الطالبة المؤيدة لضابط المخابرات البريطانية المنشق شايلر: محاكمتي ستعيد فتح محاولة اغتيال القذافي

جولي ديفيز تروي لـ«الشرق الأوسط» قصة ملاحقتها واعتقالها بسبب علاقتها مع شايلر

TT

زعمت جولي آن ديفيز، التي اعتقلت بتهمة التعاون مع عميل الاستخبارات البريطانية السابق المتهم بانتهاك قانون السرية ديفيد شايلر، في حديث مع «الشرق الأوسط» أن ما ذكره هذا الأخير بخصوص الخطة المزعومة لاغتيال الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي هو الحقيقة. وقالت إن السلطات البريطانية التي تجنبت إثارة موضوع المؤامرة المزعومة اثناء محاكمة شايلر لن تستطيع التهرب من مواجهة المسألة ومناقشة هذه الادعاءات عند النظر في القضية التي رفعتها (ديفيز) ضد الاجهزة الامنية التي اعتقلتها ودمرت مستقبلها الدراسي بدون مبرر على حد قولها.

وأكدت ديفيز ثقتها بشايلر وقالت إنها كانت ستفعل الشيء نفسه لو كانت في مكانه، وأعربت عن اقتناعها بضرورة تقليص حرية المؤسسة الامنية البريطانية حتى لا تبقى مطلقة وفي منأى عن المساءلة البرلمانية.

وأعربت الطالبة السابقة التي أسقطت السلطات التهمة الموجهة اليها بعدما بقيت ستة أشهر على ذمة التحقيق، عن ثقتها بأن الفلسطينيين سمر العلمي وجواد البطمة بريئان اذا قال شايلر إنهما لم يقوما بتفجير السفارة الاسرائيلية في لندن.

* في رأيك ما هي صحة الادعاءات بأن الأجهزة الأمنية البريطانية خططت لاغتيال الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي؟

ـ ليس لي أن أعرف بصورة أكيدة. لكني أثق بديفيد شايلر، وأعرف أنه صادق، لا يقول شيئاً ما لم يكن لديه المبرر أو الدليل المناسب.

* الشرطة اتهمتك بتداول وثيقة بالغة السرية ونشرها عبر الانترنت بتكليف من شايلر؟

ـ هذا غير صحيح على الإطلاق. ولم يستطيعوا العثور على أي دليل يثبت تورطي في تلك المسألة. أنا لست ساذجة (عمرها 36 سنة وكانت تدرس الهندسة) كي أقوم بمهمة من هذا النوع. وأيضاً ديفيد لم يكن ليطلب مني خدمة كهذه لو كانت تلك الوثيقة في حوزته وأراد فعلاً أن يجعلها في متناول أي إنسان قادر على استعمال الانترنت.

* ولما يوجه صاحب أحد المواقع على الانترنت الشكر لك ولديفيد بالاسم على نسخة من وثيقة «سي.اكس 95»؟

ـ الشكر أتاني في الحقيقة لأني أرسلت للموقع الاميركي، أحد البيانات الصحافية التي كتبها ديفيد لأنه معني بهذه القضايا. أما توجيه الشكر لديفيد فكان سببه مساعدتهم على تصحيح أخطاء في الوثيقة التي نشروها لديهم بصورة مبتكرة.

* ألم تكوني على الدوام ناشطة سياسية ومشاركة في الحملة المضادة لـ«قانون الاسرار الرسمية»؟

ـ لا. لقد بدأت أبدي اهتماماً محدوداً بالسياسة في مرحلة متأخرة من العمر، وحتى في تلك المرحلة كانت لدي أفكار ومواقف سياسية، غير أني لم أكن ناشطة ضد هذا القانون أو غيره قبل اعتقالي. وعندما بدأت المشكلة لم أكن أعرف ما يجب أن أفعله وكيف ألتمس المساعدة وممن ألتمسها. لو كنت متمرسة في النشاط السياسي لعرفت كيف أتصرف ولكانت هناك مجموعة من المؤيدين الذين يدافعون عني. في الحقيقة الاشخاص الذين ساعدوني قلائل وهم أصدقاء شخصيون أو زملاء في الجامعة. ويجب أن أشير الى أن النائب الذي يمثل منطقة سكني إدوارد ديفيي (عضو مجلس العموم من حزب الليبراليين الديمقراطيين عن منطقة كينغيستون في ضواحي لندن) كان متفهماً للغاية ووقف إلى جانبي خلال المشكلة كلها.

