هل تنجح إندونيسيا في تجاوز «سيناريو البلقنة» في العام الثاني من حكم عبد الرحمن واحد؟!

TT

يطوي الرئيس الاندونيسي عبد الرحمن واحد اليوم الجمعة صفحة عام من حكمه كأول رئيس يجيء بالانتخابات الديمقراطية منذ استقلال اندونيسيا، رابع بلدان العالم سكانا واكبر بلد اسلامي بحساب الكثافة السكانية، والتي يقطنها نحو 210 ملايين نسمة.

وبالتالي، وفي المقابل، فاندونيسيا تضع اقدامها منذ الغد على عام ثان من تجربتها الديمقراطية، التي ارهقت ولا تزال خبراء الشأن الاسيوي شرقا وغربا، وبصفة خاصة واشنطن التي تضع حسابات خاصة لاندونيسيا باعتبار انها تتحكم ببحارها ومضائقها في خمسي حركة التجارة البحرية في العالم، وكونها، وبحسابات واشنطن، تشكل نقطة الارتكاز في الامن الشرق اسيوي مع اليابان وكوريا الجنوبية.

دخول اندونيسيا بديمقراطيتها عامها الثاني يرهق الاندونيسيين ومعهم صناع القرار في واشنطن بسؤال عريض حول امكانية بقاء اندونيسيا موحدة في الاعوام القادمة، وما يمكن ان يكون عليه حال المنطقة بحالها اذا ما كان لها ام تشرذم او ان تبقى على حالتها الحالية الحبلى بتأويلات كثيرة.

اخر اجتهادات خبراء الشأن الاسيوي في واشنطن تقول ان حصاد عام كامل من تجربة الرئيس واحد قد ابعد اندونيسيا قليلا عن سيناريو البلقنة الذي سبق ترشيحها لدخوله، ولكن نفس الاجتهادات تعترف ان ذلك الابتعاد قد ادخل اندونيسيا ضمن تصنيف جديد يطلق عليه الاميركيون مسمى الدولة الفوضى Messy State وهو تعبير لم يتجاوز مولده كمصطلح الشهرين، ويضم الى جانب اندونيسيا روسيا وباكستان، وامعانا في الجدية اعترفت واشنطن بانها ستعقد دورات تدريبية لدبلوماسييها لتأهيلهم بصورة يستطيعون معها التعامل مع استحقاقات الدولة الفوضى.

حيثيات الحكم او التصنيف الاميركي لاندونيسيا لم تنطلق من فراغ، وجاكرتا نفسها لم تستنكر المسمى، وجاراه الرئيس الاندونيسي عبد الرحمن واحد نفسه بنكتة سياسية نقلت عنه مؤخرا، يقول فيها، ان اندونيسيا قد عاشت مع سوهارتو ما اطلق عليه سوهارتو النظام الجديد New Order، ولكنه ومعه الان تعيش بلا نظام اي No Order وعلى الاندونيسيين ان يفرقوا بين النظامين.

بين حيثيات الحكم على اندونيسيا بالدولة الفوضى بني على مواجهتها لقضايا معقدة لم تحلها تجربة العام، والاشارة هنا الى ثلاثة احداث افرزها استقلال تيمور الشرقية باستفتاء في 31 اغسطس (آب) 1999، والاحداث الثلاثة هي:

نزعات الانفصال التي يقودها الى اليوم مواطنو آتشيه احدى مقاطعات جزيرة سومطرة، وهم من المسلمون وتنتج مقاطعتهم ما يزيد على نصف انتاج اندونيسيا من الغاز الطبيعي، ونزعات الانفصال الاخرى في اريان جايا في بابوا، وغالبية سكانها من المسيحيين، وهناك الحدث الثالث الذي تشكل عصبة الصدامات الطائفية بين المسلمين والمسيحيين في جزر البهار والتي خلفت خلال عام واحد اكثر من الف قتيل.

ويقول نسيج تلك الاحداث ان انتزاع اي من آتشيه او اريان جايا للانفصال واللحاق بتيمور الشرقية سيشجع مناطق اخرى على الانفصال فيما سيمدد لهب الحدث من احتمالات انتشار الحركات الانفصالية في المنطقة بحالها.

والاشارة هنا تحديدا الى اقليم التبت في الصين وحركة مورو في الفلبين وجماعات اصولية في تايلاند، دعك عن تايوان التي تهدد امن المنطقة بحالها.

ولكن الملاحظة الجديرة بالانتباه هنا ان دولة مثل الصين ورغم صراع النفوذ بينها وبين اندونيسيا فانها تدعم وحدة اندونيسيا، تحسبا من انتقال لهب الانفصال الى اراضيها، وحرصا على جاليتها الصينية التي تمسك بمفاتيح الاقتصاد الاندونيسي، وتتحكم في نحو 60 في المائة من حركته، رغم انها لا تتجاوز الثلاثة في المائة من تعداد سكان البلاد.

شاهد القول هنا ان عام اندونيسيا الثاني مع ديمقراطيتها وحتى باستبعاد التصنيف الاميركي لها كدولة فوضى، يفرض على اندونيسيا ان تجد تسوية عاجلة لقضيتي اتشيه واريان جايا مع اختلاف نسيجهما، وفي كلا الاقليمين حركات مسلحة تقيم مطالبها على توزيع عادل للثروة والسلطة واستقراء للتاريخ.

والاشارة هنا الى مزاعم مقاتلي اتشيه بانهم، ومن بين 40 حاكما اقليميا قدم 34 منهم حياتهم ثمنا للنضال منذ القرن السادس عشر سواء ضد المستعمر الهولندي او الحكام الوطنيين في جزيرة جاوا التي تستأثر بحكم اندونيسيا.

عام اندونيسيا الثاني مشبع بتساؤلات اخرى كثيرة بينها جدوى اسلوب اللمسة الناعمة الذي ينتهجه الرئيس واحد في ادارة الازمات، وبينها قدرته، وهو الناجي من جلطتين دماغيتين وضعف في البصر، على اكمال هذا العام الثاني، وبينها صراع النفوذ والسلطة سواء بقي او ذهب بين امين رايس رئيس مجلس الشعب الاستشاري، اعلى سلطة تشريعية، وبين ميجاواتي سوكارنو نائبة الرئيس واقوى سلطة تنفيذية.

فهل تنجح اندونيسيا في هذا العام وتبتعد عن مسمى الدولة الفوضى مثلما نجحت جزئيا في الابتعاد عن سيناريو البلقنة.. ذلك هو السؤال الذي ستجيب عنه الشهور القادمة.