من كهوف مران إلى صنعاء.. الحوثيون يفرضون أنفسهم بالسلاح

دعمتهم إيران وتحالفوا مع صالح وسيطروا على 11 محافظة

مسلحون حوثيون يطلقون النار باتجاه قوات تابعة للجيش اليمني تقوم بحراسة القصر الرئاسي في صنعاء أمس (رويترز)
TT

من كهوف قرية نائية تسمى مران في أقصى شمال اليمن، إلى أسوار وأبواب القصر الرئاسي في العاصمة صنعاء، كانت مسيرة الحوثيين أو كما يسمون أنفسهم «أنصار الله»، تفرض نفسها بقوة السلاح، ساعدها في ذلك المرحلة الانتقالية التي تعيشها البلاد منذ 2011 وحتى اليوم، فأصبحت الحركة منذ سبتمبر (أيلول) 2014، القوة الوحيدة التي تتحكم بمقاليد حكم البلاد، مرتكزة على ميليشياتها التي دربتها في معسكرات خاصة في معقلها بمحافظة صعدة، فضلا عن تحالفها مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح الذي يقود انقلابا وثورة مضادة لكل من أطاح به من سدة الحكم عام 2011، كما يقول المراقبون.

وقد حققت هذه الجماعة الشيعية المدعومة من إيران، أهدافها بأسرع مما كانت تتوقعه، وتمكنت بحلول بداية العام الحالي من السيطرة على 11 محافظة في الشمال، أهمها العاصمة صنعاء وميناء الحديدة الاستراتيجي على البحر الأحمر، فأصبحت دولة داخل الدولة، لها ممثلون ومندوبون في كل وزارة ومؤسسة حكومية ومعسكر للجيش والأمن، وكل ذلك عمل على إعادة رسم الخارطة السياسية العسكرية والاجتماعية، في بلد يعد الأفقر والأكثر فسادا على مستوى العالم.

ومع انتهاء مؤتمر الحوار الوطني بداية العام الماضي، كان اليمن على موعد جديد من العنف والفوضى، بعد رفض الحوثيين تقسيم الدولة الاتحادية إلى 6 أقاليم، اثنان في الجنوب و4 في الشمال، شاركهم في ذلك الحزب الاشتراكي اليمني، ومع تقديم مسودة الدستور الجديد إلى الهيئة الوطنية للرقابة على تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني قبل أيام استخدم الحوثيون قوتهم على الأرض، واختطفوا مدير مكتب رئاسة الجمهورية أحمد بن مبارك أثناء توجهه إلى اجتماع الهيئة مع الرئيس الانتقالي عبد ربه منصور هادي، واشترطوا تعديل نصوص المسودة بحيث يكون تقسيم الدولة إلى إقليمين واحد في الشمال والآخر في الجنوب، إضافة إلى المطالبة بتغيير محافظ مأرب النفطية، سلطان العرادة، الذي يعتبرونه عائقا أمامهم للسيطرة على المحافظة التي تمثل العصب الاقتصادي للبلاد.

وتعرض الرئيس هادي إلى حملة انتقادات وسخط شعبي بسبب ما يصفه المراقبون تراخيا وضعفا تجاه أطماع الحوثيين بدءا من معركة عمران منتصف عام 2014، وحتى معركة دار الرئاسة التي اندلعت، أمس (الاثنين)، خسر كما يقول المراقبون أهم حلفائه من القادة العسكريين والمشايخ القبليين والأحزاب السياسية، من أبرزهم مستشاره العسكري اللواء علي محسن الأحمر الذي عرف بأنه كان الحاكم الثاني للبلاد في نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وانشق عنه عام 2011، كما خسر زعماء قبيلة حاشد من آل الأحمر الذين خسروا معاقلهم في محافظة عمران، إضافة إلى زعماء قبليين بمحيط العاصمة صنعاء الذين كانوا بمثابة طوق حماية للعاصمة، وتمكن الرئيس السابق من إخضاعهم لسيطرتهم وتوجيههم لدعم الحوثيين.

وبحسب مركز أبعاد الاستراتيجي، فإن الحوثيين باتوا يمتلكون نحو 70 في المائة من قدرات الجيش اليمني، تمكنوا من الاستيلاء عليها منذ بدء إسقاطهم لمعسكرات الدولة من عمران وصنعاء، ويمتلكون حاليا أكثر من 120 دبابة من نوع (T55 - T62)، ونحو 70 مدرعة (BTR – BMB .20)، ومدفع (شيلكا وهاوتزر ذاتي الحركة)، ونحو 10 عربات (كاتيوشا)، وما يقارب من مائة صاروخ (بين حراري مضاد للطيران وغراد بر - بر)، وأكثر من مائة مدرعة تحمل رشاشات ثقيلة ومتوسطة، إلى جانب مئات الأطقم العسكرية وعشرات المخازن للذخيرة الحية، مع توقعات بحصولهم على شحنات صواريخ إيرانية نوعية.

ويقول التقرير الذي نشر قبل أسابيع: «إنه لم يعد هناك جيش وطني بعد 21 سبتمبر من عام 2014، فكل ألويته في المناطق الشمالية والغربية، التي كانت مرهقة في صراعاتها السابقة مع الحوثيين، بينما عرف بالحروب الـ6، سقطت في يد الحوثيين بعد اجتياحهم لقيادة الدفاع المركزية في العاصمة صنعاء أخيرا، وإن كانت هناك وحدات في الشمال لم يتم السيطرة عليها، لكنها محاصرة وممنوعة من التحرك»، مشيرا إلى أن «الحركة تحصل على دعم لوجيستي وعسكري من إيران و(حزب الله)، وتتحرك بالتناغم مع القرار السياسي الإيراني، وأن نفوذها يمتد مع تحركها العسكري، كلما تعرضت إيران وأذرعها في العراق وسوريا لضغوطات إقليمية أو دولية».

وأكد التقرير أنه في حالة عدم انزلاق اليمن في حرب أهلية شبيهة بما يحصل في سوريا والعراق، فإنها ستشهد 3 سيناريوهات: أولها سيناريو الحل الوطني من الداخل، فقد يكون هناك حل سياسي من خلال انتخابات رئاسية لترشيح رئيس مقبول من كل الأطراف بما فيهم الحوثيون، مع ضرورة قبول هذه الحركة التي أصبحت مسيطرة على الوضع بالاندماج في الحالة السياسية وتشكيل تيار حزبي مدني. أما السيناريو الثاني فيفترض حصول مقاومة شعبية وطنية تعيد للدولة والمؤسسة العسكرية هيبتها، وهذا السيناريو يرى ضرورة تغيير قناعات الجوار الخليجي والمجتمع الدولي تجاه بعض التيارات الشعبية والإسلامية والليبرالية والقومية واليسارية المشاركة في ثورة 11 فبراير (شباط) السلمية 2011 م، لأن ذلك التكتل وحده الذي كسب ثقة المجتمع المحلي قبل أن تزعزعه سلطة الانتقال التي فشلت في تحقيق أهداف ومطالب الشباب. أما السيناريو الثالث فهو الأخطر، يتمثل في ترك أدوات الصراع تواصل إضعاف الدولة والمجتمع، وهو ما قد يؤدي إلى فراغات تملؤها الجماعات الجهادية في مقاومة الحوثيين من خلال حروب دينية ومذهبية وطائفية، قد تدفع البلاد لمزيد من الانهيار وربما السقوط في مهاوي الحروب الأهلية ومستنقع الفوضى المسلحة.