صفير ينفي الأبعاد «الخارجية والإقليمية» لبيان المطارنة الموارنة وغيث يرى أنه يناقض «روح» التعايش والحوار الإسلامي ـ المسيحي

ردود فعل متباينة حيال انتقادات الأساقفة للدور السوري في لبنان

TT

اكد البطريرك الماروني نصر الله صفير امس ان «لا ابعاد سياسية خارجية ولا اقليمية» لبيان مجلس المطارنة الموارنة الذي صدر اول من امس وتضمن انتقادات شديدة اللهجة للدور السوري في لبنان. وشدد صفير على ان لا علاقة للبيان بتوقيت مظاهرتي «القوات اللبنانية» المحظورة في ذكرى اغتيال الرئيس المنتخب للجمهورية بشير الجميل في الاشرفية واحياء ذكرى عناصر «القوات» الذين سقطوا خلال الحرب الاهلية في بلدة ميفوق في جرود جبيل الاحد الماضي.

وفيما شهد مقر البطريركية المارونية في بكركي حركة ناشطة لـ «المؤيدين» الذين اعلنوا وقوفهم مع البطريركية واوضحوا ملابسات البيان ومراميه، تواصلت الانتقادات لـ «شدة لهجة» البيان و«العزف على الاوتار الطائفية المذهبية» وتضمنت اشادة بالدور السوري في لبنان.

وبعد البيان الصادر اول من امس عن لقاء دار الفتوى بين مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني والمفتي الجعفري الشيخ عبد الأمير قبلان، حذر شيخ عقل الطائفة الدرزية بهجت غيث من «ان البلاد لا تتحمل البيانات الشديدة اللهجة المناقضة لوحدة الشعب اللبناني وروح التعايش والحوار الاخوي الاسلامي ـ المسيحي». ودعا المسلمين والمسيحيين جميعاً «من مرجعيات دينية وسياسية ومسؤولين في مواقع القرار من لبنان وسورية وعلى رأسهم مقام رئاسة الجمهورية في البلدين الى اخذ زمام المبادرة وتحصين العلاقات اللبنانية ـ السورية».

وقال غيث في تصريح ادلى به امس: «ترتفع لهجة التحدي والاستفزاز ونزعة سلوك التعصب المذهبي حيث لا يجوز ولا يسمح الدين الاسلامي والمسيحي ولا يأمر بالتعامل بذهنية العنف والكره والتحدي لحل المشاكل بين الاشقاء مهما كانت، بل بالحوار الهادىء والتفاهم وتبادل الكلمة الطيبة التي نحن بحاجة ماسة لها في هذا الوقت لتشيع المحبة والالفة وتشد اواصر الوحدة الوطنية، فالبلاد لا تتحمل مثل هذه البيانات الشديدة المناقضة لوحدة الشعب اللبناني وروح التعايش والحوار الاخوي الاسلامي ـ المسيحي. ولا مبرر للخوف الشديد والقلق الزائد على لبنان والمزايدة في الحرص عليه. ومن الحرص ما قتل».

واعتبر غيث انه «اذا كان هناك من خلل في العلاقات بين لبنان وسورية فلا يطرح ولا يصحح بهذه الطريقة. واذا كان للمرجعيات الدينية من دور في تصحيح الخلل والتنبيه للخطر والنصح والاشارة للمعنيين والمسؤولين للمبادرة الفورية لوضع الامور في نصابها، يكون ذلك بالكلمة الطيبة المليئة بروح المحبة التي نؤمن بها ونتمناها لترسخ وتبقى نبراسا مضيئاً ونهجاً اخوياً بين كل المرجعيات والطوائف والمذاهب ذات المظاهر المتعددة والجوهر الواحد». ودعا «اخواننا المسلمين والمسيحيين جميعاً، مرجعيات دينية وسياسية ومسؤولين في مواقع القرار في لبنان وسورية وعلى رأسهم مقام رئاسة الجمهورية في البلدين الشقيقين، لأخذ زمام المبادرة ونزعه من ايدي المستغلين وتحصين العلاقات اللبنانية ـ السورية واعلاء سقفها الوطني والقومي والمحافظة على النصر الذي تحقق».

