الحريري يطرح شعار «عفا الله عما مضى» ويعلن برنامجا يراه مناسبا للحكومة المقبلة

TT

حرص الرئيس السابق للحكومة اللبنانية رفيق الحريري حالياً على سماع تعليقات زواره من السياسيين والاعلاميين ومن النواب المنتخبين اعضاء لائحته الانتخابية التي فازت بكاملها في دوائر بيروت وغيرها، على برنامج العمل الذي اعلنه في ندوته الصحافية اول من امس وجاء اشبه ببيان وزاري لحكومة لم تتشكل بعد.

وعندما قال له احدهم: «انك طرحت بياناً وزارياً للحكومة التي ستشكلها في حال وقع الخيار عليك لتولي رئاستها» نفى ذلك وقال ان ما اعلنه يصلح لأن يكون برنامجاً لأي حكومة تشكل بعد الانتخابات النيابية. وأكد ان احداً لم يسأله رأيه بعد في ما اذا كان يرغب في ترشيح نفسه لرئاسة الحكومة أم لا، وانه يرى ان من المبكر الحديث عن هذا الموضوع.

ولكن الأهم من هذا البرنامج هو ان الحريري ذهب ابعد من ذلك ليطرح حسبما قالت اوساطه لـ«الشرق الأوسط» شعار «عفا الله عما مضى» من خلال اعلانه «الرغبة في مد يد التعاون الى الجميع (...) وفتح صفحة جديدة من التخاطب السياسي ومن العلاقات السياسية الجديدة مع كل المعنيين على المستوى الوطني العام» فضلاً عن تأكيد تطلعه الى «بداية مرحلة جديدة ترتكز على تفعيل الحوار الداخلي وتوسيع رقعة المشاركة في تجديد البناء الوطني» وقوله: «ان يدي ستكون ممدودة للتعاون مع التيارات السياسية والوطنية في البلاد».

وقالت الاوساط القريبة منه ان الموضوع بالنسبة اليه ليس موضوع رئاسة حكومة، وانما هو قيام تعاون بين الجميع لاخراج البلاد من الازمة التي تعيشها عبر برنامج للمعالجات السياسية والاقتصادية حدد عناوينه الكبرى ومنها «تفعيل الحوار الداخلي وتوسيع رقعة المشاركة في تجديد البناء الوطني». مما يعني ان هذا الأمر ينبغي ان تضطلع به حكومة سياسية يتمثل فيها الجميع ويتحملوا مسؤولية تحقيق هذه المعالجات.

وفهم ان الحريري انما طرح هذا الشعار مبدياً الاستعداد لفتح صفحة جديدة مع عهد الرئيس اميل لحود بعد سنتين من الخصومة التي نشأت بينهما إثر اعتذاره عن عدم تأليف الحكومة في بداية العهد وتوالت فصولاً ولا تزال. ولكن حتى تزول هذه الخصومة لا بد من توافر مجموعة من العناصر السياسية اللازمة خلال الفترة الفاصلة عن 17 اكتوبر (تشرين الأول) المقبل موعد البدء بالاستشارات النيابية الملزمة لاختيار من سيكلف تأليف الحكومة الجديدة.

وقال بعض المراقبين ان الحريري قارب في البرنامج الذي طرحه خطاب القسم الرئاسي، وكأنه بذلك يخاطب الرئيس اللبناني اميل لحود بطريقة غير مباشرة مبدياً الاستعداد للتعاون معه في المرحلة المقبلة، وذلك من خلال ما ورد في مقدمة البند الثالث من هذا البرنامج لجهة «التأكيد على الثقة بلبنان، وبمؤسساته الدستورية كافة، ولا يتحقق ذلك سوى باحترام الدستور والحفاظ على الحريات العامة، واحترام حق المواطن بالتعبير، واحترام استقلالية القضاء احتراماً تاماً لا لبس فيه، واعطاء المؤسسات القضائية الاستقلالية التامة قولاً وفعلاً (...)». ذلك ان خطاب القسم شدد في جانب اساسي منه على استقلالية السلطة القضائية وعلى اقامة دولة القانون والمؤسسات عبر اصلاح حقيقي للإدارة اللبنانية.

