إثنان من كبار علماء الدين في إيران يدافعان عن الإصلاحي أشكوري المتهم بالارتداد

TT

«ان حجة الاسلام يوسفي اشكوري من أفاضل العلماء الملتزمين بالموازين الاسلامية وانه بريء ومنزه تماما من الاتهامات الفارغة الموجهة اليه من قبل محكمة علماء الدين..». بهذه الجملة القوية دافع آية الله حسين علي منتظري، عالم الدين الايراني البارز الذي كان الخليفة المعين للزعيم الايراني الراحل آية الله الخميني، عن اشكوري، الاصلاحي المسجون في طهران بسبب آرائه الجريئة المناهضة لنظرية ولاية الفقيه ولتسييس الدين.

وجاء الدفاع في رد منتظري على رسالة وجهتها اليه محترم بابائي زوجة اشكوري الذي اعتقل منذ شهرين عند عودته الى ايران من زيارة الى اوروبا، شارك خلالها في ندوة حول ايران عقدت ببرلين والقى كلمة عرض فيها اراءه المعلنة بشأن ولاية الفقيه التي يعتبرها اشكوري بدعة، وبشأن حجاب المرأة والديمقراطية وتسييس الدين.

وكان عدد آخر من المشاركين في ندوة برلين قد اعتقلوا بعد عودتهم الى ايران غير ان جميعهم أفرج عنهم بكفالة ما عدا اشكوري الذي حوكم امام محكمة علماء الدين، والكاتب الصحافي أكبر كنجي الذي لا علاقة لبقائه في السجن مع ما صرح به في ندوة برلين، اذ ان السبب الرئيسي وراء اعتقاله هو دوره في الكشف عن خفايا ضلوع وزير الاستخبارات السابق علي فلاحيان ومساعديه، سعيد امامي ومصطفى كاظمي، في سلسلة الاغتيالات التي طاولت مثقفين ليبراليين وسياسيين معارضين.

وفيما كانت محكمة المطبوعات ومحكمة طهران العادية تتوليان محاكمة المشاركين في ندوة برلين، فوجئت الاوساط الاصلاحية باسناد مهمة البت في الاتهامات الموجهة الى يوسفي اشكوري الى محكمة علماء الدين، باشارة من مرشد الثورة علي خامنئي، رغم ان اشكوري كان يواجه اتهامات مشابهة للاتهامات التي سبق توجيها الى بقية المشاركين في ندوة برلين.

وقبل اسبوعين حينما كشفت زوجة اشكوري عن توجيه اتهامات جديدة الى زوجها في الجلسة الاولى لمحاكمته ومنها «محاربة الله ورسوله والامام الغائب (المهدي) ونائبه علي خامنئي، والافساد في الارض والارتداد»، تبين ان احالة ملف اشكوري الى محكمة علماء الدين تمت بدافع الانتقام منه وتوجيه رسالة واضحة الى استاذه آية الله منتظري الذي فرضت عليه الاقامة الجبرية في بيته بمدينة قم، والى كل علماء الدين الاصلاحيين المؤيدين.

واثار توجيه هذه الاتهامات الى اشكوري الذي يحظى باحترام كبير في الحوزات الدينية والوسط الجامعي، موجة من الاحتجاج لدى «جبهة الثاني من الجوزاء» الاصلاحية، والصحف القريبة من الحكومة. كما ان الرئيس خاتمي نفسه احتج بشدة على توجيه هذه الاتهامات الى مفكر لا جريمة له إلا انه «ينظر الى الامور من منظار مختلف عنهم» (المحافظين) حسب تعبيره في احد تصريحاته.

وأصدرت الاحزاب والتنظيمات السياسية والطلابية الى جانب عدد من علماء الحوزة الدينية في قم، بيانات احتجاج وشجب ضد محكمة علماء الدين التي يرأسها احد اركان الجبهة المناهضة للاصلاحات، محسني اجدئي الذي هو نفسه متهم من قبل اللجنة الرئاسية المكلفة بالتحقيق حول ملابسات الاغتيالات السياسية والاطراف المتورطة فيها، باصدار فتاوى ضد بعض الكتاب والمفكرين ممن اغتيلوا قبل عامين.

وقد رفعت زوجة اشكوري نداء الى كبار الشخصيات الدينية والاوساط المعنية بحقوق الانسان داخل ايران وخارجها، للتدخل من أجل انقاذ زوجها الذي تنوي السلطة العليا الانتقام منه، حسب قول شخصية اصلاحية قريبة من اشكوري.

