«اللادولة».. مقدمة الحرب الأهلية في اليمن

عودة حكم الأئمة عبر الحوثيين بدعم إيراني وتحالف مع صالح

TT

مع غروب شمس يوم أمس الثلاثاء، استكمل الحلف الذي تقوده جماعة الحوثيين (أنصار الله) والرئيس السابق علي عبد الله صالح مشروع الانقلاب على المرحلة الانتقالية التي يقودها الرئيس عبد ربه منصور هادي، منذ ثلاثة أعوام، وتمكن الحليفان من السيطرة على مؤسسة الرئاسة بعد مرور ثلاثة أشهر من سيطرتهم على العاصمة صنعاء في سبتمبر (أيلول) 2014، وهو ما يعده كثير من المراقبين عودة للحكم الأمامي المتوكلي الذي كان يحكم الشطر الشمالي من البلاد وأطيح به عام 1962، إثر ثورة مسلحة بقيادة تنظيم الضباط الأحرار في ثورة 26 سبتمبر.

وباتت جماعة الحوثي، التي يقودها عبد الملك الحوثي، وهو شاب يبلغ من العمر 36 عاما تقريبا، تستحوذ على 11 محافظة في شمال البلاد، بما فيها العاصمة صنعاء، ليصبح القرار السياسي والعسكري بيده، فيما يطمعون إلى السيطرة على منابع النفط في محافظة مأرب التي تعيش أجواء حرب قد تشنها جماعة الحوثي في أي لحظة، وسط استعداد قبلي لصد أي عدوان لهم.

ويؤكد المراقبون أن اليمن أصبح في قبضة الجماعة المسلحة المدعومة من إيران وروسيا خارجيا، ومن الرئيس السابق، وهو ما جعلها في صورة «اللادولة»، بعد فرض الحوثيين قبضتهم على جميع مؤسسات الدولة سواء العسكرية أو المدنية، وهو ما ينظر إليه كمقدمة لحرب أهلية طائفية طويلة، بسبب الرفض الشعبي لهذه الجماعة الزيدية، خاصة في المناطق ذات الأغلبية الشافعية وسط وجنوب البلاد.

مع استكمال الحوثيين تشكيل بنيتهم الفكرية والسياسية والعسكرية تحولوا إلى تحقيق أهداف الجماعة السرية وهي السيطرة على الحكم كما يقول المراقبون، حيث سعت منذ تأسيسها في أقصى شمال اليمن في محافظة صعدة على يد حسين بدر الدين الحوثي، في شن معارك عسكرية وأمنية واسعة النطاق ضد النظام الحاكم في صنعاء أثناء نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح، والتي كان يخوضها فصيل واحد من الجيش وهو القوات التي كانت تحت قيادة الجنرال العسكري علي محسن الأحمر الذي انشق عن صالح في 2011، وهو ما أنهكها وأضعف قوتها العسكرية بمقابل تقوية قوات الحرس الجمهوري التي كان يقودها نجل صالح العميد أحمد علي، بحسب دراسات لمركز بحثية.

يقول الباحث اليمني عادل الأحمدي إن إيران تمكنت من تصدير ثورتها إلى عدد من الدول العربية، ومنها اليمن ممثلة بجماعة الحوثيين، مشيرا في دراسته عن الجماعة إلى أن «أول تحرك مثمر ومدروس قامت به إيران كان عام 1982 على يد العلاّمة صلاح أحمد فليتة في محافظة صعدة، والذي أنشأ في عام 1986 اتحاد الشباب، وكان يدرس طلابه ملازم فكرية عن الثورة الإيرانية ومبادئها يقوم بتدريسها محمد بدر الدين الحوثي، وفي عام 1990 أعلنت جماعات شيعية مشروعها السياسي وهي (حزب الحق - اتحاد القوى الشعبية اليمنية)، وقد شكلت الأرضية المذهبية (الهادوية) في شمال اليمن محضنا خصبا لهذا التغلغل الشيعي، خاصة بعد حرب الخليج الثانية، وبحسب الأحمدي فقد بذلت الدبلوماسية والسفارة الإيرانية في صنعاء جهدا مكثفا لاستقطاب أتباع المذهب الزيدي منذ عام 1990، حيث توجهت الأنظار إلى اليمن كلاعب إقليمي ناشئ ومؤثر.

