الأميركيون والكوبيون يناقشون اليوم تفاصيل التقارب وطي صفحة العداء

واشنطن تريد فتح سفارة.. والمباحثات قد تطال غوانتانامو وتعويض أصحاب الممتلكات المصادرة

رجل يقف أمام علمي كوبا والولايات المتحدة في شرفة فندق نزل فيه الوفد الأميركي بهافانا أمس عشية بدء المحادثات بين البلدين (رويترز)
TT

أشاد وفد من أعضاء الكونغرس الأميركي توجه إلى هافانا، بلحظة «تاريخية» في العلاقات بين البلدين، وذلك عشية انطلاق المحادثات الرسمية عالية المستوى بين الجانبين من أجل تجسيد تطبيع علاقاتهما وطي صفحة عداء دامت نصف قرن.

والتقى وفد البرلمانيين المؤلف من 4 أعضاء في مجلس الشيوخ وعضوين في مجلس النواب 15 منشقا أول من أمس قبل أن يبحث مع كبار المسؤولين الكوبيين ومن بينهم وزير الخارجية برونو رودريغيز التعاون المستقبلي بين البلدين. وقال السيناتور باتريك ليهي في ختام زيارة استمرت يومين مع 4 برلمانيين ديمقراطيين آخرين «التقينا مسؤولين في الزراعة وقطاعات التكنولوجيا والفنون والكاردينال جايم أورتيغا (رئيس الكنيسة الكوبية) الذي عمل معي ومع آخرين على إطلاع الفاتيكان على المحادثات مع الرئيس (باراك) أوباما».

ومن ناحيته، قال ديك دوربين وهو الرجل الديمقراطي الثاني في مجلس الشيوخ «إنها لحظة تاريخية. كنا متجمدين في نفس السياسة الخارجية تجاه كوبا لمدة تزيد على 50 عاما وأخيرا لاحظ الرئيس (أوباما) أن هذه السياسة لا تخدم مصالح الولايات المتحدة وكوبا أو العالم. الآن سوف ندخل في عصر جديد».

أما السيناتور ديبي ستابينوي، عضو لجنة الزراعة في مجلس الشيوخ، فقالت إنها تتمنى أن ترى كل أنواع البضائع الأميركية تظهر في السوق الكوبية التي غالبا ما تشهد نقصا. وأضافت: «لا نريد أن يقلق الناس حول إيجاد أو عدم إيجاد البطاطا والحليب ولحم الخنزير والعجل والحبوب أو الفواكه والخضار على الرفوف»، مؤكدة أن الولايات المتحدة ترغب أن «تكون شريكا» في هذا القطاع.

وجاءت هذه التصريحات المتفائلة عشية اجتماع وفدين من البلدين في هافانا في جلسة مغلقة تدوم يومين. وستتناول المباحثات مسألة الهجرة التقليدية التي كانت في الماضي موضع تفاوض بين البلدين وخصوصا تحديد برنامج إعادة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة منذ 1961. وتقود الوفد الأميركي مساعدة وزير الخارجية المكلفة شؤون المناطق الغربية روبرتا جاكوبسون ومن الجانب الكوبي مديرة قسم الولايات المتحدة في وزارة الخارجية خوسيفينا فيدال. واعتبر المحلل بيتر شيشتر من المعهد الأميركي مركز الأبحاث اللاتيني الأميركي، أن رحلة جاكوبسون «تاريخية» و«ستفسح المجال أمام تغييرات» لكن «يجب ألا نتوقع فجأة معجزات». وتوقع أن تؤدي المفاوضات إلى «شطب كوبا من لائحة البلدان الداعمة الإرهاب، وذلك ليس قليلا، لأنه يمنعها من التعامل مع المؤسسات المالية» الدولية.

