رئيس الحكومة الفرنسية يعرض خطة متكاملة لمحاربة الإرهاب

تتضمن رصد أموال وتدابير أمنية وقوانين جديدة ومراقبة الإنترنت والاستعانة بالأئمة

الرئيس الفرنسي هولاند في حديث جانبي مع رئيس الوزراء مانويل فالس عقب اجتماع لمجلس الأمن الفرنسي حول الإرهاب في باريس أمس (إ.ب.أ)
TT

كشف رئيس الحكومة الفرنسية، مانويل فالس، خلال مؤتمر صحافي في القصر الرئاسي قبيل ظهر أمس عن «خطة شاملة متكاملة» لمحاربة الإرهاب والحيلولة دون تكرار ما حصل ما بين 7 و9 يناير (كانون الثاني) الحالي مرة أخرى على الأراضي الفرنسية، في إشارة إلى الهجوم الدموي الذي تعرضت له مجلة «شارلي إيبدو» الساخرة الفرنسية ومقتل محرريها.

ولا تتضمن الخطة مقترحات «ثورية»، بل جاءت في إطار عرض منهجي لكافة الإجراءات الأمنية والقانونية والاجتماعية التي أقرها مجلس الوزراء صباح أمس بناء على اقتراحات وزير الداخلية برنار كازنوف. وبالإضافة إلى الشق الداخلي الذي فصل بالأمس، تعمل باريس على تعزيز التعاون الأمني والاستخباري في إطار الاتحاد الأوروبي، حيث بدأت الضغوط الممارسة على المفوضية العليا تفعل فعلها. وأمس، أعلنت المفوضية أنها جاهزة لإعادة طرح مشروع إقامة قاعدة بيانات تضم أسماء جميع المسافرين من وإلى الاتحاد الأوروبي، وهو المشروع العالق منذ 2011 في البرلمان الأوروبي. فضلا عن ذلك، أعربت المفوضية عن استعدادها لتشديد الرقابة على «الحدود الخارجية» لأوروبا في إطار اتفاقية شنغن التي تتيح التنقل داخل حدود البلدان الموقعة عليها. وأخيرا، يريد الاتحاد اتخاذ تدابير لـ«طمأنة» الجاليات اليهودية الموجودة في أوروبا بعد اعتداء بروكسيل في مايو (أيار) الماضي واعتداء باريس قبل أقل من أسبوعين.

ماذا تتضمن الخطة الفرنسية؟ تقوم الخطة على 3 أعمدة أولها تشديد الإجراءات الأمنية وتوفير الوسائل البشرية والمادية والقانونية للأجهزة المولجة بالحفاظ على الأمن في البلاد. ووصف فالس ما تواجهه فرنسا بـ«التحدي الخطير»، حيث يتعين على قوات الأمن من شرطة ودرك وأجهزة استعلام أن تراقب بشكل دائم، بالإضافة إلى مهامها العادية، 3000 شخص لعلاقاتهم بشكل أو بآخر بالإرهاب أو بالحركات المتطرفة. وينقسم هؤلاء إلى 1300 شخص من الفرنسيين أو المقيمين على الأراضي الفرنسية لصلاتهم بالمنظمات الإرهابية في سوريا والعراق الأمر الذي يشكل زيادة من 130 في المائة قياسا للعام الماضي. ويضاف إلى هؤلاء 400 أو 500 شخص على صلات بتنظيمات أو حركات سابقة في أفغانستان، البوسنة أو الشيشان، بينما الأشخاص المتبقون على علاقة ببث الفكر المتطرف ومحاولة استمالة وتجنيد طلاب الإرهاب.. وإذا علمنا أن مراقبة فرد واحد 24 ساعة في اليوم تتطلب 4 أو 5 رجال أمن لتوضحت الحاجة للتوظيف في وزارات الداخلية والعدل والدفاع والجهد الذي يفترض أن يبذل لتدريب هؤلاء وتأهيلهم. وفيما خص الدفاع، قرر الرئيس هولاند وقف خفض عديد القوات المسلحة للاستجابة للحاجات الداخلية والخارجية لفرنسا، وأولها محاربة الإرهاب. وفي هذا السياق، عقد أمس في قصر الإليزيه اجتماع لمجلس الدفاع خصص هو الآخر لمسائل الإرهاب ومحاربته في الداخل والخارج.

ولا تتوقف الأمور عند الأشخاص؛ إذ يتوجب تمويل الأعباء الجديدة من ميزانية تعاني من العجوزات. وفي أي حال، قررت الحكومة رصد مبلغ 735 مليون يورو لـ3 سنوات تصرف على التجهيزات والرواتب الجديدة... وتراهن الحكومة على قدرتها على تقليص المصاريف في الوزارات الأخرى لتوفير المبالغ الجديدة التي أصبحت لها الأولوية المطلقة.

