موسكو تدشن سباقا جديدا مع واشنطن في جنوب شرق آسيا

TT

دشنت زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التي قام بها الاسبوع الماضي الى الهند مشروع سباق محموم بين موسكو وواشنطن في جنوب شرق آسيا وشبه القارة الهندية، ولأي من العاصمتين حساباتها الخاصة تجاه الهند.

فالهند، وبالتاريخ كانت درة التاج البريطاني في حقبة الاستعمار القديم، والهند ظلت ومنذ عام 1947 تاريخ استقلالها، اكبر ديمقراطية في العالم بـ600 مليون ناخب، والهند ومع الالفية الجديدة دشنت دخولها لنادي المليار نسمة في مارس (اذار) الماضي لتصبح ثاني دول العالم سكانا بعد الصين وستصبح اول دول العالم سكانا بحلول عام 2025، وهي صاحبة اكبر عمالة فنية في مجال تقنيات الكومبيوتر وملحقاته، وفوق ذلك فهي الدولة النووية منذ تفجيرات مايو (ايار) عام 1988.

وبسبب مثل هذا الثقل قصدها الرئيس الاميركي بيل كلينتون في مارس الماضي وزار معها بنغلاديش وباكستان. فيما حصر فلاديمير بوتين زيارته للهند فقط بحسابات استبق فيها الرئيس الاميركي كون باكستان حليف واشنطن القديم ورأس الرمح في هزيمة الاتحاد السوفياتي السابق في افغانستان. وأتخم بوتين محادثاته مع رئيس الوزراء الهندي ايتال فاجياني عن مكافحة الارهاب في اشارة لباكستان وافغانستان اللتين تتخللان كل النسيج العرقي والقبلي والديني في خارج روسيا المجاور.

اتجاه الرئيس الروسي للهند لا يلاحق فقط الاهتمام الاميركي الاخير والمشهود بالهند، وانما يحاول في المقابل ضخ دماء جديدة في ميراث سياسي واقتصادي ضخم جمع بين موسكو ونيودلهي منذ الخمسينات وبلغ اوجه بقيادة الثانية لحركة عدم الانحياز مع مصر ويوغوسلافيا منذ الستينيات. (البروتوكول التجاري بين البلدين وصل الى مليار و570 مليون دولار في العامين 1999 ـ 2000).

ولموسكو حساباتها ومنطقها في الاتجاه جنوبا، فروسيا لا تخفي تململها من توسيع حلف شمال الاطلسي لعضويته في ابريل 1999 لتضم دولا شيوعية سابقة هي المجر وبولندا وجمهورية التشيك والتخطيط لضم دول البلطيق في مرحلة لاحقة، ولذا، فموسكو تريد ايجاد معادل موضوعي بمواضع قدم جديدة في مناطق تلامس عصب المصالح الاميركية واستراتيجياتها الامنية (بوتين زار كوريا الشمالية منتصف يوليو (تموز) الماضي بعد ايام من دول قمة بين الكورتين ولواشنطن اكثر من 60 الف جندي في كوريا الجنوبية، وكانت الزيارة الاولى لرئيس روسي منذ الحرب الكورية، ورئيس الوزراء الروسي السابق بريماكوف زار الهند والصين في يناير (كانون الثاني) 1999 بحثا عن نظام جديد يواجه نظام الاحادية القطبية الحالي بزعامة اميركا).

ولروسيا مصالحها الاقتصادية فهي تريد ايجاد اسواق جديدة لاقتصادها المرهق في اكبر دولتين سكانا في العالم، اي الصين والهند. وتقول آخر الآراء لخبراء الاستراتيجيات الروس: ان على موسكو ايجاد مواقع اقدام عاجلة في جنوب شرق آسيا وشبه القارة الهندية ودخول سباق بيع الاسلحة مع الدول الغربية استغلالا لكون تلك المنطقة تعيش توترات وحروبا عرقية ودينية.

كل ذلك لا يعني بالطبع ان سفينة بوتين في الهند لم تواجه ما يعكر صفوها، فالهند لا تريد تقاربا صينيا روسيا حتى وان صب في خانة التلبية المطلوبة لنظام متعدد الاقطاب، وهناك صقور في الهند يرون ان الصين هي المهدد الاول للامن القومي الهندي وان بكين ضالعة أصلا في برنامج باكستان النووي، ومعلوم ان بكين وموسكو قد دشنتا تعاونا للتبادل التكنولوجي ومع ذلك، فبوتين وعلى طريق التسابق مع واشنطن من أجل المصالح في شرق ووسط آسيا وعد نيودلهي بتأييد طلبها للعضوية الدائمة بمجلس الامن.

زيارة بوتين توحي بسباق جديد من نوعه خاص بين موسكو وواشنطن في وقت تصنف فيه اميركا روسيا كدولة هشة ومزدحمة بمكونات كثيرة من التناقضات لا تؤهلها لدخول مثل ذلك السباق، وفي تقدير واشنطن انها الوحيدة القادرة على أمركة آسيا في هذه العقود الاولى للالفية الجديدة; وهو مشروع اميركي قائم.