فرنسا تعتقل 4 شيشانيين ضمن حملة مكافحة الإرهاب

رئيس الوزراء الفرنسي يندد بقيام غيتوات في فرنسا ويحذر من ممارسات تمييزية إثنية واجتماعية

رجال شرطة فرنسيون لدى تفتيشهم إحدى السيارات في إطار الحملة الأمنية في باريس أمس (أ.ف.ب)
TT

يعرض وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف خلال جلسة مجلس الوزراء اليوم مجموعة من المقترحات «الأمنية» لمحاربة الإرهاب ومنع تكرار أحداث 7 و8 و9 يناير (كانون الثاني) الحالي والتي تريد باريس الإسراع في وضعها موضع التنفيذ على الصعيد الوطني. وفي الوقت عينه، تحث الاتحاد الأوروبي على بلورة خطط جماعية تصب في الإطار نفسه يرجح أن تكون أولى بواكيرها إقرار البرلمان الأوروبي مشروع إقامة قاعدة بيانات جماعية توضع بتصرف الدول الأعضاء وتضم أسماء جميع المسافرين جوا من وإلى أوروبا. وتشدد باريس كذلك على الحاجة لتوثيق التعاون الاستخباري وتبادل المعلومات بين الأعضاء الـ28 فضلا عن تشديد الرقابة على الحدود «الخارجية» لأوروبا. أما على المستوى الداخلي وهو ما سيعلنه كازنوف اليوم فإن التدبير الرئيسي هو إقامة قاعدة بيانات تضم أسماء جميع الذين كانوا على علاقة بالإرهاب من قريب أو من بعيد، الأمر الذي سيسمح بمتابعتهم حتى بعد خروجهم من السجن وقضاء الأحكام الصادرة بحقهم.

وبعد أسبوعين على الهجوم الدموي على مجلة «شارلي إيبدو» الساخرة التي تهدف اليوم إلى طبع 7 ملايين نسخة من عددها الصادر بعد العملية الإرهابية التي استهدفتها، ما زالت التدابير الأمنية على حالها ودرجة التأهب القصوى نافذة. واعتاد المواطنون رؤية دوريات الجيش الراجلة في شوارع العاصمة والأماكن الاستراتيجية والحساسة، إذ إنها أصبحت جزءا من «المشهد اليومي» لحياتهم الجديدة.

بيد أن هذه التدابير المفترض بها أن توفر الحماية لأماكن العبادة، خصوصا اليهودية والإسلامية لا تبدو أنها فعالة بالمطلق، إذ إن المرصد الوطني لمراقبة الأنشطة المعادية للإسلام أفاد أمس أن 116 عملا معاديا للإسلام «تهديدات، وكتابات مسيئة، وإلقاء قنابل حارقة..». ارتكب منذ السابع من يناير (كانون الثاني) ما يشكل زيادة بنسبة 110 في المائة عن كل ما ارتكب في الشهر نفسه من العام الماضي. وقال رئيس المركز إن هذه الأعمال تعكس «حقدا على الفرنسيين المسلمين الذين يحترمون بأغلبيتهم الساحقة قيم الجمهورية ومبدأ العلمانية». ويواصل القضاء والأجهزة الأمنية التحريات لكشف من كان له ضلع في العمليات الإرهابية مشاركة أو دعما مباشرا أو غير مباشر. وعلى هذا الصعيد، وجه القضاء اتهامات لأربعة رجال من المقربين لأحمدي كوليبالي الذي قتل شرطة في ضاحية مونروج «مدخل باريس الجنوبي» و4 أشخاص في المتجر اليهودي. وكان من المتوقع أن يمثل الأربعة الذين ألقي القبض عليهم في الضاحية الباريسية من بين 12 شخصا بينهم 4 نساء أمام قاضي التحقيق الذي كان من المفترض أن يوجه لهم تهما تتعلق بتقديم المساعدة إلى أحمدي كوليبالي على صعيد توفير السلاح والمساعدة اللوجيستية. وتعتقد السلطات أن لكوليبالي «شركاء»، والدليل نشر شريط فيديو بعد مقتله في المتجر اليهودي.

وأمس، أعلنت السلطات الأمنية القبض على 4 مواطنين روس من الشيشان في مدينة بيزيه «جنوب فرنسا» تظن الشرطة أنهم كانوا بصدد التحضير لاعتداء إرهابي لم يكشف عن تفاصيله. وبحسب المدعي العام في المدينة المذكورة، فإن الأربعة أوقفوا رهن التحقيق وقد اكتشفت في مخبأ أسلحة ومتفجرات يفترض أنها كانت ستستخدم في العملية الإرهابية.