وقال النائب محمد بيضون المقرب من رئيس مجلس النواب نبيه بري ان «الحملات التي يشهدها البلد مرة ضد سورية ومرة اخرى ضد اتفاق الطائف من خلال العزف على الاوتار المذهبية والطائفية لن تخيفنا ابداً لأن الوطن قد خطا الخطوات الصحيحة وهو يتجه نحو الافضل في ظل دولة القانون والمؤسسات». واضاف: «بصراحة لا خوف من ان تؤدي هذه العصبيات الى انهيار الدولة وهي ليست خطراً على الوطن طالما اننا نعيش في عهد يمارس ويطبق الدستور والقانون وطالما ان الشعب اصبح اكثر وعياً ورشداً من قبل ولا يرضى بالعودة الى الماضي السيىء والبغيض».

واعتبر رئيس «التنظيم الشعبي الناصري» النائب اللبناني مصطفى سعد «ان اثارة بعض المواضيع على الساحة اللبنانية سببه ما جرى من تحريض طائفي ومذهبي في بيروت وانعكس على بقية الطوائف والمذاهب الاخرى».

وكان النائب سعد يعلق، خلال لقاء مع الصحافيين في منزله في صيدا امس، على بيان مجلس المطارنة الموارنة الذي دعا الى خروج القوات السورية من لبنان. وقال: «ان موقف الحكومة اللبنانية وما يُعبر عنه رئيس الجمهورية اميل لحود ورئيس الحكومة سليم الحص، هو الموقف الذي يلتزمه لبنان في تحديد علاقاته مع سورية والدول الاخرى. وليست الطوائف هي التي تقرر هذه العلاقات. وان بيان مجلس الوزراء واضح وكاف للجميع حول هذا الموضوع».

وعن مدى انعكاس حدة المواقف على الوضع الداخلي قال النائب سعد: «لا انعكاس على الوضع الداخلي لأن الحكومة تتابع الموضوع». واضاف: «ان الحالة المذهبية والطائفية الموجودة على الساحة الآن هي نتيجة هذه الخطوات المبرمجة. وسوف نتحرك على اساس الموقف الذي عبرت عنه الحكومة اللبنانية».

وفي المقابل اجمع زوار البطريركية المارونية على تأكيد عدم تحدي البيان اي طرف وعلى نفي كونه يحمل «العداء لسورية».

واعتبر النائب السابق ميشال سماحة ان «انقطاع الحوار يوصل الى مواقف كالتي صدرت». وقال: «ان لبكركي قراءة للامور تعبر عما يتم تداوله في كثير من الاماكن ولما سمعناه اخيراً على السنة بعض المسؤولين. وكان من المفروض ان يقوم منذ فترة طويلة حوار بين السلطة المسؤولة عن ادارة البلد وبكركي ومن مثل بكركي في لبنان، الا ان انقطاع الحوار يوصل الى اتخاذ مواقف كالتي صدرت». واشار الى ان «الجديد الحقيقي (في بيان المطارنة الموارنة) هو المقطع الاخير الذي هو طريق الحل الذي يعطي المضمون للمصالحة الوطنية وللحوار. اما الصفحات الاولى فيجب ان اتوقف عندها وهي قراءة هذا الفريق. واذا كانت في نظر كثيرين خاطئة فالحوار حول هذا الامر لا يكون عبر الصحف وليس ايضاً في البيانات والبيانات المضادة». وحذر سماحة من «المتضررين في السلطة والمحتكرين للعلاقة مع سورية فهؤلاء لا يريدون لا مصالحة وطنية ولا مصارحة ولا حسن علاقة مع سورية قائمة على الصراحة ولا حتى بين اللبنانيين ايضاً». وحمّل هؤلاء «المسؤولية في عدم استكمال عوامل الحوار الوطني المطلوب اليوم وصولاً للجمع بين اللبنانيين».

وبدوره قال الوزير السابق ادمون رزق عقب لقائه البطريرك صفير: «ان ما صدر عن مجلس المطارنة يشكل سقفاً وطنياً للجميع وليس فيه اي ثغرة ولا يجوز تأويله الا بحسن النية. وهو ينطلق من الصدق مع النفس والحقيقة خصوصاً الحرص على علاقة صحيحة مع سورية». واضاف: «ان العلاقة الصحيحة مع سورية لا يمكن ان تبنى الا بالمصالحة وبالتفاهم وبالحقيقة».