وتلقت الزوجة محترم بابائي ردودا من بعض كبار الآيات ومنهم آية الله العظمى حسين علي منتظري وآية الله العظمى محمد علي قرامي، وهو احد كبار اساتذة الحوزة. وحصلت «الشرق الأوسط» على نسخة من رسالة زوجة اشكوري الى كل من منتظري وقرامي ورد كل منهما عليها.

وتقول محترم بابائي في رسالتها: «بعد السلام والتمنيات بالتوفيق والعمر الطويل لجنابكم. خلال اللقاء الذي اجراه اعضاء العائلة مع حسن يوسفي اشكوري في المحكمة الخاصة بعلماء الدين، قال لنا ان ممثل الادعاء العام للمحكمة اتهمه بالارتداد ومحاربة الدين والافساد في الارض. ويبدو ان المدعي العام قد بنى اتهامه بخصوص الارتداد على مقاطع من أقوال ومقالات اشكوري حول الحجاب.

قال اشكوري ان فرض الحجاب بالقوة يتعارض مع مباني الدين الذي يقول: لا اكراه في الدين، وانه يتعين افهام النساء بالموعظة والنصيحة بفوائد الحجاب. كما ان الحجاب لا يتحقق فقط بارتداء الشادور وغطاء الرأس لا بد ان يكون بالعيون وبالاحساس. وكذلك موضوع تغيير الاحكام على اساس متطلبات العصر والظروف. ان يوسفي اشكوري قال في محاضراته ومقالاته ان الحجاب أمر شخصي، وان الحكومة لا تستطيع ان تكره الناس على رعاية الحجاب. وطبعا أعلن انه شخصيا يؤمن بحكم الحجاب ويلتزم به. ولكن لا يؤيد اكراه الناس على رعاية الحجاب. ولقد بين المرحوم آية الله طالقاني هذا الرأي ابان الثورة. كما أشار اشكوري في مقالاته الى ان الاحكام تابعة للمواضيع، واذا تغير الموضوع أو تعرض للتبدل فان الحكم يتغير ويتبدل بالتبعية.. وبناء على ما ورد ذكره اعلاه نرجوكم افادتنا، هل ان القائل بالمقولات المذكورة اعلاه يعتبر حسب الاحكام الفقهية الخاصة بالارتداد مرتدا؟ كما انه اذا ابدى شخص ما وجهات نظره بالنسبة لبعض الاحكام الفقهية حتى لو كانت آراؤه شاذة وخاصة به ولا تنسجم مع آراء جمهور الفقهاء وعلماء المسلمين، فهل ان مجرد ابدائه رأيا في مقالة او محاضرة او حوار، تصدق في حقه صفة محاربة الدين والافساد في الارض، ام ان كلمة المحارب والمفسد تطلق على من يرفع سلاحه في وجه الناس، او الذي يقوم بعمليات مسلحة خاصة، وان ايمان والتزام حسن يوسفي اشكوري (عضو البرلمان الايراني في دورته الاولى) بالاسلام، امر مسلم به، وانه متقيد بالاحكام كمسلم ملتزم؟ مع فائق الاحترام».

وقد جاء في رد آية الله منتظري على رسالة زوجة اشكوري: «بعد السلام. كما سبق وان ابديت رأيي بالنسبة لحضرة اشكوري، وكتبت رأيي ضمن اعلان أسفي العميق للاتهامات الظالمة الموجهة اليه، اذكر ان حضرته من افاضل العلماء والملتزمين بالموازين الاسلامية وانه بريء ومنزه تماما عن مثل هذه الاتهامات الفارغة. وفقكم الله ان شاء الله». اما آية الله قرامي فانه اكد في رده ان حجة الاسلام اشكوري لا تصدق بحقه اتهامات محاربة الدين والافساد في الارض والارتداد، وشدد على «ان ابداء الرأي، حتى لو كان خاطئا، لا يضع المفكر والعالم الديني في خانة المتهمين بالارتداد ومحاربة الدين».

وعلمت «الشرق الأوسط» ان الرئيس خاتمي بحث موضوع اشكوري في لقائه الاخير مع مرشد الثورة علي خامنئي الذي وافق على ان يوجه تعليمات الى محكمة علماء الدين بسحب اتهامات الارتداد ومحاربة الدين والافساد ضد اشكوري.