ضغوط السلطة تؤرق القطاع الثقافي في تركيا

بعد تقييد ما تعزفه الأوركسترا الرئاسية.. مشروع قانون يهدد الباليه

TT

يشكو الفنانون في تركيا من ازدياد ضغوط السلطة المحافظة التي تمثلت حتى الآن بسحب بعض من روائع أحد الموسيقيين من جدول الأوركسترا الرئاسية وتطهير نص مسرحي من إيحاءاته الجنسية، وصدور قانون يتعلق بالتمويل الرسمي للثقافة.

وتشكل حالة فاضل ساي بالتأكيد مثالا بارزا للتأثير المتزايد الذي يؤخذ على سلطة الرئيس رجب طيب إردوغان.

واحتل هذا الموسيقي المعروف عالميا عناوين وسائل الإعلام التركية لدى محاكمته بسبب مجموعة من التغريدات الغاضبة. وأثار الحكم عليه بالسجن 10 أشهر مع وقف النفاذ لإدانته «بإهانة القيم الدينية» احتجاجات شملت كل أنحاء العالم.

وبعد أشهر على العقوبة التي أنزلها به القضاء، أصدرت الحكومة عقوبة ثانية على هذا الموسيقي الذائع الصيت، تمثلت بسحب 3 من روائعه هي «سيمفونية إسطنبول» و«ماء» و«هرمياس: الصبي على الدلفين» من فهرس الأوركسترا الوطنية الرئاسية.

وقد ردت وزارة العدل الاتهامات بممارسة الرقابة التي وجهها فاضل ساي وطلبت من الموسيقي التركي معمر سون العزف بدلا منه، لكنه سارع إلى الإعلان عن رفضه تلبية هذا الطلب باسم التضامن الفني.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن سون قوله: «أعد سحب روائع ساي من برنامج الأوركسترا تطفلا (سياسيا) على الفن وأنا أعارضه».

وأضاف هذا الموسيقي: «إنه مؤلف موسيقي كبير وفنان شهير في العالم كله، ولا يتوانى عن التعبير عن معتقداته عندما يكون ذلك ضروريا».

وأخذ على النظام الذي يحكم تركيا بلا منازع منذ 2002 «تصوره للفنون في إطار إسلامي فقط».

وأكد معمر سون أن الإمبراطورية العثمانية الشديدة التدين، كانت أكثر تسامحا مع الثقافة من الحكومة الحالية. وقال إن السلاطين أقاموا في قصرهم جناحا للأوبرا في 1850، وإن «قادتنا اليوم لا يعرفون التاريخ، هم جهلة».

ولدى تأسيسه الجمهورية التركية الحديثة والعلمانية في 1923، حدد مصطفى كمال أتاتورك لبلاده هدف بلوغ «مستوى الحضارات المعاصرة». وأنشأ أتاتورك المفتون بالفنون الغربية المعهد الوطني للموسيقى ومدرسة للرقص وأوبرا تركية قدمت حفلتها الأولى في 1934.

ومنذ تسلمه الحكم، لم يخف رجب طيب إردوغان رغبته في إعادة التقاليد الإسلامية في بلاده.

ففي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أعرب عن أسفه لأن الطلبة الأتراك يعرفون ألبرت أينشتاين أو لودفيغ فان بتهوفن لكنهم عاجزون عن تسمية واحد من العلماء أو الموسيقيين المسلمين.

ومنذ أسابيع، يثير مشروع قانون جديد طرحه حزب العدالة والتنمية الحاكم، المخاوف. فإذا ما أقر، فسيعهد إلى مجلس من 11 عضوا تعينهم الحكومة مهمة منح الأنشطة الثقافية مساعدات رسمية.

وقال تامر ليفنت رئيس مؤسسة الفنون المسرحية والأوبرا والباليه: «هذا أمر غير مقبول. إنه مثابة الإفساح في المجال لرجال السياسة بدخول المسارح وعزف المقطوعات بأنفسهم».

وتعد مريد أكسان، المديرة السابقة لدائرة الفنون في جامعة حجة تبة الرسمية، مشروع القانون الذي سيناقشه البرلمان يشكل بالتأكيد «تهديدا للرقص». وقالت إن «رقص الباليه لا يمكن أن يستمر ويتطور إلا في إطار يحترم تقاليده».

ويستمر الجدل بين السلطات العامة والفنانين؛ ففي العام الماضي استقال مصطفى كورت من إدارة المسارح الرسمية بعدما أرجأت الوزارة العرض الأول لمسرحية غوته حتى تتأكد من تنظيف النص من مفرداته التي تعد مبتذلة أو إيحاءاته الجنسية. وأعرب عن «خشيته من اختفاء مسرحيات شكسبير أو غوته من المسارح»، مشيرا إلى تخوفه «من ألا يؤدي ابتعاد تركيا عن القيم الكونية إلى منفعة، لا للشعب التركي ولا إلى العالم».

وتتوقع مريد إسكان الصعوبات نفسها للرقص الكلاسيكي بسبب الضغوط الخفية التي تمارسها السلطات. وتحدثت عن «تدخلات تتعلق بالملابس خصوصا تذكر برقابة ورقابة ذاتية غير مقبولتين في القرن الـ21». وقالت: «على الحكومة أن تدرك أن تطور بلد ما لا يقوم فقط على الاقتصاد، بل يقوم أيضا على العلوم والثقافة والفنون».