وقد خطت الولايات المتحدة الأسبوع الماضي خطوة كبيرة برفعها سلسلة من القيود التجارية وعلى السفر وبتليين تحويل أموال المهاجرين الكوبيين مما أمن متنفسا على الكثير من عائلات الجزيرة. غير أن الحظر الذي يفرضه العملاق الأميركي على الجزيرة الشيوعية منذ 1962 ما زال قائما حتى الساعة ولا يمكن أن يرفعه سوى الكونغرس الذي يهيمن عليه حاليا الجمهوريون الرافضون أي تراجع إلى الوراء.

من جانبها قامت هافانا بالإفراج عن 53 معتقلا سياسيا مدرجين على لائحة عرضتها الولايات المتحدة خلال المفاوضات السرية التي دارت بين الطرفين برعاية كندا والبابا فرانسيس. وقال المحلل أرتورو لوبيث - ليفي من مركز الدراسات الشاملة في جامعة نيويورك في مقال: «أصبح الآن على الحكومة الكوبية أن تعمل على تسهيل ليبرالية التجارة والرحلات عبر مضيق فلوريدا».

ومنذ إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما ونظيره الكوبي راؤول كاسترو في 17 ديسمبر (كانون الأول) الماضي عزمهما تطبيع علاقات البلدين، تم توسيع جدول أعمال هذا الاجتماع الذي كان مبرمجا منذ وقت طويل ومخصصا أصلا إلى قضايا الهجرة، إلى مواضيع مختلفة لا سيما التقارب وإعادة فتح السفارتين في هافانا وواشنطن. ومنذ 1977 يقيم كل بلد في البلد الآخر «قسم مصالح» لكن من دون سفير.

وقال مسؤول كبير في الخارجية الأميركية أول من أمس إن الولايات المتحدة ستدعو كوبا لرفع القيود على السفر والموافقة على إقامة سفارة لكل دولة في الدولة الأخرى خلال المحادثات المقررة في هافانا. وأضاف المسؤول الذي نقلت تصريحاته وكالة «رويترز» إننا «نتطلع إلى أن يرفع الكوبيون القيود على السفر وإلى محاولة رفع القيود على عدد موظفي البعثة الدبلوماسية ومحاولة الحصول على موافقة بإرسال شحنات دون إعاقة إلى بعثتنا وإلى حرية وصول الكوبيين إلى بعثتنا». وتابع المسؤول أن من الصعب معرفة ما يمكن تحقيقه في أولى جولات محادثات التطبيع، مشيرا إلى أن كل شيء يعتمد على المدى الذي ترغب كوبا في إقامته. وقال: «من الصعب معرفة ما سيتمخض عنه الحوار الأول. أنا لست متجاهلا للتركة التاريخية الثقيلة».

وبدوره، قال شيشتر إن «المناقشات ستركز أولا على القضايا العاجلة أكثر من أجل إقامة العلاقات الدبلوماسية ثم المضي قدما إلى مواضيع أكثر مركزية». وذكر من هذه القضايا «تخفيف» القيود المفروضة على «الحريات الفردية» في كوبا ومستقبل قاعدة غوانتانامو الأميركية و«ربما الأكثر تعقيدا تعويضات» الممتلكات الأميركية التي أممها الرئيس السابق فيدل كاسترو خلال الستينات.

ويظل فيدل كاسترو (88 عاما)، أكبر الغائبين عن هذه المصالحة التاريخية، لا سيما أنه لم يظهر إلى العيان منذ أكثر من سنة ولم يعلق على هذه الأحداث التاريخية. وأثار ذلك الصمت تساؤلات وشائعات في كوبا والخارج حول احتمال تدهور حالته الصحية. وستبقى جاكوبسون في الجزيرة حتى الجمعة عندما ستعقد مؤتمرا صحافيا بعد غداء مع منشقين. ولم يخف هؤلاء قلقهم من هذا التحول الدبلوماسي لأن الولايات المتحدة كانت لعقود طويلة أكبر سند لهم ومصدر تمويل.