ولا تتوقف التدابير الجديدة عند هذا الحد؛ إذ تريد السلطات توفير الغطاء القانوني للإجراءات الأمنية الضرورية التي تبينت الحاجة إليها بعد أن ظهر الخلل في المنظومة الأمنية المعمول بها حتى الآن، الأمر الذي أتاح للأفراد الـ3 ارتكاب جريمتهم في باريس. وكشفت صحيفة «لو كنار أونشينيه» أن أحمدي كوليبالي الذي قتل شرطية في الثامن من يناير و4 يهود في اليوم التالي خضع لعملية رقابة من قبل الشرطة أواخر العام الماضي، أي قبل 10 أيام فقط من العمليتين الإرهابيتين اللتين ارتكبهما. والغريب أن الذي خرج من السجن في الربيع الماضي بعد أن أدين بالمشاركة في خطة لإخراج سجين جزائري مدان بالسجن المؤبد في فرنسا لدوره في عملية إرهابية في باريس في التسعينات استطاع التنقل بحرية بين فرنسا وبلجيكا «حيث اشترى السلاح» وإسبانيا، حيث نقل زوجته حياة بومدين المختفية عن الأنظار بعد أن سافرت من مدريد إلى تركيا والأرجح بعدها إلى سوريا.

وأكد فالس في كلمته أمس الضرورة القصوى لتعاون الأجهزة الأمنية فيما بينها وتسريع العمل لإقامة قاعدة بيانات لكل الضالعين وبأي شكل من الأشكال بالأعمال الإرهابية حتى يكونوا موضع مراقبة بعد خروجهم من السجون. وبما أن هذه السجون تشكل إحدى البؤر لتجنيد الجهاديين، فإن فالس وعد بالعمل على «عزل» السجناء الخطيرين في أجنحة خاصة. كذلك وعد بتوفير 60 إماما يضافون لـ182 المتوافرين حاليا، ليكونوا صوت الإسلام المعتدل وليعملوا على الحيلولة دون تحول السجون إلى مدرسة لتخريج الإرهابيين.

تبقى «البؤرة» الأخرى أي شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي التي تسخر هي الأخرى لتأطير متطرفين إضافيين. وفي هذا السياق، تريد الحكومة الفرنسية العمل مع الشركات الفاعلة في قطاع الإنترنت من جهة ومع البرلمان لتوفير التشريعات التي تسمح للأجهزة الأمنية بفرض رقابة أقوى على المواقع المتطرفة وتعطيلها وملاحقة القائمين بها. بيد أن الحكومة أعربت عن تمسكها بأن تبقى جميع هذه الإجراءات تحت سقف القانون.

وتلخص الخطة الحكومية بأنها تنقسم إلى قسمين: إجرائية واستباقية. والغرض من كل ذلك، وفق فالس: «توفير مزيد من الإجراءات الوقائية» ضد الإرهاب و«تعزيز القدرات الفرنسية على محاربته». ولذا، فإن باريس أعربت عن عزمها على التشدد في منح الجنسية لطالبيها وعلى طرد المتشددين الإسلاميين من أراضيها وكل من يشكل خطرا على الأمن والسلامة العامة.

ولم ينسَ رئيس الحكومة الحاجة إلى «التعبئة الاجتماعية الشاملة» و«تعزيز المؤسسات الديمقراطية والعلمانية والمواطنة ومكافحة العنصرية ومعاداة السامية»، إذ «لا مكان لهما في فرنسا». فضلا عن ذلك، تناول الحاجة لمساعدة العائلات التي ترصد لدى أبنائها توجهات متشددة، وهو ما كانت الحكومة قد عملت عليه منذ العام الماضي. بيد أن تزايد أعداد الراغبين في الالتحاق بتنظيمات جهادية في بلدان الساحل وسوريا والعراق يدل على عدم نجاعته.

هل هذه الإجراءات كافية؟ من الواضح، والمسؤولون الفرنسيون لا يخفون ذلك عن مواطنيهم، أن المخاطر الإرهابية «ما زالت قائمة»، وأن فاعلية التدابير الجديدة تحتاج لوقت طويل قبل أن تظهر فاعليتها. وفي أي حال، فإن المعالجة الأمنية أسهل من المعالجة الاجتماعية والاقتصادية التي تحتاج للجهود وللوقت الطويل.

وفي ندوة جرت مساء الثلاثاء في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، أكد أحد الخبراء أن نجاعة الخطط الحكومية بشقيها الأمني والاقتصادي والاجتماعي ربما تحتاج لجيل كامل. اليوم، ما زالت فرنسا في بداية الطريق.