قرنق لـ«الشرق الأوسط»: سعيت لزيارة الدول العربية ولم تستجب سوى مصر وليبيا

زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان: أجندة الجبهة الخفية فصل الجنوب ونحن والميرغني نشكل أقوى الضمانات لوحدة السودان

TT

قال الدكتور جون قرنق زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان انه سعى بشتى السبل لزيارة الدول العربية وشرح مواقف الحركة لكن للاسف لم يأذن لنا احد بزيارة سوى مصر وليبيا ومن قبل اليمن.

واضاف في حديث اجرته معه «الشرق الأوسط» على هامش الاجتماعات الاخيرة في مصوع للتجمع السوداني المعارض ان الاجندة الخفية لدى الجبهة الاسلامية في السودان ومن في صفها هي فصل الجنوب وتدمير نسيج اهل السودان.

وابتدأت «الشرق الأوسط» اسئلتها للدكتور جون قرنق بجملة ملاحظات حول خطابه في المؤتمر الثاني للتجمع المعارض الذي عقد بميناء مصوع الاريتري بانه كان مفعما بالتفاؤل باسقاط الحكم وتحقيق حلم بناء السودان الجديد. مع التركيز على وحدة البلاد ودون اشارة ولو عابرة عن تقرير المصير فهل من تفسير لكل ذلك؟

قال في مستهل اجابته: دعنا ننظر الى التجمع منذ بدايته وحتى الان ونلخص المراحل التي مر بها في ثلاث محطات ثم ننظر في المرحلة التي نستشرف آفاقها الآن.

* النقلة الاولى من عام 1989 الى عام 1995 كانت عبارة عن مرحلة تأسيس وان شئت سمها ارقاماً في عداد منظومة الاسماء المشكلة له، وتلك الارقام الحسابية سجلت رصيدا متواضعا بكل المقاييس.

* المرحلة الثانية منذ عام 1995 كانت البوابة الرئيسية للتجديد والبلورة والتطوير والتلاحم بين الفئات المشكلة له، وفيها وضعت المواثيق واشتد ساعد النضال السياسي والعسكري لان الجبهة الاسلامية مما يحسب لها كحسنة انها زادت المناطق المهمشة تهميشا ووسعت من رقعة معانات كل الشعب في حياته المعيشية وبالغت في انتهاكات حقوق الانسان وكل هذه الافعال الشنيعة صعدت من وتائر النضال بقيادة التجمع.

واستطرد قائلا: لنضرب بعض الامثلة على الصعيد العسكري، كيف تطور النضال في عام 1995 كانت الفصائل العسكرية سبعة لكل منها علمها الذي تقاتل تحت رايته لكنها في العام التالي اتخذت اربع خطوات يمكن ايجازها في التالي:

1 ـ هذه المجموعات اخذت تتبادل المعلومات العسكرية.

2 ـ ثم بدأت تنسق عملياتها وفقا لذلك التبادل في مجال المعلومات.

3 ـ انتقلت الى مرحلة متقدمة هي القيام بعمليات مشتركة.

4 ـ كونت القيادة العسكرية الموحدة وبذلك اكتملت كل عناصر القوة وتشكل لواء السودان الجديد وهو لواء فاعل ونتائجه في الشرق والنيل الازرق معلومة للجميع.

ذلك ما كان من الجانب العسكري الذي ربما استحق هذا الاستطراد.

اما على الصعيد السياسي فالكل يعلم مدى الحصار الذي اطبق على النظام والادانات المتكررة له على المستويين الدولي والاقليمي فضلا عن المقاومة الشعبية للنظام في السودان والتي قابلها بقمع وبطش لم يؤد سوى الى زيادة القوى الجماهيرية الحية اصرارا حتى سقط حاجز الخوف وانتزعت بصيصا من الحريات.

* وبالرغم من التأكيدات المتكررة على حرصك على السلام وعلى وحدة السودان فهناك من الشماليين من يدفعونك بان لك اجندة خفية تهدف الى فصل الجنوب وان حديثك عن الوحدة حديث تكتيكي.. وظهرت اصوات جنوبية اخيرا تتهمك بأنك تجري وراء سراب وحدة مرفوضة منهم ولكنك لا تقيم وزنا لحق تقرير المصير وتمضي في استنزاف دماء ابناء الجنوب عوضا عن قبول الانفصال الذي هو خيار اغلبية الجنوبيين على حد تعبيرهم، فماذا تقول؟

ـ اقول في كلمة واحدة ان هؤلاء واؤلئك هم اصحاب الاجندة الخفية.

