ليبيا تهاجم اتهامات بري لها بمسؤوليتها عن اختفاء موسى الصدر

TT

ردت ليبيا بعنف أمس على الانتقادات اللاذعة التي وجهها نبيه بري رئيس مجلس النواب اللبناني اول من أمس في مدينة صور للزعيم الليبي معمر القذافي وللوساطة الناجحة التي قامت بها مؤسسة القذافي العالمية للجمعيات الخيرية من أجل تأمين اطلاق سراح مواطنة لبنانية الجنسية ضمن ست رهائن احتجزتهم جماعة «أبوسياف» في الفلبين. وقال مسؤول ليبي لـ«الشرق الأوسط» ان هذه الانتقادات «تشكل تطاولاً مرفوضاً وسباباً علنياً ما كان لمسؤول لبناني يدرك واجبات منصبه أن يتدنى إليه».

واعتبر المسؤول الليبي أن اتهامات بري للسلطات الليبية بالمسؤولية عن اختفاء الامام موسى الصدر ـ مؤسس حركة أمل الشيعية ـ هي «محض هراء وأكاذيب سخيفة يعرف مرددها قبل غيره أنها عارية تماماً عن الصحة ولا تستند إلى أية أدلة أو براهين». وقال إن «الاتهامات الباطلة التي وجهها بري لليبيا انما تستهدف التشويش والاساءة إلى الدور الايجابي والخير الذي لعبته من أجل اطلاق سراح ماري معربس» المواطنة اللبنانية التي كانت جماعة أبوسياف الانفصالية تحتجزها في جنوب الفلبين ضمن مجموعة أخرى من الرهائن لديها.

وتابع المسؤول «لقد قامت مؤسسة القذافي العالمية للجمعيات الخيرية بهذه المساعي الحميدة لأسباب انسانية بحتة من دون أن تنتظر جزاء ولا شكوراً على ما فعلته ولكن أن يقابل مسؤول لبناني هذه الجهود بهذه الطريقة التي تجافي اللياقة وتتجاوز حدود المقبول فإن هذا الأسلوب مرفوض وينم عن عقلية مريضة». وتساءل «لماذا يصر بري على أن يبدو صوته كالغربان في جزيرة مهجورة في الوقت الذي تسابقت فيه معظم العواصم والمنظمات على توجيه الشكر لليبيا على دورها الانساني من أجل ضمان عودة المخطوفين بسلام إلى ذويهم؟». وتابع «هل أزعجه (بري) أن تستطيع دولة عربية يفترض أنها شقيقة لدولته الافراج عن الأسرى في نفس الوقت الذي عجزت فيه دول كبرى عن القيام بذلك؟».

ورأى المسؤول أن حديث بري «ينطلق من عدوانية شخصية ضد الشعب الليبي وأنه يجب وضع حد لها حرصاً على العلاقات المتميزة بين ليبيا ولبنان». ولاحظ نفس المصدر أنه فيما كان كبار المسؤولين اللبنانيين وعلى رأسهم رئيس الجمهورية والحكومة يقدمون الشكر رسمياً لليبيا على جهودها لاطلاق سراح اللبنانية ماري معربس «فإن صوت نبيه بري الشاذ لا يعبر سوى عن نفسه فقط ولايمثل كافة طوائف الشعب اللبناني التي أعربت عن امتنانها للمواقف الليبية». وحول الاتهامات التي وجهها بري وعائلة الامام الصدر للسلطات الليبية بشأن ملابسات اختفائه عام 1978 قال المسؤول الليبي إن بلاده «كانت دائماً تعتبر الامام الصدر من الشخصيات والرموز الاسلامية الكبيرة وزعيماً للطائفة الشيعية الاسلامية في لبنان وتربطه مع ليبيا علاقات متينة مبعثها التقدير والاحترام الذي قام به في مختلف المجالات العربية والاسلامية». وأوضح أن التحقيقات التي أجرتها السلطات الليبية أكدت أن الامام الصدر ومرافقيه غادروا ليبيا في طريقهم إلى ايطاليا على متن رحلة شركة الخطوط الجوية الايطالية في 31 أغسطس(آب) 1978. وشدد على أنه لم تكن لليبيا أية مصلحة في غياب الصدر أو اختطافه، مؤكداً أن «شهود عيان رافقوا الصدر والوفد المرافق له حتى صعودهم للطائرة بمطار طرابلس العالمي متجهين إلى العاصمة الايطالية».

من ناحية ثانية، نفى مصدر مقرب من الزعيم الليبي وجود أي احتمال لعدول السلطات الليبية عن الالتزام بتعهدات كانت قد قطعتها للحكومة اللبنانية بتزويدها كميات مجانية من النفط لتشغيل محطات توليد الطاقة الكهربائىة في لبنان. وقال المصدر في اتصال هاتفي من طرابلس «ان ليبيا ستلتزم بتنفيذ هذه التعهدات وأن المزاعم الكاذبة التي أطلقها رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري اخيراً ضدها لن تجعلها تعدل عن هذا الالتزام». وكانت ليبيا ولبنان قد وقعتا قبل أربعة أيام في طرابلس اتفاقاً لدعم العلاقات الاقتصادية والتجارية بينهما ينص على منح ليبيا خمسة آلاف طن من الوقود مجاناً للحكومة اللبنانية وبيعها كميات من السماد لمساعدة المزارعين في الجنوب.

وقال مسؤولون ليبيون إن مواقف نبيه بري لن تغير شيئاً من هذا الاتفاق وأن بري «لا يعبر سوى عن نفسه فقط ولا يمثل الحكومة اللبنانية التي أكدت في المقابل حرصها على توثيق مدى علاقاتها مع ليبيا في مختلف المجالات». جدير بالذكر أن الزعيم الليبي معمر القذافي أوفد الشاعر المعروف محمد الفيتوري الذي كان يعمل بالسفارة الليبية في القاهرة إلى العاصمة اللبنانية بيروت ومنحه صلاحيات واسعة في منصبه كمستشار سياسي من أجل تجاوز الفتور الذي اعترى العلاقات الليبية ـ اللبنانية على مدى السنوات الماضية بسبب اختفاء الامام موسى الصدر. وكانت أزمة دبلوماسية حادة قد اندلعت بين لبنان وليبيا خلال مارس (آذار) الماضي على هامش الاجتماع الطارئ الذي عقده مجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية العرب لدعم الموقف اللبناني. ورفض بري دعوة عبد الرحمن شلغم أمين اللجنة الشعبية العامة للاتصال الخارجي والتعاون الدولي (وزير الخارجية الليبي) إلى مأدبة العشاء التي كان يعتزم اقامتها لوزراء الخارجية العرب قبل أن يعدل عنها. وهدد شلغم آنذاك بمقاطعة المؤتمر موضحاً أنه لم يأت إلى بيروت للعشاء. وتقول السلطات الليبية في معرض تقليلها من أهمية المواقف التي يعبر عنها نبيه بري أن ليبيا لا تتعاطى مع لبنان الحزبي أو الطائفي وإنما مع لبنان الرسمي الذي تمثله الحكومة التي يترأسها الدكتور سليم الحص.