الحوثيون يستخدمون تكتيكات حزب الله.. وعجرفتهم تأكل من رصيدهم

واشنطن تخشى حالة عربية جديدة غارقة في الفوضى والانقسام

حوثيون يرتدون الزي العسكري أمام دار الرئاسة في صنعاء أمس (أ.ف.ب)
TT

قبل شهور قليلة، كان المسؤولون الأميركيون لا يزالون يشيرون إلى اليمن بوصفه نموذجا لدول ثورات الربيع العربي للانتقال السلمي من حالة الاستبداد إلى الرئاسة المنتخبة لتصبح نموذجا للدول العربية فيما بعد ثورات «الربيع العربي».

أما الآن، وبعد أيام من المعارك في العاصمة اليمنية صنعاء التي جعلت من رئيس البلاد دمية تقبع خلف أسوار مقر إقامته، تبدو الدولة وهي تقترب من شفير التمزق بطرق يمكن أن تتيح المزيد من الفرص أمام إيران وتنظيم القاعدة، الذي أعلن فرعه في اليمن أخيرا، مسؤوليته عن هجمات باريس الإرهابية في وقت مبكر من هذا الشهر.

أثارت أزمة اليمن الأخيرة مخاطر أن تواجه الولايات المتحدة حالة بلد عربي آخر فيه مخاطر الانقسام من دون وجود شركاء أقوياء بين مختلف أطياف الصراع الطائفي. ورغم أن المتمردين الحوثيين الذين يسيطرون الآن وبفعالية على العاصمة صنعاء، هم في حالة حرب مع تنظيم القاعدة، فإنهم على تحالف قوي مع إيران ومع الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح.

ويمكن للوضعية المهيمنة التي احتلها الحوثيون في اليمن أن تدفع إلى صراعات محلية أخرى بشتى الوسائل التي يمكن أن تفسح المجال أمام تنظيم القاعدة وفرعه المحلي في اليمن، الذي تعرض بالهجوم مرارا وتكرارا ضد الولايات المتحدة.

ويعتبر الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي من الحلفاء الشجعان للولايات المتحدة، ولكن من دون أي دعم محلي يذكر.

تقول أبريل آلي، من محللي مجموعة الدولية للأزمات: «كانت الدولية اليمنية وما زالت دولة ضعيفة، ولكن هناك الآن خطر حقيقي للانهيار الاقتصادي ونمط من التمزيق الداخلي الذي يمكن أن يؤدي باليمن إلى هوة الفوضى الساحقة».

استيلاء الحوثيين - الذي بدأ في سبتمبر (أيلول) وتعزز خلال الأيام الأخيرة - نتج عنه تعميق الانقسامات الطائفية والإقليمية في الدولة الفقيرة للغاية التي ظلت لسنوات ملاذا آمنا للمتطرفين.

تعاملت الصفقة المعلن عنها الأربعاء مع بعض من مطالب الحوثيين، ومن بينها نقص التمثيل في الأجهزة الحكومية وشكاوى تتعلق بأحكام في مسودة الدستور. وفي المقابل، وافق الحوثيون على سحب المقاتلين من القصر الرئاسي وغيره من المواضع في العاصمة صنعاء وإطلاق سراح مساعد الرئيس هادي المختطف بواسطة المسلحين الحوثيين السبت الماضي. ولكن ظلت هناك شكوك طفيفة في أن الحوثيين، الذين هددوا مرارا خلال الأشهر الأخيرة باستخدام القوة لاكتساب التنازلات السياسية، لا يزالون في محل السيطرة.

ودفع الإذلال العلني الحوثي للرئيس هادي بالمتمردين الجنوبيين إلى إغلاق الميناء الرئيس للبلاد في عدن وإغلاق الحدود بين الشمال والجنوب في وقت سابق من هذا الأسبوع، مما يزيد من احتمالات الانفصال الفعلي. وأوقف رجال القبائل المسلحون صادرات النفط في 3 محافظات جنوبية. كما أوقفت السعودية، التي تعتبر الحوثيين يحاربون بالوكالة نيابة عن إيران، تقريبا كل المساعدات المقدمة إلى الحكومة اليمنية، مما يترك الحكومة تقريبا مفلسة وغير قادرة على دفع الرواتب.

ضخ السعوديون، الذين كانوا لفترة طويلة شريان الحياة الاقتصادية لليمن، أكثر من 4 مليارات دولار منذ عام 2012 إلى اليمن، ووفقا لأحد المسؤولين اليمنيين فإنه من المرجح أن تحذو دول الخليج العربي الأخرى حذو السعودية في ذلك.

وفي إشارة شؤم أخرى، يبدو أن الحوثيين يستعدون لمعركة كبرى مع منافسيهم من المسلمين السنة في محافظة مأرب، إلى الشرق من العاصمة صنعاء، حيث توجد الكثير من البنى التحتية النفطية في اليمن هناك. ويمكن أن يكون لذلك تأثيره المدمر على الحكومة والاقتصاد اليمني، الذي يعتمد بشدة على النفط. كما يمكن أن يؤدي إلى تفاقم التوترات الطائفية في بلاد كانت إلى وقت قريب خالية تماما من مثل تلك الصراعات.

