلقت وضعية سياسية مختلفة عن السائد، وبخروج النهضة لم يبقَ غير تحالف الجبهة الشعبية بزعامة حمة الهمامي، وحزب حراك شعب المواطنين الذي أعلن عن مبادرة تشكيله المنصف المرزوقي، يلعبان دور المعارضة ليكون الحراك والجبهة في مواجهة «النداء».

وخلق فوز حركة نداء تونس في الانتخابات البرلمانية والرئاسية الأخيرة، وضعا جديدا على مستوى علاقة السلطة بالمعارضة في تونس؛ إذ تغيرت الوضعية بعد خروج حركة النهضة من السلطة. وكانت مجموعة من الأحزاب اليسارية والليبرالية قد تكتلت فيما عُرف بـ«جبهة الإنقاذ»، ومثَّلت معارضة شرسة جمعت بين التيارين اليساري والليبرالي، وأدت إلى تنازل النهضة عن الحكم تحت ضغط الشارع لتختار اليوم منزلة بين منزلتين؛ فهي ليست في الحكم، وتسعى إلى المشاركة في السلطة، وهي ليست في المعارضة، وتضغط من أجل لعب دور المعارضة «اللينة أو الداعمة».

واستغل المنصف المرزوقي حليف النهضة بالأمس ارتباك قيادات حركة النهضة، وعدم اتخاذ موقف واضح من دعم أحد مرشحي الانتخابات الرئاسية، خاصة في دورها الثاني، ليقود معارضة مبنية على ما سماه «شعب النهضة»، وهو مكون بالأساس من القيادات الوسطى والقاعدية الغاضبة، سواء من خروج حركة النهضة بداية 2014 من السلطة، أو التي دعت إلى توضيح الموقف النهائي من المرشحين في الانتخابات الرئاسية ومساندة المنصف المرزوقي بشكل علني.

ومع «الانتكاسة» الانتخابية التي عرفتها عدة أحزاب سياسية ممن شكلت المشهد السياسي قبل الثورة، على غرار حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، وحزب المسار الديمقراطي الاجتماعي (حركة التجديد سابقا) والحزب الجمهوري (الحزب الديمقراطي التقدمي السابق)، خلت الساحة السياسية من معارضة حقيقية، ولم تعلن أي جهة سياسية بوضوح عن بقائها في صفوف المعارضة، ما عدا تحالف الجبهة الشعبية بزعامة حمة الهمامي، مع وجود بعض التصدعات الداخلية بين مكوناته الأساسية.

ومن المرجح أن يسعى حزب «حراك شعب المواطنين» (تيار ليبرالي وسطي)، الذي أعلن المنصف المرزوقي الرئيس التونسي السابق عن الإعداد لتشكيله، إلى احتلال هذا المقعد، إلى جانب تحالف الجبهة الشعبية، ليمثلا دور قطبي المعارضة الأساسية للتحالف الحاكم بزعامة حركة نداء تونس، التي ستتولى مسؤوليات الحكم خلال السنوات الـ5 المقبلة.

ولا يحظى الحزب الجديد للمنصف المرزوقي بتمثيلية داخل مجلس نواب الشعب (البرلمان)، إلا أن ممثلي حزبي المؤتمر (4 مقاعد) والتيار الديمقراطي (مقعدان) في البرلمان، بوصفهما منشقين عن حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي أسسه المرزوقي سنة 2002، يدعمان حزب حراك شعب المواطنين، وتأتي المساندة الكبيرة لمبادرة المرزوقي من «شعب النهضة»، وكذلك ممن يخشون انتصار «الثورة المضادة» ورجوع منظومة الحكم السابقة إلى السلطة.

وفي هذا الشأن، قال عماد الدايمي رئيس حزب المؤتمر والرئيس السابق لديوان المنصف المرزوقي لـ«الشرق الأوسط» إن حزب حراك شعب المواطنين يحظى بـ«تمثيلية شعبية هائلة تمثل نصف الناخبين التونسيين، وثلثي جغرافيا تونس»، على حد تعبيره، في إشارة واضحة إلى عدد من أعطوا أصواتهم للمرزوقي في الانتخابات الرئاسية الماضية.

وأضاف أن هذا الواقع السياسي الجديد بإمكانه أن يمنح «الحراك» موقعا أساسيا في المعارضة التونسية، ليكون معارضا أساسيا لحركة نداء تونس، الحزب الحاكم.

