هل ينجح كلينتون في وضع أسس جديدة للشراكة مع أفريقيا؟

TT

ما هي دوافع الرئيس الاميركي بيل كلينتون من زيارة ثانية لافريقيا بعد 30 شهرا من زيارته الاولى في مارس (اذار) 1998 التي كانت اول زيارة لرئيس اميركي الى القارة السمراء خلال 20 عاما؟ وهل من نقاط تماس بين الزيارتين، او علاقة لهذه الجولة بجبهة اميركا الداخلية بقراءة توقيت الزيارة الذي تجيء على مرمى حجر من انتخاباتها الرئاسية في 7 نوفمبر (تشرين الثاني) القادم؟

اذا بدأنا بعلاقة الزيارة بانتخابات اميركا الرئاسية القادمة، لا يمكن بداية الفصل بين الزيارة ونيات مبيتة يريد بها الديمقراطيون استدرار عطف 30 مليون اميركي من اصل افريقي باميركا، وهنا ايضا يمكن ان نأتي لنقاط التماس بين تلك النيات والعلاقة القائمة بين الزيارتين.

ففي زيارة مارس 1998 التي غطت 6 دول افريقية، هي غانا والسنغال ويوغندا وبوتسوانا وجنوب افريقيا ورواندا، حرص كلينتون على زيارة قلعة جزيرة جوري بالسنغال والتي زارتها ايضا في زيارة اخرى خاصة زوجته هيلاري وابنته تشيلسي، وقد عنت تلك الزيارة اعتذارا ضمنيا عن تاريخ اميركا المظلم مع افريقيا في حقب الرق يوم ان اخذ الاميركيون الافارقة قسرا عبر تلك القلعة التي تحمل اسم قلعة اللاعودة، مثلما جاء اختيار جنوب افريقيا كاحتفاء من واشنطن بنهاية التمييز العنصري الذي تورطت واشنطن في تأييد انظمته المتوالية. وللزيارة الجديدة ايضا خطوط تماسها القائمة مع انتخابات اميركا القادمة باستدعاء المستجدات اللاحقة والتالية لاحداث الزيارة الاولى، فالزيارة الجديدة تجيء وقد تم اعلان افريقيا كبؤرة لمرض الايدز بعد احصاءات تقول ان 23.3 مليون مصاب بمرض الايدز من اصل 36 مليون في العالم، موجودون بالقارة السمراء. وان معدلات الاصابة، واذا ما كان لها ان تنمو بمعدلاتها الحالية فانها ستمتد الى استئصال النساء في اكثر من دولة افريقية بحكم ارتفاع حالات الاصابة بينهن ووصولها الى نسبة اربعة الى واحد في اكثر من دولة بينها زيمبابوي. ومعلوم ان القاء كلينتون بثقله السياسي خلف قضية مثل «الايدز» سيزيد من اسهم الديمقراطيين وسط السود والنساء وهما اكبر عاملين حاسمين في انتخابات الرئاسة القادمة.

في المقابل، لا يمكن اغفال كون الزيارة تأتي لتحديث اجندة واشنطن والديمقراطيين تحديدا تجاه القارة السمراء بعد التداعيات والمتغيرات التي حملتها الاشهر الثلاثون بين الزيارتين.

بين تلك التداعيات والمتغيرات الشروخ التي اصابت منظومة القادة الافارقة الجدد الذين راهن عليهم كلينتون لتشكيل ما سماه وقتها النظام الافريقي الجديد، وقد حددت تلك المنظومة ثابو مبيكي (جنوب افريقيا) ويوري موسيفيني (اوغندا) ومليس زيناوي اثيوبيا واسياسي افورقي (اريتريا)، ومعلوم ان خلافات قد نشأت بين هؤلاء القادة بسبب حرب الكونغو الاهلية التي اشتعلت في اغسطس (آب) 1998 وحرب اثيوبيا واريتريا التي انطلقت في فبراير (شباط) 1999 وانتهت في مايو (ايار) الماضي.

بين المتغيرات ايضا تخطي كلينتون في زيارته الاولى لاكبر دول القارة الافريقية سكانا وانتاجا للنفط، هي نيجيريا والوقوف في غانا على حدودها المجاورة، وكان منطق كلينتون يومها انه لن يمد يده لانظمة ديكتاتورية في اشارة منه لنظام ساني اباتشا الذي توفي في يونيو (حزيران) 1998 وخلفه الجنرال ابو بكر الذي مهد لديمقراطية نيجيريا الجديدة في مايو 1999 برئاسة اوباسانجو.

ولذا، فمن بين دوافع الزيارة الجديدة تجاوز تلك التداعيات والمتغيرات، وللتأكيد على ذلك اعطى كلينتون، قبل مجيئه للقارة، نيجيريا وضعا استثنائيا يليق وثقلها السياسي والسكاني والنفطي. فقد تحولت نيجيريا وبفضل الانتقال للديمقراطية الى اكبر دولة متلقية للعون الاميركي جنوب الصحراء.

(نيجيريا تلقت في العامين الماضيين 109 ملايين دولار كعون عام و10 ملايين دولار لتأهيل قواتها المسلحة و50 مليون دولار لتدريب قوات خاصة تساهم في حفظ السلام وتعيين قوات الامم المتحدة الموجودة في افريقيا بسيراليون والكونجو).

وبين دوافع الزيارة ايضا بلورة مفهوم الشراكة الاقتصادية مع افريقيا وتذويب نقاط الخلاف التي فجرتها جنوب افريقيا حولها في زيارة 1998. (مانديلا كان قد اثار بأن الشراكة في غياب العون الاقتصادي الاميركي ستدفع دول القارة الى الافلاس لانها لن تستطيع المنافسة بمنتوجاتها فتضطر الى بيعها كمواد خام او صناعات باسعار زهيدة وطالب كلينتون بمعادلة تزاوج بين العون والشراكة).

واخيرا فقد تكون بين دوافع كلينتون الاجابة عن تساؤله الذي طالما نال اعجاب مانديلا يوم ان قال الاول للثاني: كثيرون يطرحون السؤال بطريقة خاطئة ويقولون ماذا نعمل لافريقيا، لان السؤال الصحيح هو ماذا نعمل مع افريقيا؟