وقف إطلاق النار بين الرئاسة اليمنية والحوثيين بعد يوم دام في صنعاء

وزيرة الإعلام لـ «الشرق الأوسط»: مسلحو الحركة وحرس الرئيس السابق صالح حاولوا دخول قصر الرئاسة > المسلحون يسيطرون على التبة المطلة على القصر

دخان يتصاعد من انفجار كبير خلال الاشتباكات العنيفة بين الحرس الرئاسي والحوثيين في صنعاء أمس (إ.ب.أ)
TT

عاشت العاصمة اليمنية صنعاء، أمس، يوما داميا، وذلك بعد انفجرت الأوضاع عسكريا بين الجيش اليمني وميليشيا الحوثيين، على خلفية أزمة مسودة الدستور واختطاف الحوثيين لمدير مكتب الرئاسة، الدكتور أحمد عوض بن مبارك، في الوقت الذي أعلنت فيه الرئاسة اليمنية عن وقف إطلاق النار، وعقد اجتماعات لكافة القوى السياسية لتلافي النزاع المسلح الذي اندلع في محيط دار الرئاسة، في جنوب صنعاء، الذي حاول الحوثيون السيطرة عليه.

وأفاق اليمنيون، فجر أمس، على أصوات القصف بالمدفعية الثقيلة والاشتباكات العنيفة في محيط دار الرئاسة، حيث حاول الحوثيون السيطرة على قصر الرئاسة في منطقة الـ70 يوما بجنوب صنعاء، غير أن قوات الجيش المرابطة هناك تصدت لهم وقامت بقصف بعض المواقع التي يتمركز فيها الحوثيون بالمدفعية، وأكدت مصادر محلية وشهود عيان لـ«الشرق الأوسط» سقوط قتلى وجرحى في الطرفين، وفي أوساط المدنيين جراء الاشتباكات والقصف، إضافة إلى موجة نزوح للسكان القاطنين في الأحياء المجاور لدار الرئاسة، في هذه الأثناء عززت قوات الجيش اليمني من وجودها حول وزارة المالية والبنك المركزي اليمني ومنزل الرئيس عبد ربه منصور هادي وعدد من المواقع الحيوية والمهمة في صنعاء.

ودعا الرئيس هادي إلى وقف لإطلاق النار، وقد دخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ بعد ظهر أمس، ورغم ذلك تعرض موكب رئيس الوزراء، خالد محفوظ بحاح، لإطلاق نار كثيف من قبل نقطة أمنية تتبع الحوثيين في شارع الزبيري بقلب صنعاء، عقب خروجه من اجتماع مع الرئيس هادي ومستشاره (الحوثي) صالح الصماد، وأكدت مصادر حكومية أن رئيس الوزراء لم يصب في إطلاق النار الذي تعرض له موكبه، وفي المقابل تعرض موكب الصماد لإطلاق نار مماثل في شارع الستين، دون وقوع إصابات، وقد دعا الرئيس اليمني إلى اجتماع عاجل بمستشاريه من جميع القوى السياسية، بما في ذلك ممثلو جماعة الحوثي، لبحث تداعيات الأزمة وانفجار الوضع عسكريا.

