مخاوف غربية من أن تتحول باكستان إلى أفغانستان أخرى

TT

لم يكن انفجار قنبلة بسوق الخضر في العاصمة الاتحادية اسلام اباد على صعيد التداعيات مشابهاً لانفجارات كثيرة ظلت تعيشها باكستان سواء في عهود الديمقراطية او حكم العسكريين.

اول عناصر اختلاف تفجير الثلاثاء الماضي ترجع الى ان الانفجار جاء بعد ايام قليلة من انباء اشارت بأن الجنرال برويز مشرف يعتزم اغلاق بعض المدارس الدينية، وخوض حملة ضد تجارة السلاح في باكستان. ومن هنا امتد الاختلاف ليذكر بكون الحادث قد لا يكون تدبيرا من المخابرات الهندية انتقاماً لضحاياها في معارك سبقت الحادث بأسبوع في كشمير، وانما يجيء بتدبير داخلي يقارب كثيرا سلسلة التفجيرات التي ادت الى اسقاط نواز شريف بانقلاب مشرف في 12 اكتوبر 1999.

وتكمن عناصر المقاربة بين الواقعتين في ملامسة شريف ومن بعده مشرف للعصب الدقيق في جبهة باكستان الداخلية، اي مواقف الجماعات الدينية والاصولية الثابتة من قضية كشمير. (رموز كلمة باكستان صيغت اصلا لترمز الى كشمير بحرف الكاف، فيما ترمز الباء لاقليم البنجاب والألف لحدود افغانستان والسين للسند وكلمة تان لبلوشستان).

ثاني عناصر الاختلاف تجيء من رباط غير مباشر بين الحادث وواقعة عودة طائرة مشرف بعد اقلاعها الاسبوع الماضي من نيويورك بعد حضور قمة الألفية الى نيويورك بزعم وجود قنبلة فيها، وبين عناصر المقاربة هنا ايضا ان الجنرال ضياء الحق آخر عسكري حكم باكستان قضى نحبه في رحلة داخلية مع السفير الاميركي، ومخاطر انفجار اسلام اباد احيت قطعا مثل ذلك الكابوس ومعه ما يشبه الاعتراف بأن للجماعات الاصولية في باكستان ذراعاً طويلة، وهناك من يقول ان الحادث ذكر الجنرال مشرف بمحاولة الاغتيال التي نجا منها سلفه شريف في لاهور، بفارق زمني بين موكبه والانفجار لم يتعد الدقيقة.

ثالث عناصر الاختلاف، وهو الأهم، ان الحادث مقروء مع التوتر في علاقات الهند وباكستان قد احيا نقاشا ممتدا في صحافة واشنطن حول مخاطر الاختلال الواضح، او النقلة النوعية المشهودة التي احدثتها ادارة الرئيس الاميركي بيل كلينتون في علاقاتها مع الهند، ولأول مرة في التاريخ على حساب علاقات استراتيجية مع باكستان اوجبتها حقبة الحرب الباردة (باكستان ظلت تقدم كل التسهيلات اللوجستية لواشنطن بما فيها التجسس على الاتحاد السوفياتي، فيما ظلت الهند صديقاً للمعسكر الاشتراكي في تلك السنوات).

اما مخاطر النقلة النوعية فعناصرها تعود الى استضافة الادارة الاميركية لرئيس الوزراء الهندي اتال فاجبايي الاسبوع الماضي، وتمكينه من مخاطبة جلسة مشتركة للكونجرس، ومن قبل تخصيص كلينتون لثلاثة ايام من زيارته في مارس (اذار) الماضي للهند مقابل بضع ساعات لباكستان. (هناك ترجيح بأن اميركا تحسب حسابات اقتصادية قوامها دخول الهند نادي المليار نسمة كثاني دول العالم سكاناً بعد الصين ووصولها لأكبر دول العالم سكانا بحلول عام 2025، علاوة على احتواء الهند لأكبر سوق في العالم للفنيين والتكنوقراط في مجال علوم الحاسوب وملحقاتها).

اما عن صلة هذه النقلة في علاقات واشنطن بالهند بحادث تفجير اسلام اباد فتعود الى ان واقع باكستان، وفي غياب دعم اقتصادي دولي، يمكن ان يحول باكستان الى افغانستان جديدة او الى نموذج لبناني بحربه الطائفية، والقائلون بمثل هذا الزعم يستندون الى ضرورة الفصل بين كون الحكم في باكستان عسكرياً وفي الهند ديمقراطياً، وبين فسيفساء الواقع الباكستاني بما في ذلك عقلية ومنهج الجنرال مشرف نفسه. (من اهم محطات سيرة مشرف الذاتية انه قد ولد في الهند وترعرع في باكستان وتركيا وزار انقرة بعد شهر واحد من توليه السلطة. والمنبهون لمثل هذه السيرة يريدون اعانة مشرف في القضاء تدريجياً على الأصولية بما فيها المتسربة داخل المؤسسة العسكرية.

الجنرال قطع شوطاً لا بأس به في هذا الاتجاه منذ توليه السلطة وهناك ترجيح بأن المتقاعدين الجدد من الاصوليين العسكريين سيحاولون قلب المائدة عليه بتكرار التفجيرات الداخلية وصولاً الى وضعه في نفس خانة شريف مع قضية الأمن الداخلي).

باكستان ومع حلول الذكرى الاولى لانقلاب مشرف تبدو اسيرة ماضيها وواقعها المعقد، اكثر من تحررها من ملابساته مع اختلاف جذري يقول ان الاضطرابات في دولة نووية وغير نووية يختلف كثيرا، دعك من رفض باكستان الثابت والمنطقي بعدم التخلي عن برنامجها النووي اسوة بجنوب افريقيا والبرازيل مثلاً.