واستقبل صفير النائب السابق للقائد العام لـ«القوات اللبنانية» المحظورة المحامي ايلي اسود الذي قال: «سمعت من غبطة البطريرك ان البيان الذي اصدره مجلس الاساقفة امس هو تعبير عن صرخة ألم ولا أبعاد له لا خارجية ولا اقليمية. وهو يختصر ببساطة معاناة المواطنين، كل المواطنين، من المصاعب التي تعترضهم في تأمين معيشتهم وفي الحفاظ على كرامتهم وعلى مستقبلهم في بلد يريدونه بلداً للحرية وللمساواة بين المواطنين. وان لا خلفية سياسية للبيان، ولا علاقة له على الاطلاق بتوقيت ما جرى في قداسي الاشرفية وميفوق. ولكن الوجود السوري في لبنان يعود الى ربع قرن. وآن اوان اعادة النظر في هذا الأمر بجدية، بعد اكتمال الانسحاب الاسرائيلي وانتشار وقدرة القوى المسلحة اللبنانية على الامساك بالوضع الامني الداخلي. وهو (مجلس الاساقفة) يتمسك بضرورة الاستمرار في افضل العلاقات بين لبنان وسورية ولا يقصد بكلامه العودة الى مقولة المارونية السياسية».

واشار اسود الى ان في حوزة البطريرك صفير «ارقاماً عن هجرة الشباب وعن البطالة وعن العمالة الاجنبية. وهو يعلم عمق الضائقة المالية والاجتماعية التي يتخبط فيها المواطنون. وهو ما دفعه بالتحديد الى قول ما قاله. ويجب حصر البيان في هذا الاطار فقط».

ووجه رئيس حزب «التجمع للجمهورية» النائب ألبير مخيبر نداء الى الرئيس السوري بشار الأسد «للتدخل السريع». وقال: «حسناً فعلت مرجعية بكركي بفتح ملف الوجود السوري في لبنان. وادعو الى عدم اقفاله قبل ايجاد الحل القانوني السريع في ضوء هذا الملف، لأنني ارى ان اقفال هذا الملف قبل الوصول الى اقناع الجانب السوري بجلاء جيشه عن لبنان بموجب القرار 520 يزيد مختلف الاخطار التي يتكلم عنها نداء بكركي. فقد آن الوقت بعد هذا الانتظار الطويل الى مصارحة اخوية مع سورية». واضاف: «اما اليوم وبعدما قرأنا نداء بكركي وردود الفعل في لقاء دار الفتوى واجتماع مجلس الوزراء، رأيت من واجبي الوطني ان ادعو سيادة الرئيس بشار الأسد الى التدخل السريع للادلاء بشهادة الحق في هذه القضية لأنه يعرف حق المعرفة الثوابت اللبنانية واستقلال لبنان وسيادته».

واعلن النائب بطرس حرب انه سيلتقي البطريرك صفير اليوم وسيدلي برأيه من بكركي وكذلك فعل النائب وديع عقل الذي اعتبر ان ما قاله البطريرك صفير «يقوله جميع القادة الروحيين والسياسيين دوماً. ولا اعرف لماذا هذه الطنة والرنة لمسؤول روحي ينادي باستقلال لبنان، فهل استقلال لبنان امر ممنوع ان نتفوه به؟ وهل الدستور يمنعنا من القول باستقلال لبنان؟».

ووصف النائب رشيد الخازن الرد السريع من دار الفتوى على بيان بكركي بـ «الخطأ الكبير» معتبراً «ان هذا ليس في مصلحة احد لا الوطنية ولا السورية ولا اللبنانية». وقال الخازن: «ان بيان بكركي فيه الكثير من الواقع، اذ ان الناس تأتي الى بكركي لتشكو واقعها». وقال النائب المنتخب المحامي ايلي عون: «اذا كان البعض يعتقد ان النداء يدخل في اطار الجو السياسي العام الذي يشهده الوسط المسيحي فأنا من القائلين ان بكركي سعت من وراء النداء الى امتصاص حركة الشارع المسيحي وجعل مرجع الموارنة في مواجهة الاحداث قطعا للطريق امام محاولات الاستغلال التي ظهرت في غير مكان». واضاف: «واذا قرأنا بامعان رد لقاء دار الافتاء نتبين ان الامور ظلت في نطاق المنطق والمعالجة العقلانية الواعية».