وتلتقي عدة تحليلات سياسية حول إمكانية التحاق حزبي المؤتمر والتيار الديمقراطي بحزب «حراك شعب المواطنين» بعد الإعلان الرسمي عن تشكيل هذا الحزب الجديد يوم 20 مارس (آذار) المقبل، برئاسة المرزوقي.

ويلتقي حزب حراك شعب المواطنين مع تحالف الجبهة الشعبية حول «ضرورة محاربة الفقر عبر خيارات اقتصادية شعبية جديدة تتجاوز الاقتصاد الليبرالي المتوحش».

أما تحالف الجبهة الشعبية (تحالف يضم 11 حزبا سياسيا موزعا بين اليسار والقوميين)، فإن معارضته لحركة نداء تونس والأحزاب التي أعلنت تحالفها معها (الاتحاد الوطني الحر، وحزب آفاق تونس، وحزب المبادرة الدستورية)، مردها اختلاف جوهري حول البرامج الاجتماعية والاقتصادية التي ينوي نداء تونس تنفيذها، والمعتمدة أساسا على تعليمات هياكل التمويل العالمية والانفتاح على الأسواق العالمية.

في غضون ذلك، اتخذت وزارة الداخلية التونسية احتياطات أمنية مكثفة طالت منزل عائلة وزير الداخلية التونسية في القصرين (وسط غربي تونس) وكذلك مقر إقامته في العاصمة التونسية، وذلك إثر صدور تهديدات استهدفت لطفي بن جدو وزير الداخلية الحالي بصفة شخصية، وشملت قيادات أمنية من مختلف المستويات.

ووردت خلال الليلتين الماضيتين رسائل تهديد مجهولة المصدر إلى أعوان الشرطة والحرس والسجون، وتزامنت هذه التهديدات مع تهديد كتيبة عقبة بن نافع الإرهابية، بتصفية وزير الداخلية وعدد من الأمنيين.

ووفق مصادر أمنية تونسية، فإن عدد رسائل التهديد التي توجهت إلى أعوان الأمن بلغت 8 رسائل، منها 4 في جندوبة (شمال غربي تونس) و2 في الدهماني (مدينة الكاف المجاورة) و2 كذلك في تالة (مدينة القصرين) والمدن الـ3؛ جندوبة والكاف والقصرين، مهددة بعمليات إرهابية، وتقع كلها في المنطقة العسكرية المغلقة.

ووجهت التهمة وفق المصادر ذاتها إلى الخلايا النائمة داخل المدن التونسية، التي قد تكون استفاقت بعد الرسائل المشفرة التي وجهها لها قياديون في المجموعات الإرهابية، من بينها الإرهابي التونسي كمال زورق.

وفي هذا الشأن، قال محمد علي العروي المتحدث باسم وزارة الداخلية التونسية لـ«الشرق الأوسط» إن التهديدات الصادرة عن المجموعات الإرهابية تؤكد حالة الضعف والاضطراب التي تعيشها بعد تلقيها ضربات موجعة خلال الأشهر الماضية.

وأشار إلى أن مثل تلك التهديدات لن تزيد الأمنيين إلا إصرارا على العمل الأمني الذي يخدم استقرار تونس وأمنها، على حد تعبيره.

وأفاد العروي بأن الوحدات الأمنية والجيش التونسي ماضون في العمليات الأمنية الاستباقية، وهي استراتيجية ناجحة أعطت نتائج جيدة، خلال مراحل المواجهة مع المجموعات الإرهابية.

ووجهت الداخلية التونسية تعزيزات أمنية إضافية إلى منزل لطفي بن جدو في العاصمة، بالإضافة للإحاطة الأمنية اللصيقة أثناء تنقلاته، كما وجهت جانبا من جهودها الأمنية تجاه منزل عائلة الوزير، في مدينة القصرين (وسط غربي تونس)، حتى لا يتعرض لهجوم إرهابي جديد.

وتعرض منزل عائلة وزير الداخلية لطفي بن جدو يوم 27 مايو (أيار) 2014 لهجوم إرهابي تسبب في مقتل 4 أعوان أمن كانوا يقومون بحراسة المنزل في القصرين.

وكانت وزارة الداخلية قد أصدرت، في السادس من الشهر الحالي، منشورا يرخص فيه لأول مرة لأعوان وكوادر وزارة الداخلية (قوات الأمن وأعوان السجون) بالاحتفاظ بأسلحتهم الفردية خارج أوقات العمل، وهو إجراء لم يكن معمولا به في السابق.