في واشنطن، أعرب مسؤولون في الجيش والاستخبارات الأميركية عن قلقهم العميق الأربعاء من العنف الدائر في صنعاء، وتأثير أي مزيد من التدهور في الوضع على واحدة من أقوى شركاء إدارة الرئيس أوباما في مكافحة الإرهاب.

قال مايكل ج. فيكرز، كبير مسؤولي سياسة الاستخبارات بوزارة الدفاع الأميركية، إن المحللين لا يزالون يعملون على تحديد الهدف النهائي للحوثيين.

وقد جذب الصعود السريع للحوثيين الاهتمام العالمي إلى جماعة متمردة كانت غير معروفة إلى حد كبير خارج حدود اليمن قبل 10 سنوات، ولا تزال أجندتهم السياسية يشوبها الغموض لكثير من الناس داخل الدولة وخارجها. وزعيمهم، مقاتل العصابات الكاريزمي في الثلاثينات من عمره ويدعى عبد الملك الحوثي، ورث عباءته من والده وشقيقه الأكبر حسين الحوثي، الذي أسس الحركة في التسعينات ولقي مصرعه في أول سلسلة من المعارك ضد الحكومة اليمنية التي انتهت في 2010.

تركز خطابات الحوثي على محاربة الفساد والالتزام بالاتفاقيات المبرمة من خلال سلسلة من جلسات «الحوار الوطني» التي انتهت العام الماضي. وقد ساعدت تلك المطالب في تدعيم التأييد الشعبي للحوثيين - التي لا تزال في قوتها - في دولة التهمتها أنياب الفساد، وتبدو الأمور فيها أكثر سوءا منذ تولي الرئيس هادي السلطة عقب انتفاضة عام 2011.

ولكن غالبا ما يُنظر إلى الحوثيين من زاوية هوية «الصحوة الزيدية»، وهي الجماعة التي ظلت مهيمنة في الحكومة اليمنية لعدة قرون، ثم انسحبت إلى الظل خلال العقود الأخيرة. لقد نظموا أنفسهم على غرار جماعة حزب الله اللبنانية الشيعية، وبالتالي فإن آيديولوجيتهم وقيادتهم تتميز بالانفراد والتميز عن اليمنيين، فهم من حلفاء إيران، التي وفرت لهم السلاح والتدريب والأموال، على الأخص منذ عام 2011.

يستمر الحوثيون في معركتهم الدموية مع تنظيم القاعدة التي جعلت البعض في الغرب يعتقد أنهم قد يكونون شركاء محتملين، رغم شعارهم المعلن «الله أكبر، الموت لأميركا، الموت لإسرائيل».

يقول برنارد هايكل، أستاذ في جامعة برنستون الذي يكتب على نطاق واسع حول الشأن اليمني: «كانت الصيغة إبان حكم صالح لليمن هي سحب ما يمكن سحبه من الولايات المتحدة بذريعة الدعم في حربها ضد تنظيم القاعدة، التي كانت وصفة للطائرات من دون طيار ولمزيد من التطرف. أما الحوثيون فيريدون فعلا محاربة (القاعدة)، وهو أمر قد يكون أكثر فعالية بحق».

ولكن الحوثيين هم من حلفاء صالح كذلك، الذي يعتبر من الشخصيات القوية في اليمن ويعزم على الانتقام ممن خططوا للإطاحة به خلال الاضطرابات التي شهدها عام 2011، وفي حالة نجاح الحوثيين في تعزيز سيطرتهم، فإن الكثيرين في اليمن يتوقعون صراعا دمويا على السلطة بينهم وبين الموالين لصالح في الجيش والقبائل.

واستفاد الحوثيون كثيرا من سمعتهم للأمانة والانضباط، تماما مثل نظيرتهم جماعة حزب الله. ولكن السلوك المتعجرف للمسلحين الحوثيين الذين نزلوا إلى العاصمة اليمنية في سبتمبر، في ترهيب وزراء الحكومة وخصوم الآيديولوجية، قد قضى على بعض نواياهم الحسنة.

في تعز، ثالث أكبر مدينة يمنية، سيطر الحاكم المدني على منشآت الجيش والمخابرات، ويحكم الآن فعليا دولة تعز المصغرة. وفي جنوب اليمن، الذي كان دولة مستقلة منذ عام 1970 حتى 1990 وخاض حربا أهلية قصيرة ضد الشمال في 1994، فإن الكثيرين قد قلدوا الصعود الحوثي نحو السلطة في محاولة منهم للانقسام.

عززت تلك الطموحات من مخاوف وقوع المزيد من الانقسامات التي يستفيد منها تنظيم القاعدة، الذي طرد المسؤولين الحكوميين في قطاعات واسعة من الجنوب في منتصف عام 2011 وأعلن الإمارة الإسلامية التي استمرت نحو عام كامل.

* خدمة «نيويورك تايمز»