إسرائيل توجه رسالة إلى طهران: لم نعرف بأن أحد جنرالاتكم كان مع مغنية

هدوء حذر على الحدود الإسرائيلية مع لبنان

جنود إسرائيليون في الجولان المحتلة يتحركون قرب القبة الحديدية المصممة لصد الصواريخ قصيرة المدى (أ.ف.ب)
TT

في الوقت الذي تتصاعد فيه التهديدات من إيران وحزب الله بالرد على عملية الاغتيال الجماعي في القنيطرة، وجهت مصادر إسرائيل رسالة إلى طهران، عبر طرف ثالث، تقول فيها إن الجنرال الإيراني محمد عيسى قتل بالخطأ وإنه لم تكن لديها معلومات عن وجوده في القافلة التي استهدفها القصف الجوي.

وجاءت هذه الرسالة في أعقاب تصاعد انتقادات واسعة داخل إسرائيل ضد فتح جبهة عسكرية مع إيران، فحتى صديق نتنياهو، الذي شغل منصب رئيس مجلس الأمن القومي وكبير مستشاريه حتى وقت قريب، الجنرال يعقوب عميدرور، لم يتقبل اغتيال المسؤول الإيراني. وقال في مقابلة مع الإذاعة الإسرائيلية العبرية إن «مثل هذه العمليات يجب أن يدرس جيدا في معيار الربح والخسارة. وإذا كان اغتيال فرقة من قادة حزب الله الذين يعملون على تنظيم هجمة صاروخية ضد إسرائيل هو ربح صافٍ فإن اغتيال جنرال إيراني يصب في خانة الخسارة لأنه يشكل استفزازا زائدا وغير محسوب، وينبغي أن يتوقع أن يأتي رد حتمي عليه، لا أحد يعرف ما هيئته وما هو حجمه».

وفي بيروت شيع حزب الله أمس قائده الميداني محمد عيسى والمقاتلين علي إبراهيم وغازي ضاوي، بينما أرجأ تشييع محمد أبو الحسن وعباس حجازي إلى اليوم. وبموازاة ذلك، شهدت المنطقة الحدودية مع إسرائيل في جنوب لبنان هدوءا حذرا، اخترقته تحركات لجيش إسرائيل باتجاه الحدود اللبنانية والسورية، وتحليق طائرات حربية وطائرات استطلاع مسيرة فوق المنطقة الحدودية مع جبل الشيخ.

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قد جمع أعضاء المجلس الوزاري الأمني المصغر في حكومته إلى اجتماع استثنائي، بعد ظهر أمس، تم فيه التباحث حول «أخطار رد حزب الله وسوريا وإيران». ومع أن المباحثات بقيت سرية، فقد أشارت مصادر سياسية وأمنية إلى أن عملية القنيطرة لن تبقى من دون رد، «فالضربة موجعة جدا وأثارت غضبا شديدا في صفوف العدو الثلاثي»، و«على إسرائيل أن تكون جاهزة لرد شديد في أكثر من موقع». وحسب التقديرات الإسرائيلية فإن الرد الأكثر احتمالا سيتم من أراضي الجولان بقصف صاروخي موجع أو بعد عمليات تفجير ضد القوات الإسرائيلية على الحدود مع سوريا، أو بعمليات تفجير تستهدف مؤسسات إسرائيلية أو يهودية في الخارج. وقالت إن هناك احتمالا بأن يقود الغضب حزب الله إلى توجيه ضربات صاروخية من لبنان إلى العمق الإسرائيلي، لكن هذا الاحتمال يبقى الأضعف، «إذ إن حزب الله غارق حتى أخمص القدمين في الحرب الداخلية في سوريا ومن المستبعد أن يفتح على نفسه جبهة جديدة مع إسرائيل».

ومع أن إسرائيل تواصل الصمت الرسمي حول دورها في تنفيذ عملية القنيطرة، فإن مسؤوليها يتحدثون عنها بشكل غير مباشر. وفي حفل نظم في قاعدة «هرتسوغ» العسكرية في «جليلوت» قرب تل أبيب، تجنب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، بني غنتس، التطرق المباشر إلى العملية، إلا أنه أكد على أن «الجيش الإسرائيلي جاهز لمواجهة كل التطورات». وقال غنتس إن الجيش الإسرائيلي على أهبة الاستعداد، ويتابع كل التطورات، وعلى استعداد للمبادرة إلى العمل إذا اقتضى الأمر ذلك. وأضاف أن هذا التصريح ليس مسألة خطاب، وإنما «مسألة جاهزية حقيقة لكل التطورات التي قد تحصل بحرا وبرا وجوا من الأمام ومن الخلف». وإنه يعتمد على وحدات الجيش في مواجهة التحديات المستقبلية، سواء الفورية أو بعيدة المدى، وأن الجيش قادر على مواجهة أي تحدٍّ في أي جبهة وبكل القوة المطلوبة».

ولوحظ أن الجيش يعزز قواته بشكل كبير في منطقة الجليل المحاذية للجنوب اللبناني والجولان السوري المحتل وينظم دوريات مكثفة، ونصب منظومة «القبة الحديدية» المضادة للصواريخ. ومع أنه حرص على أن لا يثير فزع المواطنين في موسم سياحة الثلوج على جبل الشيخ وطلب من المواطنين اليهود أن يتصرفوا بشكل طبيعي، غير أن الاطمئنان لم يعرف طريقه إلى نفوس المواطنين ولا حتى الجيش، تحسبا من رد قد يجر المنطقة إلى حرب جديدة. وفي صباح أمس جاء الدليل على أن التوتر يصيب الجميع، فقد سمع المواطنون في بلدة «المطلة» أزيز رصاص قادما من الجنوب اللبناني، فأعلن الجيش حالة استنفار. وراح المواطنون يتراكضون في الشوارع، وفتحت البلدية الملاجئ، ثم تبين أن هذا الرصاص أطلق خلال جنازة في إحدى القرى اللبنانية. وهكذا، فالجيش الذي دعا المواطنين إلى الهدوء والابتعاد عن الهلع دخل بنفسه إلى حالة توتر.