غير أن التركيز على الجوانب الأمنية الذي غلب على مقاربة السلطات حتى الآن بسبب الحاجة لتدارك تكرار الأعمال الإرهابية، ترك المجال أمس لصوت آخر حمله رئيس الحكومة مانويل فالس الذي وضع اليد على الجراح الفرنسية الداخلية التي تشكل «البيئة الحاضنة» لبزوغ أفراد يختارون العنف والإرهاب. وبمناسبة الكلمة التي ألقاها ظهر أمس خلال لقائه الصحافة، قال فالس إن «أحداث الأيام الأخيرة بينت الكثير من الأوجاع التي تضرب بلدنا والتحديات التي علينا مواجهتها». وأضاف رئيس الحكومة: «يتعين علينا أن نضيف إلى ما سبق كل الانقسامات والتوترات الكامنة منذ زمن طويل والتي لا نأتي على ذكرها إلا نادرا ومنها دفع بعض الفئات إلى خارج المدن وقيام (الغيتوات) و(ممارسات) التمييز الاجتماعي والإثني الذي فرض نفسه علينا». وأشار فالس، الذي شغل في الماضي منصب وزير الداخلية، وعرف عنه تشدده في موضوع الأمن والهجرة، إلى «البؤس الاجتماعي»، الذي تضاف إليه هذه الممارسات التمييزية اليومية «لأننا لا نحمل اسم العائلة المرغوب أو ليست لنا السحنة (المطلوبة) أو لكوننا نساء».

وتشكل كلمات فالس القوية أول رسالة حقيقية باتجاه أبناء الضواحي من المهاجرين من أصول أفريقية أو عربية وهي الضواحي نفسها التي «خرجت» الأخوين كواشي وأحمدي كوليبالي والتي أصبحت محط شبهات الشرطة وأهل السياسة والإعلام. وحتى الآن، كانت رسالة السلطات الرسمية ومنها على لسان الرئيس هولاند وفالس نفسه أن «فرنسا في حالة حرب» ولكنها «ليست حربا ضد دين أو الإسلام أو المسلمين». ولذا، فإن خطاب فالس بالأمس جاء ليكمل الرؤية الفرنسية لجهة الاعتراف بوجود خلل في المجتمع الفرنسي يتعين تصحيحه. لكن سياسات الحكومات المتعاقبة في فرنسا منذ 40 عاما لم تنجح في التخفيف من وطأة هذا الخلل الذي كان «ينفجر» بين الفترة والفترة على شاكلة مظاهرات وأعمال عنف وشغب وإحراق سيارات. وتبين الإحصائيات أن نسبة البطالة في الضواحي الشعبية أعلى منها في باقي المناطق، كذلك نسبة الفشل المدرسي والمستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. ولذا، فإن كلام رئيس الحكومة يأخذ بعين الاعتبار أن الإرهابيين الثلاثة الذين تأثروا بالحركات المتطرفة في الخارج وربما نفذوا أوامر جاءت من وراء الحدود، إنما هم مواطنون فرنسيون نشأوا في فرنسا ودرسوا في مدارسها. لكن الطريق الذي اختاروه يعكس بالدرجة الأولى فشل فرنسا في دمجهم في مجتمعها ربما بسبب الآفات والعلل التي أشار إليها رئيس الحكومة.

ويرى مراقبون أن كلام فالس يعني أن الحكومة وعت خطورة المسألة وأن معالجتها لا تكون فقط بالإجراءات والتدابير الأمنية بل تحتاج لمعالجة البعد الاجتماعي والاقتصادي لتجفيف البؤر الخصبة لنمو الفكر المتطرف.

أما على المستوى الخارجي وبعد المظاهرات المعادية لفرنسا في كثير من البلدان احتجاجا على «شارلي إيبدو» وإعادة نشرها رسوما كاريكاتيرية للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، فقد سعى هولاند إلى تخفيف الاحتقان. وقال ليل الاثنين/ الثلاثاء بمناسبة الاحتفال بالعيد الـ70 لإنشاء وكالة الصحافة الفرنسية، إن فرنسا «لا تهين الآخرين عندما تدافع عن أفكارها وعن الحرية، إذ إن العكس هو الصحيح».