الملك سلمان بن عبد العزيز.. دبلوماسية فن الحكم ونجاح الإدارة والحضور الإنساني

النجل الـ25 للملك المؤسس ورث عن والده عدة صفات مشتركة كالذكاء المتوقد وسرعة البديهة

الملك الراحل خلال مصافحته الأمير مقرن ولي العهد في حضور الملك سلمان بن عبد العزيز (واس)
TT

لعل من الصعوبة الإحاطة بكل الجوانب اللافتة في شخصية الملك سلمان بن عبد العزيز، الذي أصبح ملكاً للبلاد بعد وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز، وتحديد المهارات والملامح التي يتمتع بها، من خلال حصيلة ستة عقود من التجارب والمواقف الإنسانية والخيرية والإدارية والثقافية والتاريخية؛ لكن يمكن القول بأن شخصية الملك سلمان وحضوره اللافت في كل المجالات دفعت الكتاب الى التهافت للتأليف عنه وسبر أغوار شخصيته رغم رفضه الدائم الكتابة عنه. فنجح عدد من المؤلفين والكتاب والمفكرين في رصد جوانب من شخصية الملك سلمان بن عبد العزيز والوقوف على «الكريزما» الخاصة التي يملكها؛ فقد رصد مفكر وكاتب عربي جوانب مجهولة في شخصية رجل كان أمير عاصمة دولة كبيرة لها وزنها وحضورها الديني والسياسي والاقتصادي إقليميا وعالميا، وأصبح ملكاً للبلاد، وقارن بين شخصية مؤسس هذا الكيان الكبير، وبين نجله الـ25 الذي ورث عن والده المؤسس عددا من الخصائص والمواهب، كما أبرز الكاتب جوانب مجهولة في شخصية الملك سلمان الذي سجل طيلة أكثر من نصف قرن حضورا إنسانيا وخيريا وإداريا. وقد سلط الكاتب أيضا الضوء على جوانب تتعلق بنجاحته إداريا وإلمامه بدبلوماسية وفن الحكم، كما حدد المهارات السياسية والملامح الإنسانية التي يتمتع بها الملك سلمان بن عبد العزيز.

ويحمل الملك سلمان بن عبد العزيز، الذي ولد بمدينة الرياض في 31 ديسمبر (كانون الأول) 1935، وبالتحديد في قصر الحكم بالديرة، قلب العاصمة السعودية، الذي كان مشيدا بالطين واللبن آنذاك، عددا من الأوسمة والجوائز المختلفة، من أهمها وشاح الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى، الذي يعد أعلى وسام في السعودية، كما حصل على وشاح العاصفة ووسامها، وذلك تقديرا من حركة فتح الفلسطينية للأمير عام 1969، ووسام بمناسبة مرور 2000 عام على إنشاء مدينة باريس، وقلده الوسام الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، عندما كان عمدة باريس عام 1985، ووسام الكفاءة الفكرية، الذي قلده إياه ملك المغرب الراحل الحسن الثاني في الدار البيضاء عام 1989، ووسام البوسنة والهرسك وقام بتقليده الرئيس البوسني الراحل علي عزت بيغوفيتش في الرياض عام 1997، ودرع الأمم المتحدة لتقليل آثار الفقر في العالم في العام ذاته، ووسام القدس الذي قلده الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، في حفل أقيم بقصر الحكم بالرياض عام 1997، ووسام (سكتونا) الذي يعد أعلى وسام في الفلبين، وقلده إياه الرئيس الفلبيني جوزيف استرادا، أثناء زيارته للفلبين عام 1999، وذلك تقديرا لمساهمته الفعالة في النشاطات الإنسانية، كما منح الملك (الأمير) الوسام الأكبر في السنغال، وقلده الرئيس السنغالي عبده ضيوف أثناء زيارته للسنغال عام 1999، كما قلده الرئيس اليمني علي عبد الله صالح أثناء مرافقته للملك عبد الله عندما كان وليا للعهد في زيارته لليمن عام 2001، وسام الوحدة اليمنية من الدرجة الثانية، كما يحمل الملك سلمان «زمالة بادن باول الكشفية» من قبل ملك السويد كارل جوستاف السادس عشر عام 2008، وجائزة البحرين للعمل الإنساني لدول مجلس التعاون الخليجي عام 2008.