واعتبر النائب المنتخب الدكتور فارس سعيد ان البطريرك صفير «تحدث من موقع وطني وليس من موقع طائفي». وايد رئيس حزب «الوطنيين الاحرار» دوري شمعون بيان المطارنة الموارنة بحرفيته. وقال: «نعتبر ان البيان يتماشى تماماً مع كل الامور التي ننادي بها منذ زمان. ان موقف المطارنة الموارنة هو بمثابة مفاجأة سارة». وعزا ردود الفعل المنتقدة للبيان الى «ان اصحابها اما لا يفهمون النداء واما من غير المسموح لهم ان يفهموه».

واستغرب النائب المنتخب اميل اميل لحود نجل رئيس الجمهورية ما وصفه بـ «الهجمة التي يتعرض لها غبطة البطريرك مار نصر الله بطرس صفير». واعتبر «ان بكركي صرح وطني كبير وعريق لا يمكن التهجم عليه او اعطاؤه دروساً في الوطنية مهما اختلفت الآراء والمواقف». وقال لحود: «ان موضوع الوجود السوري هو امر عائد الى الدولتين اللبنانية والسورية وحدهما. وهما تحددان طبيعة العلاقات وليس الافراد او المجموعات». واعرب عن استهجانه «كيف انه من المسموح للبعض الكلام عن هذا الموضوع بالذات وغير مسموح للآخرين بذلك». وسأل: «اين كانت الاصوات التي تنتقد اليوم عندما تهجم آخرون طوال الاشهر الثلاثة المنقضية؟ لقد تداول هؤلاء هذا الموضوع بالتحديد. ونحن لم نسمع خلال كل هذه المدة او نقرأ بيانات او بلاغات تنتقد هذه المواقف المتشنجة، فلماذا عندما تكلم المطارنة الموارنة قامت هذه الضجة؟».

ودعا النائب عبد اللطيف الزين الى «وحدة الصف والكلمة ووقف التناحر بين الافرقاء» محذراً «مما يحاك لهذا الوطن الذي تمكن بفضل جيشه ومقاومته وشعبه من دحر العدوان الاسرائيلي واستعادة كرامته وحريته».

وطالب النائب وجيه البعريني بـ «معالجة كل الامور بحكمة وعلى اساس الحرص على المصلحة الوطنية وحماية الوحدة الوطنية التي لا ينهض لبنان الا على اساسها». وقال: «كنا نفضل لو ان مجلس المطارنة ابعد نفسه عن هذا الموضوع الحساس والدقيق».

واعتبر النائب مروان فارس ان الموضوعات التي طرحها البيان «هي موضوعات مرفوضة لاسيما في السياسة التي تقررها الحكومة اللبنانية مما يظهر تدخلاً سياسياً في أمور هي خاصة بالدولة وليست خاصة بالشؤون الروحية». واعتبر ان «الاتهامات الموجهة الى سورية في شأن التدخل في الانتخابات النيابية هي اتهامات كان يجب الا تصدر عن مقام روحي خصوصاً ان هذا الموضوع سياسي والمقامات الروحية لا علاقة لها بهذا الموضوع وليست لديها الاجهزة الامنية التي تفيدها بما تدعي».

واعتبر نائب الامين العام للحزب الشيوعي اللبناني سعد الله مزرعاني: «ان الطائفية هي مرض لبنان الأكبر». وطالب الدولة بأن تتولى معالجة كل الملفات بما فيها العلاقات اللبنانية ـ السورية بما يؤدي تدريجاً الى ان تتحمل الدولة اللبنانية مسؤولية القرار السياسي والامني والاداري على الاراضي اللبنانية كافة.

وعقدت الاحزاب والقوى اللبنانية اجتماعاً طارئاً ناقشت خلاله التطورات التي استجدت في ضوء بيان المطارنة الموارنة. واصدرت بياناً اكدت فيه «ان الوجود العربي السوري هو حاجة وطنية وقومية. وهذا الوجود كان ولا يزال عاملاً اساسياً في تدعيم وحدة لبنان».

واصدر رئيس «جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية» الشيخ حسام قراقيرة بياناً استنكر فيه «تصاعد وتيرة التجني والتشويه ضد سورية وتضحياتها في لبنان». وقال: «ان بيان مجلس المطارنة الموارنة جاء متزامناً ومكملاً للضغوط الدولية السياسية والاقتصادية. واعتمد اسلوب الاثارة الاعلامية والاستقواء بالخارج. وهذا النوع من الاساليب والبيانات التفجيرية يؤكد اهمية الدور السوري الايجابي في لبنان الذي نعتبره ركناً اساساً في مسيرة السلم والاستقرار الوطني».