اما انا فليس لدي ما اخفيه. ظللت على الدوام اتمسك وادعو الى السودان الجديد الموحد وافسر ما الذي نعنيه بالسودان الجديد.. انه سودان يقوم على المساواة بين الاثنيات المختلفة التي تتوزع بين اكثر من خمسمائة قبيلة وعشيرة ولعل كل الوان الطيف التي اقصدها موجودة في هذا المؤتمر.. ثم التفت الى احد اعوانه يسأله عن عدد القبائل التي ينتمي محاربون منها الى قوات الحركة في شرق السودان فقال (33) ومضى يقول: دعني افصل لك بإيجاز ما هي اجندتهم الخفية؟.. الجبهة الاسلامية تريد الانفصال والادلة على ذلك كثيرة، لكن دعنا نضرب مثلا او مثلين على الاكثر. الم يتحالفوا مع الجماعات التي انشقت عنها ومنها الدكتور رياك مشار الذي اسس جبهته باسم جبهة استقلال جنوب السودان ومن ثم حاولوا ان يحاربونا به؟ اولم يحولوا الحرب الى حرب دينية واخذ الترابي يوزع صكوك الجنة لمن يقتلون جنودنا لكنه الان بعد ان اختلف مع البشير وعاد يوزع تلك الصكوك بل وقال كلاما مناقضا لما بدأ به الحرب الدينية. وكان لهذا الاعتراف مردوده الذي يخصم من مصداقية النظام ولعله انعكس على معنويات الذين خدعوا ببدعة الجهاد ايضا.

المهم كل ذلك يدل على ان الاجندة الخفية لدى الجبهة ومن هم في صفها لفصل الجنوب ولتدمير نسيج اهل السودان ونحن براء من كل اتهام بالاجندة الخفية.

اما على صعيد ما تسميهم بالجنوبيين الذين بدأوا يشاركون الاخرين في توزيع الاتهامات علينا فانهم يتهموننا باننا اصبحنا تجار حرب ليس لنا من هدف غير استمرار الحرب وهذا اتهام باطل لان هذه حرب عادلة لها اهداف محددة هي تحقيق السودان الجديد والقائم على المساواة والعدل فكيف بهؤلاء المقاتلين يخضعون لامرتي وانا اقودهم في حرب من اجل الحرب؟! ويضيف ان اصحاب الاجندة الخفية من هذا الطرف يكشفون شيئا من يأسهم من الصبر على مواصلة القتال من اجل تحقيق السودان الجديد، ويحاولون الفرار الى الانفصال بحجة انني لا اقيم وزنا لما يصيب اهلنا في الجنوب من نزيف دم. وفي النهاية لا بد ان تلاحظ انهم يلتقون مع الجبهة الاسلامية في الاهداف وان اختلفت الوسائل. ولكنها كلها تصب في أطر الاجندة الخفية فكلاهما يتخذ منهجا مختلفا لكن النتيجة واحدة.

* هناك جانب آخر من الاجندة الخفية انهم يقولون انك تخشى لو وضعت الحرب اوزارها ستنكشف بانك لا تملك قاعدة جماهيرية تمكنك من كسب الانتخابات ولذلك فانت تستمر في الحرب؟

ـ لعل ما يدعو للاندهاش والاستغراب ان يسمع المرء مثل هذه الترهات. اذا كان الناس يتدافعون الى الحركة بعشرات الالاف عندما ندعوهم الى الانخراط في جيشنا ليقاتلوا ويجودوا بدمائهم الطاهرة فكيف بهم اذا التمسنا مجرد اصواتهم هم وذويهم؟ اوليس ذلك الاتهام مجرد هراء، خاصة عندما تكون الحقيقة اننا اصلا لم ندخل انتخابات حتى يقاس مدى شعبيتنا؟ وفي النهاية اننا اصحاب مبادئ نقاتل من اجل تحقيقها وليس من اجل قسمة كعكة سلطة بعينها. واذا كنا من دعاة قسمة كراس في السلطة لقبلنا الكثير من الدعوات التي وجهها لنا النظام ومن قبل دعوة الجزولي وسوار الذهب بعد الانتفاضة التي اطاحت نميري في ابريل (نيسان) 1985 لكننا رفضنا العرض وسمينا ذلك النظام بمايو2 اي انه امتداد لنظام مايو الذي اطاحته الانتفاضة.