وأنجز المفكر والكاتب السعودي الراحل زين العابدين الركابي، كتابا عنونه بـ«سلمان بن عبد العزيز.. الجانب الآخر»، ووصفه ناشره (مكتبة العبيكان)، بالمثير للاهتمام، مرجعا ذلك إلى سببين، أولهما: صعوبة الإتيان بجديد عندما يدور الحديث عن شخصية معروفة محليا وعربيا وعالميا، إذا كانت في علو قامة الأمير (الملك)، والثاني جانبه التوثيقي الموضوعي في الكشف عن الجوانب المجهولة بالنسبة للكثيرين في شخصية الملك سلمان، علماً بأن الكتاب تم تأليفه عندما كان يشغل منصب أمير منطقة الرياض.

وأورد الكتاب في سياق الحديث عن نهج الملك سلمان في الشفافية كأحد فنونه في الحكم، حديثا لم ينشر من قبل للأمير سلمان مع مجموعة من طلاب جامعة هارفارد أثناء زيارة الطلاب للرياض مع أحد أساتذتهم قبل عدة سنوات، كشف فيه عن جوانب تؤكد إلمام الملك سلمان بقضايا العصر وامتلاكه رؤى واضحة حولها، حيث أكد الملك عندما كان أميراً للرياض بصراحة أن السعوديين يؤمنون بأن كل إنسان حر في عقيدته، لا يُكره قط على عقيدة لا يريدها، موردا نصوصا كثيرة حول هذه المسألة، كما أوضح لأستاذ وطلاب جامعة هارفارد أن هناك لبسا في فهم موضوع «الإرهاب والتطرف»، الذي يرتكب من قبل أشخاص ينتسبون إلى الإسلام، مشددا على أن ذلك ليس نابعا من مشكلة أصلية في الدين نفسه، وقال في هذا الصدد: «المشكلة ليست في المصدر ولا في المنهج، إنما المشكلة في (المتطرفين)، الذين يفهمون الدين خطأ، ويطبقونه خطأ، سواء أكان هؤلاء المتطرفون مسلمين أو مسيحيين أو يهودا». ولمح الملك سلمان إلى أن تأكيداته على تلك الحقائق لا يريد منها الدفاع عن متطرفين أو إرهابيين يصنفونه عدوا، إنما للتنبيه على أنهم لا يمثلون الإسلام، موضحا بالقول «إنكم سوف تعانون في يوم من الأيام من المتطرفين في المسيحية واليهودية، فهؤلاء المتطرفون من مسلمين ويهود ومسيحيين يضرون بالبشرية كلها من حيث إنهم يجعلون العلاقة بين الأديان والأمم علاقات توتر ومشاحنات وصراع وعنف، بينما أرادها الله علاقات تعارف وتراحم وسلام».

وورث الملك سلمان من الملك المؤسس شخصية والده، ونال حظا موفورا من الخصائص والمواهب، كالذكاء المتوقد، وسرعة البديهة، وقوة الإيمان، وقوة الذاكرة التي لا غنى عنها لكل قائد ناجح، وموهبة الانتظام في العمل، وتقدير الوقت إلى درجة أن موظفي الإمارة يضبطون ساعاتهم على وقت الحضور اليومي للملك، ومن الخصائص المشتركة المهمة أيضا، ذلك الشغف المعرفي والنزوع إلى تحقيق تنوع ثقافي متعدد المصادر، فالملك سلمان يقرأ في الدين والتاريخ والسياسة والاقتصاد وعلم الأنساب والاجتماع، وهو صديق صدوق للكتاب في السفر مثلما هو في المقام، ولعل مكتبته المنزلية خير شاهد على مستوى اهتمامه بالجانب الثقافي؛ إذ تحتوي رفوفها على ما يزيد عن ستين ألف مجلد تغطي ثمانية عشر ألف عنوان متنوع تشمل مختلف حقول المعرفة وميادين الثقافة.

وأوضح المؤلف زين العابدين الركابي في مقدمة الكتاب أن هذا الكتاب ليس «سيرة ذاتية» للأمير (الملك) سلمان بن عبد العزيز.. «فللسير الذاتية خصائصها وطابعها وأدبياتها ولغتها، إنما هذا الكتاب اكتشاف الجانب الآخر من رجل قدر لي أن أقترب منه وأعرفه معرفة مباشرة موسعة، وأن أتعامل معه في مستوى فكري راق، ملؤه الجد والحرية والتشاور والشفافية والاختلاف الرفيع أحيانا، ملمحا إلى أن الاختلاف الرفيع يقصد به تنوع وجهات النظر - إلى آخر آماد التفكير الحر - في قضايا تحتمل وجهات نظر متنوعة. أما في الأساسيات فهناك تطابق ووحدة».