الضابط الأميركي الهارب لإسرائيل حمل معه أكياسا مليئة بالأسرار العسكرية

الشرطة الإسرائيلية تقتفي أثر ماتيس في مستوطنة بصحراء النقب لكنها لم تعتقله

TT

رغم اعلان قيادة الجيش الاميركي انها تتعامل مع الضابط جريميا ماتيس الذي اقتفت الشرطة الاسرائيلية اثره في مستوطنة متسبيه رامون في صحراء النقب لكنها لم تعتقله، على انه فار من الخدمة وليس جاسوسا، فان معلومات تسربت من طاقمي التحقيق، الاسرائيلي والاميركي، افادت بأنه كان قد ارسل كميات هائلة من المعلومات السرية وحمل معه كميات اخرى.

فقد ضبطت الشرطة الاسرائيلية في بيت صديقته رفكا آرتسي ـ نير، حوالي عشرة اكياس بريدية كبيرة فارغة. وخلال استجوابها اعترفت بأن ماتيس كان يرسل هذه الاكياس الى عنوانها في اسرائيل. وانها تضمنت العديد من الوثائق والمعلومات السرية الخاصة بالسياسة الاميركية في الشرق الاوسط والمعلومات الاستخبارية والعسكرية المختلفة. وكان يرسلها بالبريد الجوي العادي لاسرائيل حتى لا يشك بأمرها.

وعندما سئلت عن مصير هذه الوثائق، اجابت، ان صديقها الكولونيل ماتيس حفظها في خزائن بنكية خاصة، موزعة على عدة بنوك في اسرائيل، وان مفاتيح هذه الخزائن موجودة لديه. وقالت ايضا ان ماتيس احضر معه الى اسرائيل كمية اخرى من الوثائق واشرطة التسجيل وديسكات الحاسوب، وانه اخفاها بالطريقة نفسها.

وكان رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك، قد وعد السفير الاميركي في تل ابيب، مارتن انديك، الذي التقاه يوم الجمعة الماضي، برفقة المنسق دنيس روس، بأن يبذل كل جهده للقبض على الكولونيل ماتيس. ولكن، مع اكتشاف هذه المعلومات، امر باراك باتخاذ اجراءات طوارئ عسكرية شاملة للبحث عنه وتسليمه الى الولايات المتحدة. وتركزت هذه الجهود في صفوف اليهود المتدينين المتزمتين، المعروفين باللباس الموحد (الجبؤة السوداء والقميص الابيض) وباطلاق اللحى والسوالف واعتمار القبعات السوداء، مما يصعب التمييز بين الواحد والآخر منهم. وتم تفعيل رجال المخابرات المنزرعين في صفوف هذه الشرائح من اليهود. ويذكر ان الكولونيل ماتيس هو في الخمسين من العمر. منذ مطلع شبابه انضم الى الجيش الاميركي، وتطور فيه حتى حصل على درجة «كولونيل». وقد امضى جل خدمته العسكرية في سلاح الاستخبارات الاميركي. ومن خلال موقعه وبسبب رتبته العسكرية كانت له امكانيات واسعة للوصول الى مخازن المعلومات، وكان واحدا من الذين حملوا بطاقة اعتماد على حساب الجيش، يستطيع الصرف بواسطتها بلا حدود.

قصته مع اسرائيل بدأت قبل 20 سنة، حين وصل اليها في زيارة حجيج الى الاماكن المسيحية المقدسة، بصفته عسكريا متزمنا. ولكنه التقى في القدس مع حاخام يهودي عرف بأنه «قناص اليهود في قلوب المسيحيين»، وذلك لانه يتخصص في العثور على «مسيحيين متدينين» يمكن ان يعتنقوا اليهودية بسهولة. فيبدأ حواره مع الواحد منهم بالقول: «انت مسيحي في الظاهر ولكن في داخلك يهوديا كبيرا ذا مستقبل باهر. وقد ارسلني الله اليك حتى ازيل عنك تلك القشرة، فينجلي اليهودي فيك ويطغى».

وهكذا، قرر اعتناق اليهودية. وحال عودته الى بلاده توجه الى كنيس يهودي وطلب ان يصبح يهوديا فاستقبلوه بالترحاب.

لكن الانعطاف الكبير في حياته حصل عندما تعرف الى رفكا ارتسي ـ نير، وهي مواطنة اسرائيلية غادرت بيتها في كفار سابا (قرب تل ابيب) الى الولايات المتحدة قبل 13 عاما هربا من زوجها الاول.

وهي ذات سيرة مليئة بالمآسي وبعلامات الاستفهام فقد ادعت ان زوجها خطف ابنها الاول وان اليهود المتدينين، الذين لجأت اليهم في الولايات المتحدة، خطفوا ولديها الآخرين. وان زوجها الثاني خدعها ـ لهذا، فان عائلة الكولونيل ماتيس، لا تثق بها وتقول ان كل ما تقوله كذب وتحملها مسؤولية توريطه في قضية التجسس هذه.

لكن الكولونيل ماتيس ارتبط بها بشكل قوي. وبسببها انتقل من اليهودية الاصلاحية الى اليهودية الارثوذكسية، اذا عبر كل اجراءات التهود القاسية في الولايات المتحدة (بما في ذلك الطهور والتنسك لفترة طويلة). وباتت اسرائيل بالنسبة اليه ليس مجرد دولة اليهود، بل كل الامل والمستقبل. وحسبما افاد مرؤوسوه في الجيش الاميركي، فقد ازال العلم الاميركي من مكتبه ورفع مكانه العلم الاسرائيلي وملأ بصور وخرائط عن اسرائيل والاماكن اليهودية المقدسة فيها. ثم تقدم بطلب رسمي الى قادته لتعيينه ملحقا عسكريا في السفارة الاميركية في تل ابيب.

واثر ذلك، اجري تحقيق حول شخصيته وتصرفاته، في يناير (كانون الثاني) الماضي، اسفر عن نتيجة سحب صلاحيات واسعة منه ثم تنحيته من وظيفته. عندها بدأ يفكر في الهجرة الى اسرائيل ولكنه لم يفعل ذلك بهدوء.

فبدأ بتسريب المعلومات السرية وساعدته صديقته الاسرائيلية على الوصول الى مجموعة «حباد» الدينية المتطرفة التي هربته الى اسرائيل بواسطة جواز سفر مزيف وشخصية اخرى متخفية باللباس الديني المذكور اعلاه.

يذكر انه وصل الى اسرائيل في 3 اغسطس (آب) الجاري. وفي السابع منه، اعلن عنه فارا من الجيش الاميركي، اذ كان عليه ان يعود الى وحدته العسكرية. فلم يفعل. وابلغت اسرائيل، رسميا، بأنه وصل اليها. وبالفعل اعترفت صديقته انها التقته يوم الخميس الماضي، حيث امضى الليلة معها ثم تركها.