* إذن لماذا اعتُقلت وعوملت هذه المعاملة التي تقولين إنها ألحقت أضراراً بالغة بحياتك ومستقبلك؟

ـ لا أدري. السبب الوحيد الممكن لهذه المعاملة التي لقيتها هو معرفتي العادية والجديدة بديفيد شايلر. وهذا أمر في منتهى الغرابة. صحيح أنني أدركت عندما تعرفت عليه واطلعت على تجربته أن «قانون الاسرار الرسمية» في حاجة الى إصلاح جذري. لكني لم أساهم بأي نشاط فعلي لتحقيق هذا الهدف.

* وكيف تعرفت على ديفيد ؟

ـ اكتشفت بمحض الصدفة موقعه على الانترنت. وحين أرسلت له رسالة عبر البريد الالكتروني رد علي. ثم اتصلت به هاتفياً واتفقنا على اللقاء في فرنسا، وهناك دارت بيننا أحاديث عادية لاعلاقة لها بأي سر أمني خطير، بل كانت في معظمها عموميات. ولمست خلال لقائي معه مدى صدقه وشهامته وصرت أثق به. لذلك حين علمت بتجربته مع الاجهزة الامنية وسمعت عن «المؤامرة» المزعومة لاغتيال القذافي شعرت أنني لو كنت مكان ديفيد لفعلت مثله (كشف النقاب عن المؤامرة المزعومة على صفحات الجرائد). وأبديت استعدادي لتقديم أي مساعدة صغيرة ممكنة ضمن امكاناتي المحدودة.

* وهل كانت هذه المساعدة فعلاً صغيرة؟

ـ نعم. كل ما في الامر أنني وزعت له عدداً من البيانات الصحافية، الخالية من أي أسرار أو خطورة، على أناس بريطانيين عاديين من المهتمين وليس على صحافيين أو ناشطين سياسيين. كان بوسعه أن يرسلها إليهم من فرنسا. لكن كنت أستطيع إرسالها بصورة أسهل ولذلك عرضت أن أقدم هذه الخدمة. وليقولوا لي ما ذا فعلت غير ذلك.

* يبدو أنك لا تعتبرين أن هذا العمل على درجة من الجدية يستحق أن يسمى نشاطاً سياسياً؟

ـ هذا صحيح. نشاطي الحقيقي إذا شئت أن تطلق عليه هذا الاسم، مع أنه لم يكن أكثر من اتخاذ موقف سياسي والحماس لقضية ما، لم يبدأ إلا خلال التجربة المريرة التي خضتها منذ حوالي ستة أشهر وما كان فيها من اعتقال وتحقيق وملاحقة، فهي التي جعلتني أكثر تسيساً وضاعفت حماسي للعمل على تغيير هذا القانون السيئ وإخضاع المؤسسات الامنية للمساءلة البرلمانية والشعبية، كما رسخت صداقتي بديفيد وزادت من تأييدي واحترامي له. ولذلك ذهبت الى فرنسا قبيل عودته ثم رجعت معه ومع آني (صديقة شايلر) والعائلة في الرحلة ذاتها تعبيراً عن تضامني معه وتأييدي له.

* هل تقصدين أنهم أخطأوا بحقك فدفعوك الى الوقوف مع خصمهم؟

ـ نعم.

* وهل تمخض هذا «الخطأ» عن نتائج أخرى؟

ـ بالتأكيد. فلن يستطيعوا الآن التهرب من قضية المؤامرة المزعومة ضد القذافي، على الرغم من أنهم لم يأتوا على ذكرها في الاتهامات التي وجهوها الى ديفيد. سيضطرون لمناقشتها في المحكمة أثناء النظر في القضية التي رفعتها ضدهم لأن التهمة الاساسية التي اعتُقلت بسببها، كما أعتقد، هي نشر وثيقة سرية تتعلق بالمؤامرة المزعومة.

ولو كان لديهم أي دليل ضدي، فلماذا لم يقولوا لي بوضوح ماهو الذنب الذي اقترفته حتى أُعامل هذه المعاملة؟ كل ماوصلني منهم عن طريق محاميتي هو إشعار رسمي يخبرونني فيه «لن يُتخذ أي إجراء آخر تجاهك» أما السبب «المضحك» لهذا التسامح فهو «عدم كفاية الادلة».

