موشيه قصاب: أرغب في لعب دور في إعادة العلاقات مع إيران

الرئيس الإسرائيلي الجديد يعلن لـ«الشرق الأوسط» انه في طفولته كان يحلم في أن يكون مزارعا

TT

موشيه قصاب رجل عصامي وسياسي اسرائيلي ظل مجهولا للعالم الخارجي الى ان نجح في الحاق الهزيمة النكراء في انتخابات الرئاسة الاسرائيلية بالمرشح المفضل، وفق استطلاعات الرأي، حتى آخر لحظة، وهو شيمعون بيريس السياسي الاسرائيلي المخضرم ورجل الدولة البالغ من العمر 77 عاما ويحظى باحترام دولي واسع في آخر معاركه السياسة قبل ان ينسحب من الساحة السياسية التي قضى فيها اكثر من 55 عاما. وقصاب اليهودي الشرقي المولود في مدينة يزد الايرانية هو اول رئيس يميني لدولة اسرائيل. وهو قادم من بلدة اسمها كريات ملاخي (جنوب).

التقيت الرئيس قصاب في المنزل الرئاسي في القدس الغربية. كان ذلك في اول مقابلة تلفزيونية دولية معه، واعترف فيه قائلا «انها اول مقابلة معي باللغة الانجليزية».

كان اول شيء حمله معه من كريات ملاخي الى بيته الجديد للسنوات السبع المقبلة. صورة مهداة له تحمل توقيع سلفه عيزر فايتسمان الذي استقال من منصبه بسبب اتهامات بالفساد.

ووقع فايتسمان على هذه الصورة خلال زيارة قصاب له... (يتردد في الدوائر السياسية الاسرائيلية اشاعات تفيد ان فايتسمان دعم قصاب ضد بيريس)! اما غيلا قصاب، السيدة الاسرائيلية الاولى، ذات الجسد الممتلئ والوجه الجميل، التي قابلتها في اليوم التالي في محل بن تسور للازياء، فكانت تجرب بعض الفساتين «العملية وملابس السهرات». واستدارت فجأة وسألت السكرتير المرافق لها: «هل اقدر على تسديد اثمانها؟»، فرد قائلا «نعم هناك ميزانية لذلك...» فبدى الاندهاش على وجهها.

وهكذا اصطحبني قصاب الى حديقة محل اقامته الجديد. وقال «ان اولادي لن يعيشوا معنا هنا، فهم يفضلون البقاء في كريات ملاخي» بينما كنا نمر بتماثيل الرؤساء الاسرائيليين السبعة السابقين، وكان قصاب يعرفني بكل واحد منهم، حتى وصلنا الى آخرهم فايتسمان، فتوقفنا وتلاقت عيوننا. وكان من الواضح في تلك اللحظة انه شعر بان تمثاله سيكون التالي في المجموعة فبدت عليه علامات الذهول.

* ماذا كان شعورك عندما دخلت الى هذا المنزل؟

ـ تذكرت ايام طفولتي، عندما وصلت الى اسرائيل قادما من ايران لاسكن في خيمة. كنت حينها ابلغ الخامسة من العمر، وكان اهلي يعدون انفسهم لخوض حياة جديدة في بلد جديد.

* ولدت في ايران، فهلا قصصت علي جانبا من ذكرياتك في ايران؟

ـ اتذكر اني فقدت اخي الاصغر... كما اذكر جيدا مسيرة الشاه عام 1950، واذكر الحياة في طهران...

* هل ما زلت تتكلم الفارسية؟

ـ نعم، ما ازلت اتكلم الفارسية، خاصة مع امي.

* لا بد ان هجرتك الى اسرائيل لم تكن سهلة بالنسبة لك؟

ـ نعم، كان ذلك امرا صعبا. درست بعد وصولي الى اسرائيل في مدرسة بن شيمين وهي مدرسة زراعية. بعد ذلك خدمت في الجيش واصبحت صحافيا. وخلال ذلك واصلت دراستي في الاقتصاد والتاريخ. وفي فترة الدراسة تزعمت طلاب الليكود في الجامعة العبرية. ورشحت نفسي لرئاسة بلدية بلدتي الصغيرة كريات ملاخي. كنت حينها في الرابعة والعشرين من العمر، وفعلا فزت بالانتخابات وكانت دهشتي كبيرة بالفوز اما هذه المرة فلست كذلك على الاطلاق! لقد كان ذلك انجازا عن حق... ولا اقصد بذلك عمري فحسب، ولكنها كانت المرة الاولى التي ينتخب فيها سياسي من اليمين او الوسط لمنصب الرئاسة في اسرائيل!

* الى من تعزو مصدر شعورك بالثقة في النفس؟ الى امك؟

ـ نعم. امي ربتني على الثقة بالنفس ومنافسة اي شخص.

* حتى شيمعون بيريس؟

ـ نعم، واعتقد اني قادر على منافسة اي شخص. اصبحت عضوا في الكنيست عندما كنت شابا في مقتبل العمر، وعضوا في الحكومة الاسرائيلية في سن السادسة والثلاثين! وانا الآن اصغر الرؤساء الاسرائيليين قاطبة.

