محمد السادس: الثروة البترولية المكتشفة لن تشكل بديلا لثرواتنا الفلاحية

TT

أعلن العاهل المغربي الملك محمد السادس أن المغرب يتوفر على موارد «وافرة من النفط والغاز»، وقال في خطاب ألقاه الليلة قبل الماضية بمناسبة ذكرى «ثورة الملك والشعب» ان «الاكتشافات في منطقة تالسينت جنوب شرقي المغرب أظهرت أن الموارد المتوفرة لدى المغرب من النفط والغاز هي من النوع الجيد وهي بكميات وافرة».

وشدد العاهل المغربي على أن «توفر المغرب على موارد البترول والغاز لن تحوله من بلد مستورد لحاجياته من الطاقة إلى بلد بترولي يعتمد اقتصادا ريعيا قائما على البترول او يخلق مجتمعا استهلاكيا» مؤكدا ان المغرب سينتهج سياسة تعتمد موارد الطاقة كوسيلة للإقلاع الاقتصادي والنهوض التنموي.

وفي السياق نفسه عقد العاهل المغربي مساء اول من أمس في أعقاب خطابه بالديوان الملكي بالرباط، اجتماعا مع عدد من المسؤولين في الحكومة وقطاع الطاقة خصص لدراسة السياسة النفطية التي يتعين اتباعها. وعين العاهل المغربي الخبيرة أمينة بنخضراء مديرة عامة للمكتب المغربي للأبحاث والاستثمارات النفطية مع احتفاظها بمنصبها كمديرة عامة للمكتب المغربي للأبحاث والمساهمات المعدنية.

وكان العاهل المغربي قد شدد في خطابه على اهمية «دور التربية والتكوين من أجل بلوغ التنمية الشاملة وادراك رقي المجتمع» مبرزا العناية الخاصة التي يوليها لمحو الأمية التي قال بشأنها «انها ما زالت للأسف متفشية في الحواضر والبوادي بنسب متفاوتة وتتنافى مع وضع المغرب ومكانته وتطلعاته اذ تشكل عائقا يتطلب تعبئة مختلف الطاقات والفعاليات لاقتلاعه وازاحته».

واكد الملك محمد السادس «ضرورة احياء دور المساجد وبعث رسالتها في تأطير المواطنين والمواطنات»، وبموازاة مع ما تنهض به الاجهزة الحكومية المعنية بقطاع التعليم وما يقوم به المجتمع المدني، أعلن أنه أمر بفتح المساجد لدروس محو الامية الابجدية والدينية والوطنية والصحية وذلك «وفق برنامج محكم مضبوط كلفت وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية بتنفيذه بكل ما يقتضي من مدرسين ومدرسات من المجازين العاطلين عن العمل وما يتطلب من كتب وادوات وما اليها من تجهيزات».

واكد ان «تنفيذ هذا البرنامج سيبدأ مع انطلاق الموسم الدراسي الجديد في مجموعة من المساجد تم تحديدها على صعيد المغرب كله وستعطى فيها دروس تستجيب لحاجات المستهدفين وتواكب التطور والمستجدات».

وعبر العاهل المغربي عن عزمه بأن «يتابع هذا الانجاز في السنوات المقبلة بالزيادة في عدد المساجد وتوسيع مجالات المستفيدين والمستفيدات من هذه الحملة المباركة حتى لا تنقضي العشرية المقبلة التي اردناها ان تكون للتربية والتكوين الا وقد تغلبنا على هذه الآفة».

وقال العاهل المغربي في خطابه متوجها للشعب المغربي «الى جانب الاهتمام الذي نوليه لتنمية الموارد البشرية واعداد شبابنا لولوج مجتمع المعرفة والتواصل فاننا ما فتئنا منذ تحملنا امانة قيادتك نتخذ المبادرات ونقود العمليات ونشحذ العزائم في سبيل تحقيق اقلاع اقتصادي وتنمية اجتماعية غايتنا المثلى تشغيل الشباب والنهوض بالعالم القروي والفئات الاجتماعية والمناطق المعوزة ووسيلتنا العملية هي حفز الاستثمار العام والخاص وتفعيل التضامن الاجتماعي والاستثمار الارشد لمواردنا الطبيعية الغنية والمتنوعة وتعبئة كل الطاقات لخوض ما دعوناه في خطاب العرش الاخير بالجهاد الاكبر الاقتصادي والاجتماعي».

وأضاف الملك محمد السادس قوله «مصداقا لما وعد الله سبحانه وتعالى به عباده المخلصين» في قوله الكريم «إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا» فقد شاءت ارادته تعالى ان يمد جهادنا الاقتصادي والاجتماعي بطاقة اساسية لخوضه، وانه ليسعدنا في غمرة الاحتفال بالمناسبتين المجيدتين ان نزف اليك بشرى اكتشاف النفط والغاز من النوع الجيد بناحية تالسينت بالاقاليم الشرقية العزيزة علينا بكميات وافرة».