وقالت وزيرة الإعلام اليمنية، نادية السقاف لـ«الشرق الأوسط» إن الاشتباكات اندلعت عندما حاول مسلحون حوثيون وعناصر من الحرس الجمهوري الموالين للرئيس السابق علي عبد الله صالح الدخول إلى دار الرئاسة، وأكدت أن المسألة كانت تصعيدية من اليوم السابق «لأن رئاسة الجمهورية أمرت بنشر العديد من النقاط العسكرية التابعة للجيش ووزارة الداخلية في العاصمة صنعاء، من أجل الحفاظ على الأمن في العاصمة، خاصة بعد اختطاف مدير مكتب رئاسة الجمهورية، الدكتور أحمد عوض بن مبارك من قبل الحوثيين، الذي لم يطلق سراحه حتى الآن»، وأضافت أن «أنصار الله الحوثيين كان رد فعلهم قويا على التوجيهات الرئاسية، وقرروا اقتحام دار الرئاسة، وأن الحوثيين منذ البداية، وحتى الآن، لم تتغير لهجتهم، وكل يوم يطالبون بتطبيق اتفاق السلم والشراكة، وهم يطالبون بتوسيع عضوية مجلس الشورى الذي ينص الاتفاق على أن يتم توسعته بعد 15 يوما من تشكيل حكومة الكفاءات، من أجل أن يضم المجلس الحوثيين والفئات الأخرى التي لم تكن ممثلة فيه، وأيضا لديهم مشكلة في تشكيلة الهيئة الوطنية للرقابة على تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وكان يفترض أن يتم تعديل قوام الهيئة وتعديل لائحة عملها».

وأشارت الوزيرة اليمنية لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الحوثيين «لديهم مخاوف من أن يتم التعامل معهم بنفس الطريقة القديمة، أي الاتفاق وعند التنفيذ لا يتم الالتزام بما تم الاتفاق عليه، رغم أنه جرى تعيين حوثيين في مواقع بارزة في وزارة الداخلية وفي مواقع أخرى في الدولة خلال الفترة الماضية»، وتقول وزيرة الإعلام اليمنية إنه «وفي نفس الوقت، فإن الرئاسة تطالب الحوثيين بتطبيق اتفاق السلم والشراكة الذي ينص على أنه بعد التوقيع عليه وتشكيل الحكومة الجديدة، فإن عليهم إخلاء العاصمة صنعاء من المظاهر المسلحة لميليشيا الحوثيين المنتشرة في نقاط أمنية بالعاصمة، وبالتالي فإن كل طرف يطالب الآخر بتطبيق وتنفيذ الاتفاق»، كما أشارت الوزيرة إلى أن «المشكلة الأولى هي في عدم تشكيل لجنة لتفسير اتفاق السلم»، وعرجت السقاف إلى وضع الإعلام في صنعاء، وقالت في تصريحها إن قناة اليمن ووكالة الأنباء الرسميتين «لا يمثلان أو يعبران عن موقف الحكومة اليمنية»، وأن ما يعبر عن الموقف الحكومي هو تلفزيون عدن وصفحة الوزيرة على «تويتر»، وذلك في إشارة إلى أن الحوثيين وأنصار الرئيس السابق علي عبد الله صالح هم من يديرونهما بصورة كاملة، وخلال الأيام الماضية تجنب التلفزيون والوكالة الحكومية التعامل مع بيانات الحكومة ومواقفها، وفي المقابل تعاطت بصورة كبيرة مع بيانات الحوثيين ومواقفهم.

وفي سياق الأوضاع الميدانية، قال قيادي حوثي إن مسلحيهم تمكنوا من السيطرة على تبة النهدين المطلة على دار الرئاسة، في حين قالت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» إن أطقما عسكرية يُعتقد أنها موالية للرئيس السابق شوهدت وهي تقوم بتوزيع ملابس عسكرية على ميليشيات الحوثيين المنتشرة في صنعاء، لارتدائها بدلا عن الزي التقليدي، وأدت الاشتباكات التي شهدتها صنعاء، أمس، إلى إغلاق عدد من السفارات الأجنبية أبوابها، ومن أبرز هذه السفارات: الأميركية، البريطانية، الألمانية والهولندية وغيرها، وكذا إغلاق معظم المؤسسات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص، إضافة إلى نزوح كثير من الأسر التي تقطن في الأحياء القريبة من دار الرئاسة في جنوب العاصمة، ومغادرتها لمساكنها مع الاحتياجات الأساسية فقط، في الوقت الذي حذرت فيه قوات الحماية الرئاسية المواطنين من السماح للمسلحين الحوثيين باستخدام منازلهم كمتارس ومواقع لتلك الميليشيات، واستهداف قوات الجيش عبرها.