* انك اصغر الرؤساء الاسرائيليين بالفعل، كما انك اول الرؤساء المنتمين الى حزب الليكود. ولكن اليس من المفروض ألا يشتغل الرئيس الاسرائيلي بالسياسة؟ الم تكن تشعر بالدون في المجتمع الاسرائىلي؟ ـ بصراحة، لم اشعر قط باي تمييز بين المجموعات او الطبقات التي عشت بينها في المجتمع الاسرائيلي. ولكن القلق ينتابني اكثر من الشعور بالتمييز، فالتمييز في ذاته اقدر على تصحيحه، اما الشعور بالتمييز فهو عملية طويلة وليس من السهل القضاء عليها.

* احتلت اخبار انتخابك عناوين الصحف الرئيسية في العالم، لانك هزمت الحائز جائزة نوبل للسلام والمرشح المفضل، بيريس! بماذا تشعر تجاهه؟

ـ اكن الكثير من الاحترام لبيريس، وله اسهامات جليلة في المجتمع والسياسة الاسرائيلية. وكان قد بدأ مشواره السياسي منذ خمسين عاما، بيد ان الكنيست والنظام الديمقراطي هنا فضلني انا واختارني عليه.

* مع ذلك وصف العديد من المقالات المنشورة في ارجاء العالم هزيمة بيريس وكأنها مأساة، لا بد ان ذلك اثر عليك.

ـ نعم، لا بد ان اعترف بانه سبب لي شيئا من الضيق. فاين هي المأساة. وفي الحقيقة انه لامر جميل ان اختارني النظام الديمقراطي وفضلني عليه، مع كل الاحترام لوضعه وتأثيره. ولكن الناخبين فضلوني عليه لانهم يريدون صب مزيد من التركيز على الشؤون الاسرائيلية المحلية. ربما يكون الناخبون المتنبهون الى الفجوة الكبيرة بين اليهود والعرب، المتدينين وغير المتدينين، اليسار واليمين... الخ... ربما كانوا راغبين في شخص يمثل الجميع. لقد كانوا راغبين في شخص قادر على الكلام مع كل تلك المجموعات.

* تدخل سلفك فايتسمان في السياسة في كل مرة كان يشعر فيها بتجمد عملية السلام. فهل ستسير على خطاه؟

ـ اعتقد ان هذا الامر متروك للحكومة والكنيست، وهما يتنافسان في ما بينهما للتوصل الى الصيغة الصحيحة. وانا شخصيا ليس عندي النية في التدخل في مثل هذه القضايا... ولكن، بالطبع، كرئيس للدولة اليهودية، في نيتي دعم السياسات الاسرائيلية. وسأتبنى اي سياسات تصدر عن رئيس الوزراء. واذا اختلف مع ياسر عرفات، فانا بالطبع ساقف الى جانبه. ولكن اذا كان هناك خلاف بين ايهود باراك وارييل شارون فلن اتحول هنا الى مجرد اداة، ولن اتدخل على الاطلاق. كان لكل الرؤساء الاسرائيليين السابقين علاقة ما بالسياسة. وان تكون رئيسا لاسرائيل مثل الملكة في بريطانيا، ينبغي ألا تتدخل في السياسة. والتوترات الموجودة حاليا داخل المجتمع الاسرائيلي توترات شديدة الاتساع والعمق، وانا احلم بان يمثل صوتي جميع مواطني اسرائيل.

* من هو الشخص الذي يمثل قدوة لك؟

ـ اعتز بونستون تشيرشل (رئيس وزراء بريطانيا ابان الحرب العالمية الثانية)، واعتبره من بين القادة العظماء في التاريخ. فقد تسلم السلطة في بريطانيا عندما كانت بحاجة اليه. اما في التاريخ الاسرائيلي، فديفيد بن غوريون الذي اعلن استقلالنا، ومناحيم بيغن الذي وقع على اول معاهدة سلام مع بلد عربي ومنح جميع ابناء اسرائيل الشعور بالانتماء والاهمية. واحب اقتفاء خطاه.

* هل زرت بلدانا عربية؟

ـ نعم، زرت الاردن.

* هل تتكلم العربية؟

ـ نعم، افهم العربية وانطقها باللهجة العراقية، ولكني لا اتكلمها بشكل جيد.

* تثير خلفيتك الايرانية الاهتمام الشديد، فهل ترى اي فرصة في الافق لان تلعب دورا في فتح طريق الايرانية للعلاقات بين ايران واسرائيل؟

ـ ليس لدينا اي مواقف سلبية ازاء الثقافة الايرانية، وانا شخصيا مغرم بالموسيقى والطعام الايراني، كما اعتز بتاريخهم. ولسوء الحظ، قرروا تدمير العلاقات الايجابية التي كانت بيننا لاعوام طويلة. وغيرت الثورة فجأة كل شيء. ولهذا ليس لدينا مواقف مشتركة معهم الآن.

