عرفات ما زال لغزا يحير الإسرائيليين

يتحاشى التفاصيل ويستشير مساعديه بدون اشتراكهم في ما يخطط له

TT

ظل ياسر عرفات يجوب المسرح الدولي على مدى ما يزيد على ثلاثين عاماً أكثر من أي زعيم عالمي باستثناء الرئيس الكوبي فيدل كاسترو. تحدث عرفات مع عشرات الملوك والرؤساء ورؤساء الحكومات، كما عقد عشرات المؤتمرات الصحافية والمقابلات. رغم كل ذلك لا يزال ياسر عرفات لغزاً.

«ما الذي يعتزم عرفات فعله؟» هو السؤال الذي طرحه الصحافي الإسرائيلي داني روبنشتاين مؤلف كتاب «لغز عرفات». هل يعلن عرفات قيام دولة فلسطينية؟ ومتى؟ هل استعد للمواجهات العنيفة أم انه سيظهر المرونة التي يطلبها رئيس الوزراء ايهود باراك؟

الإجابة على هذه الأسئلة ربما تساعد على حل لغز السياسة الخارجية للإدارة الأميركية، ولكن عندما يتعلق الأمر بنية الزعيم الفلسطيني فان لا أحد يعرف ما يعتزم عرفات فعله بمن في ذلك أكثر المقربين منه.

وحتى الذين درسوا عرفات لمدة سنوات ليسوا متأكدين مما إذا كان عرفات قد أكمل الدورة السيكولوجية كاملة من سنوات زعيم حرب العصابات إلى واقع يوم العمل وإدارة شؤون الأجزاء الفلسطينية من قطاع غزة والضفة الغربية. يقول اياد السراج خبير علم النفس وناشط حقوق الإنسان بمدينة غزة ان «عرفات يوجه الناس لكنه لا يطلعهم على ما يفكر فيه»، ويضيف السراج ان عرفات «بارع في التكتيك وحريص على عدم كشف أوراقه للآخرين كما انه يتسم بالدهاء».

وتقول حنان عشراوي، عضو المجلس التشريعي للسلطة الفلسطينية، ان عرفات سيفقد شرعيته في نظر شعبه إذا فرط في سيادة المسلمين والفلسطينيين في القدس الشرقية. وتضيف عشراوي ان عرفات «بقي حتى الآن لانه أدرك ما يريده الناس وما يفكرون فيه وقادهم خلال ظروف غاية في الصعوبة لكنه لم يفعل ذلك بالطريقة الأميركية». ويشير بعض كبار مساعدي عرفات إلى ان هناك قدراً من المرونة، غير انهم لا يدركون على وجه التأكيد ما ينوي فعله. ويقول البعض ان عرفات لا يتردد في طلب الاستشارة لكنه نادراً ما يشرك مساعديه في ما يخطط له، كما انه يتحاشى التفاصيل ولا يحب المشاركة بصورة مباشرة في المفاوضات.

ويعتقد بعض الإسرائيليين ان مطالبة الفلسطينيين بتخلي إسرائيل عن كل الأراضي التي احتلتها عام 1967، بما في ذلك القدس، تعكس إحساس عرفات بنفوذه الخاص في المسرح العالمي وهو ما ينظرون إليه كونه غير مواكب لميزان القوى الحقيقي في المنطقة.

وعلق شلومو بن عامي، كبير المفاوضين الإسرائيليين ورئيس الخارجية المكلف، في مقابلة أجريت معه مؤخراً بقوله ان عرفات يعتبر زعيماً وطنياً مميزاً تمكن من إنشاء حركة وطنية من الصفر ووصل بها إلى مستويات الشرعية الدولية. ويضيف بن عامي ان هذا، في وجهة نظره، لم يُسمع عنه في تاريخ الحركات الوطنية المعاصرة. ويقول بن عامي ان هذا المستوى العالي من التأييد الدولي لا يتطابق مع ضعف الحل، إذ يجد صعوبة في عزل نفسه من المرحلة الثورية التي أعطته الكثير من الفوائد بإضفاء أهمية للمسألة الفلسطينية على مستوى الشؤون الدولية.

ويشعر الإسرائيليون بالإحباط مع عرفات لاعتقادهم بأنه الرهان الأفضل لديهم للتوصل إلى تسوية سلام مؤكدة، لان خليفة لعرفات لن يتمتع بنفس السلطة والهيبة والوزن التاريخي وهذه متطلبات لازمة لتحمل أي مخاطر سياسية تترتب على السلام. ويقول السراج ان المفاوضات لا تعتبر بمثابة فرصة ذهبية للفلسطينيين وحدهم وانما للإسرائيليين كذلك لانه «لن يكون هناك ياسر عرفات آخر». علاوة على ذلك من المستبعد ان يغير عرفات الوضع الراهن من خلال حملة عنف.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»