* اسمح لي ان اعلق واسأل عن آخر ما قلت، كثيرون يعتقدون انك اضعت فرصة لا تعوض برفضك المشاركة في حكومة سوار الذهب الجزولي ويدللون على ذلك بانك لو كنت دخلت الانتخابات البرلمانية التي جرت وقتها لاصبحت الرقم الثالث عوضا عن الجبهة ولاغنيت القوى السياسية الرئيسية من الاضطرار الى التحالف معها بحسبانها القوة الراجحة؟

ـ تلك الافكار مجرد استنتاجات وتمنيات ولا تخرج من اطار «ولو». لقد اتخذنا القرار السليم عام 85 كان المجلس الانتقالي وقتها قد طلب منا ان نلقي ببنادقنا ونأخذ وظائف من الدولة. اننا اصحاب قضية ومبادئ وكما تعلم ان الحركة الشعبية تريد مفاوضات كما حدث في جنوب افريقيا عندما وافقت الحكومة العنصرية على انهاء كيانها وتحت المصالحة الحقيقية. لكن الجبهة تريد ا لاتفاقية شريطة احتفاظها لنفسها بالسلطة.. تلك هي المعضلة وعليها تحمل تبعات ذلك ثم كيف يفهم ان الجبهة الاسلامية تريد السلام وهي تدعو لتجنيد ستة ملايين انسان. اوليست الدعوة للتجنيد هي اكبر دلالة على الانحياز للحرب وليس السلام. وبهذه المناسبة ان مؤتمرنا هذا اطلقنا عليه شعار (نحو انهاء الحرب وبناء السودان الجديد) اليس في ذلك دلالة على اننا ننشد السلام، ثم ضف الى ذلك مشروعات التوصيات والقرارات التي اتخذناها بهذا الصدد وهي كلها تبين استعدادنا وجديتنا في السلام. وبالطبع ليس المطلوب منا ان نضع سلاحنا وراء ظهورنا ونستسلم للمراوغات التي يشتري بها النظام الزمن. ساعتها نكون قد خنا نضال الشعب السوداني العادل من اجل الحرية والعدالة والديمقراطية والوحدة القائمة على اسس جديدة تلك التي نسميها وحدة السودان. ولهذا السبب وصفت التجمع في خطابي بانه يعتبر اعظم انجاز سوداني بينما يعتبر نظام الجبهة الاسلامية سبة في جبينه.

* على ذكر جديتكم في التمسك بالسلام ينظر البعض اليكم بحسبانكم تتلاعبون بالمبادرات المطروحة، فمثلا انكم لم تبذلوا اية مجهودات ازاء التنسيق بين مبادرة الايقاد والمبادرة المشتركة المصرية ـ الليبية بينما من جهة اخرى تصرون على ما تسمونه بضرورة توحيد مركز التفاوض. وقيل الان ان اميركا دخلت على الخط بمبادرة جديدة؟

ـ في البدء لا بد ان نشكر كل من ابدى اهتماما بقضايانا وتقدم بمبادرة لحل المشكل السوداني لكننا لا نريد ان يتسوق النظام بهذه المبادرات ليشتري الوقت ويتهرب من مواجهة مسؤولياته ازاء ما هو مطلوب منه للحل السلمي ولذلك طلبنا التنسيق بين المبادرتين، ولا احسب انني اذيع سرا اذا قلت ان الحكومة سارعت بارسال اكثر من وزير الى نيروبي، طالبة عدم مقابلة الوفد الذي اختاره التجمع برئاسة الفريق عبد الرحمن سعيد لطرح رؤيتنا في ما يؤدي الى التنسيق واكثر من ذلك هددت بالانسحاب من «الايقاد» نفسها. هل تريدون دلالة اكثر من هذا الموقف الرافض و«المريب» في حين ان موقف الجبهة المعلن هو قبول التنيسق بين المبادرتين. لقد اضطر وفد التجمع لابلاغ سفراء «الايقاد» في كينيا بهذا الموقف. وابدوا استغرابهم لهذا التصرف ونتحدى الحكومة ان تنفي حرفا مما نقول. من جانبنا كحركة طالبنا اكثر من مرة بهذا التنسيق وما زلنا نطالب ونلح.