* لكن هل ستلعب دورا في هذا المضمار ام لا؟

ـ آمل ان اتمكن من ذلك... وسأكون سعيدا جدا. واعتقد ان القدرة لا تعوزني، ولكن لا بد ان اتأكد من ان الايرانيين لن يرفضوا التعامل معي.

* من باب الفضول، فان قصاب تعني «لحام» بالتركية.

ـ نعم... ادري ان هذا يستجلب الفضول، ولكن هذا هو معنى اسمي.

* تعرضت العلاقات الاسرائيلية ـ التركية الى شيء من التراجع مؤخرا، فما هو تعليقك على ذلك؟

ـ صحيح انني لن اتدخل في السياسة طيلة السنوات السبع المقبلة، ولكن بامكاني ان اقول لك ان ثمة الكثير من الامور المشتركة بين اسرائيل وتركيا. وقد قضيت وعائلتي اجازة رائعة في تركيا. واستمتعنا بالطعام والاختلاط بالناس هناك وبالترحيب الدافئ بنا. وزار وزير الخارجية الاسرائيلي تركيا مؤخرا، وان كان ثمة خطأ حصل، فبالامكان اصلاحه في المستقبل القريب.

* صدرت احكام بحق 13 من اليهود في ايران بتهم التجسس لصالح اسرائيل، فهل كنت من بين الذين تحركوا في اسرائيل ازاء هذه القضية؟

ـ بالطبع، اعتقل هؤلاء في نهاية فترة حكومة بنيامين نتنياهو، وكنت حينها نائبا لرئيس الوزراء. اثر ذلك، وبعد انتخاب ايهود باراك، واصلت اثارة الموضوع مع الزعماء المختلفين، مثل الرئيس الصيني ورئيس الوزراء الفرنسي والرئيس الالماني... اذ ليس من سبب يستوجب اعتقالهم، وهم ابرياء. والسبب الوحيد وراء اعتقالهم سبب محلي.

* هلا تصف لي يوما في حياة الرئيس الاسرائيلي؟

ـ لم يمر علي في هذا المنصب سوى اسبوعين فقط... زرت خلالها كيبوتز قريبا من الحدود اللبنانية. كما زرت المكتبة العربية في القدس. وعلى رأس اجندتي دفع حوار يهدف الى تجسير الفجوات العميقة بين المجموعات المختلفة في المجتمع الاسرائيلي.

* هل القدس على اجندتك؟

ـ نعم.

* ما موقفك منها؟

ـ اعتقد ان باراك اوضح ان القدس يجب ان تظل تحت السيادة الاسرائيلية، وليس عندي من سبب يدعوني للقول خلاف ذلك.

* ما هي اسعد لحظاتك منذ انتخابك؟

ـ بعد انتخابي مباشرة رجعت الى كريات ملاخي، وهرع الناس الذين ظلوا بانتظاري طيلة ساعات، نحوي لغمري بالقبل. لقد عشت بينهم منذ وصولي الى هنا ولم اكن اتجاوز الخامسة من العمر. وبدأنا جميعا من الصفر، وانظري الآن... اصبحت كريات ملاخي الصغيرة مدينة جميلة خرج منها رئيس دولة اسرائيل.

* زوجتك غيلا، اي سيدة اولى في ظنك ستكون؟

ـ زوجتي متواضعة جدا، فعندما كنت عضوا في البرلمان والحكومة كانت منخرطة في عدد من الجمعيات الخيرية المختلفة. وهي تعمل الآن في مصرف. ويصادف اليوم الذكرى الـ31 لزواجنا... وساعدتني كثيرا، واعتقد انها ستكون سيدة اولى ناجحة.

* عندما كنت طفلا، ماذا كنت تريد ان تفعل عندما تكبر؟

ـ كنت اريد ان اكون مزارعا، وانا اعتز بالمزارعين الاسرائيليين.

* من الممكن وصفك بانك مثل «الحلم الاميركي» بالنسبة لاسرائيل.

ـ اعتقد انه شرف عظيم للانسان ان يكون رجلا عصاميا. وقد خرجت من عائلة عندها عشرة اطفال. وفقدت اثنين من اخواني، احدهما في ايران (بسبب ظروف المعيشة الصعبة) وثانيهما في اسرائيل. وعشت حياة صعبة، ولكني لم اكن الوحيد. وهذا كله يوضح ان الديمقراطية الاسرائيلية بوسعها افساح المجال لتكافؤ الفرص للجميع. وهذا هو السبب وراء قدرتي على تشجيع التسامح والمصالحة بين الفئات المختلفة داخل اسرائيل. وبامكاني القول للجميع «بعد كل الذي واجهته ايها السادة، حان وقت الوحدة».

* هل ترغب في اضافة اي شيء آخر؟

ـ نعم. انا اول رئيس انتخبه اعضاء من جميع الاحزاب الاسرائيلية من اليمين واليسار! اما الرؤساء السابقون فقد جرى اختيارهم من جانب احزابهم.

* فماذا عن ايهود باراك؟ ـ اعتقد انه ادلى بصوته لبيريس، ولكن بعض زملائه صوتوا لي.