وقال الملك محمد السادس «كم كنا نتمنى لو ان والدنا الراحل كان هو المبشر لك بهذا الاكتشاف لما كان له رحمه الله من سهر على مصالحك العليا ومن سعي الى كل ما يفرحك ويسعدك وما كان له من نظرة بعيدة ومن حرص على ان يدخل المغرب الالفية الثالثة وهو مؤهل لمواكبة التحولات العالمية الجديدة والمساهمة الفاعلة فيها».

واكد الملك محمد السادس ان «اكتشاف المغرب للنفط بقدر ما يعني تحوله من بلد مستورد لجميع حاجياته منه الى بلد تزخر ارضه المعطاء بهذه المادة الحيوية فانه لا يعني بتاتا تحول المغرب الى بلد بيترولي ذي اقتصاد ريعي مورده الاساسي والاوحد هو ثروته النفطية». واضاف «وكما دعونا المقاولة المواطنة الاجتماعية في خطاب العرش الى نبذ اقتصاد الريع وسلوك سبيل الاستثمار الخلاق المنتج فاننا نلح على اننا لن ننهج ابدا في استثمار ما حبانا الله من هذه المنة سبيلا تخلق به الدولة اقتصادا ريعيا او مجتمعيا استهلاكيا».

وأكد الملك محمد السادس «ان منظورنا لتدبير الثروة النفطية يرتكز على اعتبار البترول والغاز وقودا لتفعيل الاقلاع الاقتصادي والتنمية الاجتماعية تسريع وتيرتهما وانه وسيلة وطاقة جديدة من بها الله علينا كي نضاعف من الجهد ومن العمل لتحقيقه وليست ولن تكون ابدا غاية في حد ذاتها او ثروة تدعونا للتواكل والخمول والاستهلاك وتعطيل طاقاتنا ومؤهلاتنا البشرية والطبيعية». مضيفا ان «هذا المنظور ينبني على رصد ما قد يتوفر لنا من الاعتمادات المخصصة لاستيراده لاعطاء دفعة قوية للاستثمار في تأهيل مواردنا البشرية باعتبارها طاقتنا الاساسية وبالنظر لكون رأس المال البشري يشكل ثروة الاقتصاد الجديد وعماد تدبير وتحويل باقي الثروات الطبيعية».

وأكد الملك محمد السادس انه يولي عنايته البالغة في مجال تمتين النسيج الاقتصادي المغربي وعصرنته لتنمية العالم القروي والزراعة التي تشكل احد مقومات هوية المغرب ومصدر دخل نصف شعبه وملاذ تحقيق الامن الغذائي لكافة المغاربة.

وقال الملك محمد السادس ان «الثروة البترولية المكتشفة لن تشكل ابدا بديلا لثرواتنا الفلاحية بل ستكون اداة اغناء لها ووسيلة لتكثيف البحث الزراعي للاستفادة من التطور التكنولوجي في ميدان الانتاج الفلاحي الذي سيزيد الفلاح تمسكا بارضه المعطاء وفي مجال اقتصاد الماء ونوعية الزراعات المناسبة لمناخنا».

واكد الملك محمد السادس ان «اكتشاف موارد مائية جديدة وحسن تدبير الموجود منها وضمان امننا الغذائي لا يقل اهمية عن اكتشاف الغاز والنفط. وعلاوة على استمرارنا في منح الاولوية للفلاحة والصناعات المرتبطة بها ومد بلادنا بما تحتاج من تجهيزات اساسية ومن سكن اجتماعي لائق فان الثروة النفطية المكتشفة لن تحجب عن بالنا اعطاء مكانة الصدارة لتقوية وتنمية قطاعاتنا المنتجة الواعدة والتي نتوفر فيها على قدرة تنافسية دولية والمتمثلة في السياحة والصيد البحري والتكنولوجيات الحديثة للاعلام والتواصل والخدمات والصناعة التقليدية والنسيج».

وأبرز العاهل المغربي ان تمسك المغرب بثوابت هويته ستمكنه من «تحقيق نهضة تنموية شاملة تتضافر فيها جهودنا جميعا وتتكامل فيها التنمية الاقتصادية والتضامن الاجتماعي وتتوافر فيها للمواطنين والمواطنات حياة عزيزة كريمة تتيح لهم التمتع بجميع الحقوق التي تخولها دولة الحق والقانون والمؤسسات والتي نحن لها ضامنون وعلى ترسيخها عازمون وفي نفس الوقت تيسر لهم اداء الواجبات التي هم بها ملزمون، مستلهمين روح ثورة الملك والشعب وتجددها بتجدد اجيال الشباب المتتالية الحاملة لمشعل الكفاح والتضحية ونجدد آيات الشكر للمنعم العظيم على النحو الذي يحثنا الله عليه في قوله الكريم «فهل أنتم شاكرون».

(تفاصيل ص اقتصاد)