يذكر أن مراقبي قوات الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار في هضبة الجولان أشاروا في تقرير لهم أول من أمس إلى أن الهجوم الذي تعرض له موكب سيارات بالقرب من القنيطرة السورية نفذته طائرات إسرائيلية بلا طيار، وليس بواسطة مروحيات عسكرية كما تردد في البداية.

وقالت وحدة المراقبين الدوليين، المعروفة باسم «أوندوف» في بيان صحافي إن المراقبين لاحظوا طائرتين صغيرتين بلا طيار قادمتين من الجانب الإسرائيلي للحدود وتعبران خط وقف إطلاق النار باتجاه الأراضي السورية، وذلك في نقطة المراقبة رقم 30 الواقعة قبالة قرية مسعدة في شمال هضبة الجولان المحتلة، وإن الطائرتين اختفتا عن أنظارهم خلف الجبال متوغلة في الأراضي السورية، ولكنهم لاحظوا بعد قرابة ساعة دخانا يعلو إلى الجو. وأشار المراقبون في التقرير إلى أنهم لم يتمكنوا من استيضاح ما جرى وسبب تصاعد هذا الدخان، غير أنه وبعد وقت قصير لوحظت الطائرتان الصغيرتان بلا طيار تعودان أدراجهما من الجانب السوري إلى الجانب الإسرائيلي. وجاء في بيان المراقبين الدوليين أن «هذا الحدث خرق لاتفاق الفصل بين القوات الإسرائيلية والسورية المبرم عام 1974».

من جهة ثانية تتواصل الانتقادات في الصحافة الإسرائيلية لهذه العملية، وأكدت صحيفة «هآرتس» أنه غالبا ما تعمدت إسرائيل التصعيد العسكري عشية الانتخابات. وقالت الصحيفة إن «العمليات العسكرية المبهرجة تميز الانتخابات في إسرائيل، خصوصا عندما يوجد الحزب الحاكم في ورطة. فقادة الدولة يفترضون ضمنا أن الجمهور (اليهودي) يحب الانتصارات العسكرية السهلة، ويعتقدون أنهم بإظهار القوة هذه يعززون صورة رئيس الحكومة ووزير الأمن، وإقناع الناخبين بأن عليهما البقاء في منصبيهما». وتشير الصحيفة إلى كثير من الأمثلة التي شملت كل أحزاب السلطة، من بينها: تصعيد عمليات الانتقام قبل انتخابات 1955، قصف المفاعل النووي العراقي عام 1981، عملية عناقيد الغضب في لبنان عام 1996، عملية الرصاص المصبوب في غزة عام 2008، عملية عمود السحاب في قطاع غزة في عام 2012، ويوم الأربعاء انضم إليها هجوم المروحيات الحربية على سوريا والمنسوب إلى إسرائيل.

في طهران أصدرت قوات حرس الثورة الإسلامية أمس، الثلاثاء، بيانا نشره موقع وكالة «تسنيم» الدولية للأنباء، أعلنت فيه أن مراسم تشييع جثمان العميد محمد علي الله دادي القيادي في قوات الحرس الثوري الذي كان استشهد في الغارة علي القنيطرة جنوب سوريا، ستجري الأربعاء في العاصمة طهران، وتابع البان أن هذا القائد الذ «کان موجودا ف سورا ف مهمة استشارة لدعم الحکومة والشعب السوري لمواجهة الإرهابن التکفرن - السلفن قدم استشارات حاسمة ف مسار وقف وإحباط جرائم ومؤامرات الفتنة الصهونة الإرهابة ف سورا». من ناحية أخرى، أفادت وكالة «تسنيم»، نقلا عن القائد العام لقوات حرس الثورة الإسلامية اللواء محمد علي جعفري في بيان أصدره أمس الثلاثاء، بأن على «إسرائيل انتظار عاصفة مدمرة بعد جريمة القنيطرة».

وشارك الآلاف أمس في تشييع القيادي محمد عيسى، إذ مشى الآلاف خلف مجموعة من عناصر حزب الله باللباس العسكري حملوا نعش عيسى الذي لف بعلم الحزب الأصفر وساروا به في بعض أحياء قرية عربصاليم الجنوبية، وصولا إلى مقبرة القرية حيث وُوري الثرى.

وردد المشاركون في التشييع الذين حمل بعضهم بالونات صفراء وأعلام لبنان وحزب الله هتافات مؤيدة للحزب الشيعي ومناهضة للولايات المتحدة وإسرائيل، بينها «مقاومة مقاومة.. في الحرب لا مساومة»، و«الموت لأميركا.. الموت لإسرائيل».

وأطلق بعض المشاركين الذين جاء بعضهم من بيروت وقرى جنوبية أخرى النار في الهواء، بينما حضر مسؤولون في حزب الله بينهم نواب.

وكان الآلاف من الأشخاص شاركوا أول من أمس الاثنين في تشييع جهاد مغنية في الضاحية الجنوبية لبيروت، وسط تساؤلات عن إمكانية قيام الحزب بالرد على هذه الضربة.

وتعد الغارة من أكبر الضربات الإسرائيلية التي تستهدف حزب الله وحليفه الإيراني، الداعمين الأساسيين للنظام السوري، منذ بدء النزاع في سوريا في منتصف مارس (آذار) 2011.