وقد باشرت لجنة أمنية وعسكرية مشتركة مع الحوثيين اجتماعات عاجلة ومكثفة من أجل تثبيت وقف إطلاق النار الذي بدأ سريانه، فعليا، عند الرابعة والنصف من عصر أمس، وذكر مصدر في مكتب عبد الملك الحوثي لـ«الشرق الأوسط» أن لجنة رئاسية باشرت الإشراف على وقف إطلاق النار، وعلى نشر مراقبين في المواقع التي شهدت مواجهات، وقال مصدر عسكري يمني، فضل عدم ذكر اسمه، لـ«الشرق الأوسط»: «ما جرى في صنعاء هو سيناريو أولي لمشروع انقلاب عسكري، وأن الحوثيين يستخدمون السلاح الثقيل الذي استولوا عليه من المعسكرات في محافظة عمران والعاصمة صنعاء عند اجتياحهما، ضد قوات الجيش، وضمن ذلك الدبابات والمدفعية»، إضافة إلى السلاح الذي بحوزة الموالين لصالح، مشيرا إلى أن الحوثيين دفعوا بتعزيزات عسكرية، أمس، من جهة الشمال نحو قلب العاصمة صنعاء، وإلى أن الأوضاع ما زالت متوترة رغم الإعلان عن وقف إطلاق النار.

وكانت الجامعة العربية طالبت بوقف فوري للعنف في اليمن وباحترام السلطة الشرعية، في الوقت الذي طالب سفراء الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية لحل الأزمة في اليمن جميع الأطراف باتخاذ خطوات لوقف فوري ودائم لإطلاق النار، وأعرب السفراء عن رفضهم «استخدام العنف من قبل الساعين من أجل مصالحهم الخاصة»، وقال بيان صادر عن السفراء، حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، إنهم يشعرون بقلق عميق إزاء الوضع في صنعاء وإن «مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي ونتائج الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة الوطنية، كلها أكدت على توفير آليات لمعالجة النزاعات»، وأضاف البيان: «نرفض استخدام العنف من قبل أولئك الذين يسعون إلى الإطاحة بالتحول السياسي في اليمن لمصالحهم الخاصة، ونؤيد تأييدا تاما الرئيس الشرعي لليمن عبد ربه منصور هادي، وقرار تكليف بحاح رئيس الوزراء والحكومة اليمنية»، وأن «مجموعة سفراء الدول العشر على علم بأن أنصار الله، قد ادعت المسؤولية، من خلال ما يُسمى اللجان الثورية، عن اختطاف الدكتور أحمد بن مبارك أمين (الأمانة الوطنية للحوار)، ورئيس مكتب الرئيس، ونحن ندعو أنصار الله لضمان الإفراج عن الدكتور بن مبارك بطرق آمنة وسريعة ومجموعة سفراء الدول العشر ترحب بتشكيل اللجنة الرئاسية التي تسعى إلى وضع حد للتوتر في مأرب والجوف في خط السلام، واتفاق الشراكة الوطنية والدعوة لتنفيذ أحكام الاتفاق المعلقة، ونواصل متابعة الأحداث في مأرب وتعز مع القلق»، وأعربت الدول العشر عن اهتمامها ومتابعتها للأعمال التحضيرية لإجراء الانتخابات والاستفتاء خلال أشهر، مؤكدة أن ذلك لن يتم «إذا لم يكن هناك قدر أكبر من السلام والأمن في اليمن».

وجاءت هذه الاشتباكات بعد يوم واحد على الاجتماع الاستثنائي الذي عقده الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بمجلس الدفاع الوطني، أعلى سلطة عسكرية في البلاد، لمناقشة تداعيات اختطاف الحوثيين للدكتور أحمد عوض بن مبارك، مدير مكتب الرئاسة، أمين عام مؤتمر الحوار الوطني الشامل، الذي اختطف السبت الماضي أثناء توجهه إلى دار الرئاسة لحضور اجتماع لمناقشة مسودة الدستور اليمني الجديد.