وقد تأسست جماعة الحوثي كحركة دينية عام 1991، باسم تنظيم «الشباب المؤمن» في محافظة صعدة بدعم مالي من الرئيس السابق علي عبد الله صالح، لمواجهة التيار السلفي الذي انشأ مركز دار الحديث في بلدة دماج، وانتقلت عام 2004 إلى العمل العسكري حيث اندلعت أولى الحروب بين الدولة والحركة الحوثية بقيادة مؤسسها حسين الحوثي وانتهت بمقتله ليخلفه من بعده عبد الملك الحوثي.

ويقول الدكتور أحمد الدغشي، المفكر والأكاديمي اليمني، إن نظرية الحكم عند الحركة الحوثية قائمة على الاختيار الإلهي للحاكم أو الخليفة منذ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ويعتقدون أن الولاية بعد الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) لعلي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، وقد أفصح عن ذلك زعيمهم عبد الملك الحوثي في أحد خطاباته قبل أشهر.

خاضت الحركة ست حروب مع الدولة، حيث كانت اندلعت الحرب الأولى في 18 يونيو (حزيران) 2004، واستمرت إلى 10 سبتمبر من العام نفسه، وكانت مواجهات محدودة النطاق، وانتهت بسيطرة القوات الحكومية على جبل سلمان، ومقتل زعيم التنظيم «حسين بدر الدين الحوثي». وكان سبب هذه الحرب، كما يقول الباحثون، تصدي الحوثيين لحملة عسكرية على منطقة مران، على خلفية ترديد شعارات الحوثيين والنزاع على المساجد والحوادث الأمنية المصاحبة للطقوس الاثني عشرية، واندلعت الحرب الثانية في 2005، ثم الحرب الثالثة في 2006، فالحربان الرابعة والخامسة، لتنهي آخر حروب الجماعة مع الدولة المركزية عام 2010 بعد التوصل إلى صلح.

وبالنظر إلى حروب الحوثيين فإنها أخذت طابع الإنهاك لقوات ما كان يعرف بالمنطقة العسكرية الشمالية الغربية التي كان يقودها اللواء علي محسن الأحمر، وهو ما فسره المراقبون بأنه مخطط من الرئيس السابق علي عبد الله صالح لإبعاد الأحمر عن طريق توريث الحكم لنجل صالح العميد أحمد الذي كان يقود أقوى فصائل الجيش المتمثلة في الحرس الجمهوري.

وقد عزز هذا الاعتقاد ما حدث في صنعاء في 21 سبتمبر 2014، حيث أسقط الحوثيون اللواء 310 في عمران ونهبوا أسلحته، دون أي موقف عسكري من الدولة، ثم هاجموا آخر معسكر لقوات ما كانت تسمى الفرقة الأولى مدرع في الضواحي الشمالية لصنعاء، وسيطروا عليها بكل ما فيها، فيما كانت وحدات ومعسكرات الحرس الجمهوري التي تغير اسمها إلى قوات الاحتياط بعيدة عن أي صراعات أو مواجهات، وبعد عمليات الدمج والهيكلة للجيش تم إضعاف قوات الفرقة التي سميت بالمنطقة العسكرية السادسة، وتم تفكيك بنيتها العسكرية، حيث لم يتبق داخل المعسكر أثناء اقتحام الحوثيين لصنعاء سوى بضع مئات من الجنود، وهو ما أجبر الجنرال علي محسن الذي تلقى توجيها من الرئيس هادي بقيادة الحرب، على الانسحاب من المعركة ومن ثم مغادرة صنعاء، فيما تؤكد مصادر عسكرية أن جنودا من الحرس الجمهوري والقوات الخاصة كانت تشارك في حروب الحوثيين، من عمران وحتى صنعاء.

وخلال المواجهات التي حدثت أول من أمس في صنعاء بين قوات الحرس الرئاسي والحوثيين، أعلنت قوات الاحتياط رفضها الدخول في حماية دار الرئاسة. وبحسب مصادر خاصة في الحرس الرئاسي فإن المئات من جنود المعسكر رفضوا المشاركة في مواجهة الحوثي تنفيذا لتوجيهات من غرفة عمليات كان يقودها نجل صالح من أحد قصوره القريبة من المنطقة، لكن هذه المعلومات لم تثبت صحتها حتى الآن. ويؤكد المراقبون أن قوات الاحتياط التي كان يزيد عددها على 21 لواء عسكريا، أصبحت حاليا أكثر قوات الجيش أهمية وأكثرها تدريبا، والتي من المتوقع أن يتم استخدامها لرسم المرحلة المقبلة للبلاد.