* ما هي رؤيتكم لكي يكون التجمع تحالفا استراتيجيا يتجاوز حتى مراحل ما بعد الوفاق او اسقاط النظام؟ ثم ما هو تقويمكم للعلاقة بين حركتكم والحزب الاتحادي وزعيمه الميرغني؟

ـ لم تعد هناك خلافات حول جميع فصائل التجمع في خلق وبناء السودان الجديد، ولم يتأكد ذلك عبر المواثيق والقرارات والتوصيات فحسب انما اصبح كل ذلك هو مناعات الجميع وبتنا في خندق نضالي واحد واختلطت دماء الشهداء من ابناء الجنوب والشمال معا لتحقيق هذه المبادئ.. ودعني استشهد بما نقلته انت شخصيا عن ضابط مقاتل من ابناء الشمال بان مثل هذه الرفقة في النضال لا انفصام لها وذلكم هو حال كل الفصائل المشاركة معنا. اذن لا بد من نقلة في التجمع تواكب هذه المتغيرات. وهذه النقلة هي ان يتواصل عطاء التجمع بعد اسقاط النظام وعبر الفترة الانتقالية التي نفكك فيها ادارة الحزب الواحد للبلاد الى ادارة للوطن الواحد ومن ثم ننتقل معا ايضا الى مرحلة بناء السودان الجديد. تلك هي رؤيتي للتجمع وهي رؤية تحظى بتعضيد وتأييد الجميع. والحزب الاتحادي الديمقراطي بقيادة محمد عثمان الميرغني هو قائد هذا التجمع الذي قلت في خطابي للمؤتمر انه يستحق من هذا المؤتمر الشكر والثناء على حكمته القيادية. وعلاقتي توطدت به ثم تواصل تعزيزها منذ ان وقعنا معا اتفاقية السلام في اثيوبيا عام 1988 ومنذ ذلك التاريخ وحتى الان احسب اننا نشكل معا اقوى الضمانات لتحقيق وحدة السودان عبر بناء السودان الجديد وارجو ان يتأكد الجميع انه لا سبيل الى زعزعة هذه العلاقة عبر وشاية تنقل من هنا او هناك او تمنيات من نسج الخيال.

* دكتور قرنق، بالرغم من كل تأكيداتك على الالتزام بوحدة السودان الجديد لا تبدو هذه الرؤية واضحة في كثير من الاقطار العربية بل يصنفك الكثيرون انك الرقم الاول ضد العروبة، وضد الوحدة وضد الاسلام. اليس من واجبك ان تسعى لتبديل هذه الصورة.

ـ ان ذلك شيء يدعو الى الحيرة والاستغراب فأنا من جانبي سعيت بشتى السبل لان ازور البلاد العربية واشرح لهم حقيقة مسالك ومبادئ الحركة ولكنني للاسف لم اجد من يأذن لنا بالزيارة سوى مصر وليبيا ومن قبل اليمن. وقد يستغرب البعض اذا قلت اننا في الحركة الشعبية لنا منظمة اسلامية ترعى شؤون المسلمين من اعضائها ومن ابناء المسلمين في المناطق المحررة. وكيف اكون ضد العروبة وانا ادعو للعدالة بين مختلف القوميات والعرب يشكلون ثقلا لا يستهان به بل وان التجمع الذي نحن فيه الان يتشكل من كل اطياف السودان والشماليون العرب هم الاكثرية فيه.

انني ومن منبر «الشرق الأوسط» صحيفة العرب الدولية اجدد الرجاء لكل الاخوة في البلاد العربية ان يأذنوا لانفسهم بسماع ما نقول ويقارنوه بافعالنا ساعتها ستتضح الكثير من المفاهيم الخاطئة وسيكون كل ذلك في مصلحة الجميع.