* أي أنك ما زلت مذنبة في نظرهم ؟

ـ أنت محق في هذا الاستنتاج، لأنهم لم يعتذروا عن خطأ ارتكبوه بحق انسانة بريئة، ولم يعترفوا صراحة أنهم لن يتخذوا أي إجراء ضدي لأني بريئة وليس فقط لعدم كفاية الأدلة. ولا أستبعد أنهم يشعرون بالحرج لأنهم اعتقلوني وجلبوا لأنفسهم هذا التعب في وقت هم أحوج للهدوء ومواجهة قضية شايلر. وأعتقد أن هذا الحرج هو الذي دفعهم الى إبلاغي يوم عودة ديفيد من منفاه بقرار إنهاء التحقيق معي رسمياً «لعدم كفاية الادلة». واضح أنهم كانوا يأملون أن قضية ديفيد ستخطف الاضواء مني فلا ينتبه أحد الى ما حصل معي. لكني سأخيب ظنهم، ولن أرضى بمبرر «عدم كفاية الادلة». سآخذهم الى المحكمة كي أعرف لماذا اعتقلوني وعاملوني لتلك المعاملة.

* واضح أنك تشعرين بقدر كبير من المرارة، مع أن فترة الاعتقال الحقيقية كانت قصيرة جداً؟

ـ كيف أنسى الثمن الباهظ الذي دفعته لمجرد أني تعرفت الى شخص مطلوب؟ أنا غاضبة فعلاً. صحيح أنهم جروني من قاعة المحاضرات في الساعة الثالثة بعد الظهر ولم أمكث عندهم طويلاً إذ أخلوا سبيلي في الثانية صباحاً، لكن انتهاء فترة الاعتقال بهذه السرعة لا يعني أن الصعوبات انتهت أيضاً بسرعة.

لقد أخذوا جهاز الكومبيوتر وبطاقاتي المصرفية وبطاقات الائتمان ونقبوا في كل تفاصيل حياتي ودفاتر عناويني وأوراقي كلها. وسمعت في الجامعة تعليقات مثل «مرحباً بك أيتها الخائنة» أو «أهلاً بك يا إم.آي 5» (اختصار اسم المخابرات البريطانية الداخلية). شعرت بما يشبه العار. وكنت قلقة لأني لم أكن أعرف كيف سيواجهني الاشخاص الذين أعرفهم. كما صرت أخاف من ردود فعل الأشخاص الذين لا أعرفهم عندما أسير في الطريق، وخشيت بعدما صرت معروفة بسبب التغطية الاعلامية الواسعة، أن يبادر أحدهم الى محاولة الانتقام مني. ولهذه الاسباب اضطررت الى التغيب عن دروسي ومحاضراتي (في جامعة كينزينغتون في ضواحي لندن) ما أدى في نهاية الامر الى فصلي من قسم الهندسة. كل هذا القلق والخوف وخيبات الامل سببت لي الاكتئاب وأنا حالياً أتناول الأدوية لمعالجة هذه الحالة النفسية. لقد أوشكوا على تدميري تماماً وأضاعوا مستقبلي. أنا أعمل الآن موقتاً كمنظفة حتى أكسب لقمة العيش، ولا أدري إن كنت سأستطيع متابعة دراستي لكني سأحاول ما بوسعي.

* وماذا عن سمر العلمي وجواد البطمة وما قاله شايلر إنهما بريئان من تهمة تفجير الطائرة الاسرائيلية؟

ـ أنا آسفة لأن قضيتي شغلتني عن متابعة تفاصيل قضيتهما. لكن لا بد أن يكونا بريئين اذا قال ديفيد أنهما لم يقوما بالعمل الذي نُسب اليهما، فهو يعرف ما يقوله ولن يقول شيئاً إذا لم يكن لديه دليل يثبت صحته. وكما أعرف فإنه لدينا في هذه البلاد رصيد سيئ بخصوص اعتقال أناس أبرياء لسنوات عدة. انظر ماذا كان مصير الايرلنديين الستة الذين مكثوا في السجن 15 عاماً بتهمة تفجير حانة في برمنغهام وكانوا أبرياء من التهمة مثلهم مثل مواطنيهم الاربعة المعروفين بـ«غيلفورد فور» الذين زُجّ بهم بالسجن المدة ذاتها تقريباً مع أنهم أبرياء.