فرحة ممزوجة بالألم للإيزيديين العائدين من أسر «داعش»

أسيرة سابقة قالت إن الإرهابيين أخذوا الفتيات هدايا لأمرائهم

مجموعة من الإيزيديات اللاتي أطلقهن «داعش» من الأسر يسترحن بقاعة في لالش قرب نينوى (رويترز)
TT

تلقت الأسرة الإيزيدية العزاء في وفاة ابنتها سعاد شاكر قاسم ذات الخمسة عشر عاما، وافترضت أنها لقيت حتفها على أيدي متشددي تنظيم داعش أو من حرارة الشمس الحارقة في شمال غربي العراق. غير أن سعاد كانت لا تزال على قيد الحياة.

ففي العطلة الأسبوعية أخلى آسروها سبيلها مع نحو 200 من المسنين والمعوقين والمرضى من الإيزيديين بعد أن قضت في أسر تنظيم داعش 5 أشهر. وقال شقيقها كوال (26 عاما): «لم أصدق»، واصفا شعوره عندما وجدها بين المفرج عنهم حين تعرف عليها أحد أصدقائه في صورة واتصل به. وأضاف: «جئت على الفور». كانت سعاد المصابة بإعاقة شديدة ترقد تحت بطانية في قاعة استقبال في لالش أقدس الأماكن لدى طائفة الأقلية الإيزيدية.

في هذا المكان بعيدا عن أخطار «داعش»، التأم شمل من أخلى التنظيم سبيلهم بأسرهم وأقاربهم الذين اعتقدوا أنهم ماتوا. وامتزجت فرحة العودة بمشاعر الألم؛ إذ قال الإيزيديون المفرج عنهم إنهم لا يستطيعون الشعور بالراحة وكثيرون من أحبائهم ما زالوا في أيدي «داعش»، حسبما نقلت «رويترز».

في أغسطس (آب) الماضي هاجم مقاتلو «داعش» أجزاء من محافظة نينوى الشمالية، كانت، تخضع منذ فترة طويلة لسيطرة قوات الأمن الكردية، وهددوا باجتياح أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق. وفرت الأقلية الإيزيدية من قراها ولجأ الآلاف إلى جبل سنجار القريب. ولم يستطع كبار السن والضعفاء الفرار وتركهم الآخرون في البيوت. وهربت عائلة قاسم من قرية تل قصب في سيارة تكدس فيها أفراد الأسرة، لكنها تعطلت، ولذلك اضطروا لمواصلة الرحلة سيرا على الأقدام. وحمل أحد الأشقاء سعاد العاجزة عن السير على ظهره. أما الأب الذي كان قد أصيب بجلطة، فتخلف عن الركب.

وقال كوال قاسم الذي كان في كردستان في ذلك الوقت: «اتصل بي شقيقي وقال لي لا أستطيع أن أحملها أكثر من ذلك. وقال أنا أمام خيارين إما أن أنقذ أختي أو أنقذ أبي. سأتركها هنا».

ولا تستطيع سعاد أن تحكي ما حدث لها، لكن الإيزيديين الآخرين قالوا إن مقاتلي «داعش» ظلوا ينقلونهم من مكان لآخر، وقد أذعنوا لفكرة أن كل يوم تطلع عليهم الشمس فيه قد يكون آخر أيامهم.

كان مقاتلو «داعش» قد لحقوا بهم وهم يحاولون الهرب وطلبوا منهم العودة لبيوتهم وأكدوا لهم أنهم لن يصيبهم مكروه. وبعد أيام جمعهم المتشددون ووزعوهم على مجموعات ونقلوهم إلى قرى مختلفة، حيث ظلوا محبوسين في البيوت. وجلب لهم المتشددون الطعام، لكنهم قالوا إنه كان إما أقل من حاجتهم أو منتهي الصلاحية. وقال رجل إنه ظل محتجزا مع 570 آخرين لثلاثة أشهر في قرية كوشو. وقال آخرون إنهم بقوا في مدينة سنجار نفسها.

وفقد أغلبهم إحساسهم بالزمن، لكنهم قالوا إنه تم نقلهم في نهاية الأمر في مجموعات إلى مدارس خالية ثم إلى تلعفر غربي مدينة الموصل. وتم فصل الشابات عن كبيرات السن، وحصل أمراء «داعش» على أجملهن باعتبارهن سبايا. ومن هناك نقل البعض إلى الموصل وإلى سجن بادوش، حيث وجدت امرأة عمرها 59 عاما سعاد واعتنت بها حتى إطلاق سراحهما. وقالت المرأة: «أشفقت عليها».

عندما أمرهم مقاتلو «داعش» بركوب حافلات صباح يوم سبت، اعتقد الإيزيديون أنهم في طريقهم إلى الإعدام، لكن المتشددين أنزلوهم عند معبر على جسر يؤدي إلى الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد. ولم يتضح السبب وراء قرار «داعش» الإفراج عنهم وهو الذي يعتبر الإيزيديين عبدة الشيطان.

وقال بعضهم لـ«رويترز» إن المتشددين أبلغوهم أن زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي بنفسه أصدر عفوا عنهم بينما تكهن آخرون بأنهم كانوا طرفا في مبادلة. وقالت خفشة مراد جرنوس (45 عاما) التي لا تعرف حتى الآن مصير 5 من أقاربها: «كان هناك دائما أصحاب القلوب الرحيمة حتى في (داعش)». وأضافت: «أنا سعيدة أني حرة، لكن ما دامت أسرتي في الأسر فكأني لست حية».

وبجوارها كانت تجلس فينالة حسن حاجي (15 عاما) التي قالت إنها أنقذت نفسها من مصير أسوأ باتباع تعليمات أمها بالتظاهر بالصمم.

وانتشرت شائعات بأنهم أصيبوا بعدوى مرض ما لنقلها إلى المنطقة الكردية. أما حما فارس خديدة خضر (59 عاما) فاستنتج أنهم لم تكن لهم ببساطة أي قيمة. وقال خضر الذي كان يجلس في مقعده المتحرك عندما وصل المتشددون: «أنظر إلينا. كلنا كبار السن ومقعدون. لم تكن لنا أي فائدة عندهم». ولأنه مصاب بالشلل في النصف الأسفل لم يحاول الهرب. وقال مبتسما: «قالوا أسلم وإلا سنذبحك، ولذلك نطقنا بالشهادة. ماذا كان يفترض أن نفعل». وقال الإيزيديون المفرج عنهم إنهم لم يتعرضوا لمعاملة سيئة. وأخذ أطباء عينات دم منهم لفحصها لمعرفة ما إذا كانوا مصابين بالايدز أو الالتهاب الكبدي. وتوفيت امرأة مسنة بعد ساعات من إطلاق سراحها، كما اشتبه الأطباء في وجود بعض حالات الإصابة بالسل بينهم. كذلك كان عدد منهم مصابين بمرض جلدي يعرف باسم «حبة بغداد» أو «البثرة الشرقية». وبدت على آخرين مظاهر الاضطراب النفسي.

وخارج القاعة كانت قباب معبد لالش تطل على الخيام التي تضم أكثر من 100 أسرة إيزيدية. وداخل المعبد دار الإيزيديون حول مقبرة الشيخ عدي الذي يعد من أرفع الشخصيات في الديانة الإيزيدية. وهتفت امرأة مسنة وهي ترفع يديها تضرعا: «يا شيخ عدي. انتقم لنا من (داعش)».