على ان مقربين من الحريري قرأوا مضمون بيانه على انه «بيان تصالحي، وبيان توازن وسلام» بينه وبين جميع الاطراف، مع الحكم عبر رئيس الجمهورية العماد اميل لحود ونائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية ميشال المر من خلال التنويه بحياد السلطة في العملية الانتخابية التي قال انها «جرت في يُسر وسهولة» وعبر حلفائه ومنهم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط ووزير الزراعة والاسكان سليمان فرنجية من تبنيه مضمون طروحاتهم. فأبدى ثقته باحترام الرئيس للدستور وامكانية التعاون معه من خلال الثوابت التي حددها في خطاب القسم، فضلاً عن انه اراد من «بيانه التصالحي» اراحة الاجواء والتأكيد انه «ليس ثائراً راديكالياً » على رغم فوزه الانتخابي الساحق في بيروت لأنه يؤمن بالوفاق والانفتاح على الجميع من اجل تشكيل حكومة تنهض بالبلاد وتخرجها من ازمتها وتعزز الثقة العربية والدولية بها.

ويضيف القريبون من الحريري انه اراد من بيانه ايضاً التأكيد ان المرحلة التي سادت قبل الانتخابات قد انتهت بعدها وان البرنامج الناجح لأي جهة هو البرنامج الذي ينفتح على الجميع ويقيم التوافق لأن لبنان لا يقوم الا بالتوافق والدولة فيه هي للجميع يمثلها رئيس الجمهورية وهي فوق الصراعات وانه، اي الحريري، في حيثياته وفوزه في الانتخابات سيكون منفتحاً على جميع الاطراف لأن في ذلك معنى التوافق السياسي ضمن النظام اللبناني ومعنى الديمقراطية اللبنانية التي تعني في الدستور الفصل بين السلطات وتوزانها وتعاونها، وان المسألة التي جرى تصويرها سابقاً على ان الدولة هي موالاة تحكم ومعارضة تهجم لا تصح في نظام كالنظام اللبناني الجمهوري الديمقراطي البرلماني وانما تصح في الدول الحزبية التي ينجح فيها حزب ويسقط آخر، فالدولة اللبنانية هي الدولة التي يشارك فيها الجميع ولا يشارك فيها الا من يعارض النظام برمته. فالجميع في لبنان يؤيدون وثيقة الوفاق الوطني التي يقوم عليها النظام ولذلك يشاركون فيه وان اختلفت احجامهم حسب الكتل والنفوذ الذي يتمتعون به. وهذا هو معنى توازن النظام واستقراره، ولذلك تضمن بيان الحريري اشارات ايجابية في اتجاه جميع الاطراف.

ويؤكد القريبون من الحريري انه اراد من بيانه ايضاً التأكيد على ان لغة الصراع والحرب ليست اللغة التي تقوي من يعتمدها، وانه بعدما انتهت الانتخابات لم تعد هناك عداوات وان المطلوب من الجميع هو العمل لتشكيل حكومة تؤمن الاستقرار وتخرج البلاد من ازمتها الاقتصادية، وهذه الحكومة ينبغي ان تكون سياسية يشارك فيها الجميع على اختلاف احجامهم، لأنها حكومة مواجهة للمشكلات التي تعاني منها البلاد وليست حكومة مواجهة سياسية في الداخل وانما حكومة يقودها التنوع والتعاون الحكوميين في تحمل المسؤولية.

في اي حال فإن الحريري يتحاشى حالياً الحديث عن امكان ترؤسه الحكومة الجديدة، لكن الوسط السياسي اللبناني بدأ منذ الآن الاهتمام بهذا الموضوع الذي يتوقع ان يشهد الكثير من الأخذ والرد والاتصالات في اتجاهات كثيرة الى ان يرسو على بر معين لا بد ان تظهر معالمه عشية انطلاق رئيس الجمهورية في الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية من سيكلف تأليف الحكومة.

ويعتقد بعض السياسيين والاقتصاديين ان موضوع رئاسة الحكومة يراوح بين احتمالين الأول يصب في مصلحة الحريري، والثاني يصب في مصلحة وزير الاشغال العامة نجيب ميقاتي. لكن بعض الاوساط المعنية يدعو الى التريث في التوقعات والتكهنات لأن فترة الشهر ونصف الشهر الفاصلة عن البدء بالاستشارات لتشكيل الحكومة ستشهد كثيراً من الاتصالات الهادفة الى ترطيب الاجواء وبين هذا الفريق او ذاك، والى اختيار اعضاء الحكومة من حيث التمثيل والمواصفات والحقائب التي ستسند اليهم، بحيث يحل الموعد الدستوري الخاص بهذا الاستحقاق وتكون التشكيلة الحكومية قد رُتبت رئيساً وأعضاء.