ريتشارد مورفي: الولايات المتحدة كانت وستبقى منحازة لإسرائيل

TT

أكد ريتشارد مورفي، مساعد وزيرة الخارجية الأميركية الأسبق لشؤون الشرق الأدنى، في محاضرة ألقاها أخيراً في «المعهد الملكي للشؤون الدولية» بلندن أن الولايات المتحدة كانت وستبقى متحيزة لاسرائيل. وأعرب عن اعتقاده أن السلام في منطقة الشرق الأوسط لا يزال ممكناً شريطة «إبعاد الدين والتاريخ» عن طاولة المفاوضات. ولفت الدبلوماسي المخضرم الذي عمل سفيراً لبلاده في المملكة العربية السعودية وسورية، الى أن الأحداث الأخيرة في المنطقة أظهرت مدى اتساع الفجوة بين الأنظمة العربية وشعوبها.

واستهل محاضرته بالاجابة على التساؤل الذي تضمنه عنوان المحاضرة «هل السلام في الشرق الأوسط ممكن؟.. اسئلة مفتوحة». وعزا الغموض الذي صار يلف مستقبل عملية السلام الى الاحداث الاخيرة التي خلطت الاوراق، حسب رأيه. ففي سبتمبر (ايلول) كان الجميع يتحدثون عن وجود مبرر حقيقي للامل بالتوصل الى سلام. لكن سرعان ما تأزم الوضع وصار السلام نفسه، ناهيك عن صيغته وتوقيته، موضع شك. وفي سياق سعيه الدائب الى العثور على عبارات محايدة، وصف مورفي زيارة زعيم حزب الليكود الاستفزازية بـ«ظهور شارون» في الحرم الشريف الذي أدى الى تفجير الازمة.

واعرب عن ثقته في ان الاوضاع الراهنة لن تؤدي الى الغاء معاهدات السلام بين اسرائيل وكل من مصر والاردن. وقال «لا اشعر بالقلق حيال قرار القمة العربية الاخيرة بتجميد جهود السلام (والتطبيع) مع اسرائيل» لكن ما يدعو الى الحذر هو «مدى عمق المشاعر الشعبية القوية (العداء) والخوف المتبادل لدى الجانبين». وهذا يؤكد في رأيه اتساع الفجوة بين الشعوب والانظمة العربية. ولفت الى وجود امثلة كثيرة تدل على حدة الشعور الشعبي، سواء في تظاهرات اسرائيلية أو فلسطينية او اردنية. الا انه توقف عند المسيرات المعادية لاسرائيل التي نظمها طلبة مدارس ثانوية في مصر معتبرا ان «هذا يجعلنا نلمس الحد الذي وصل اليه انعدام الثقة بين العرب واسرائيل». وأشار الى ان السلام الوحيد «الملموس» في المنطقة هو ذاك الذي اقامته اسرائيل مع مصر، خصوصا ان السلام لم يعد على الاردنيين او الفلسطينيين بالفوائد المرجوة خلافا للمصريين.

وأشار مورفي الى ان بعض المعلقين حملوا الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات مسؤولية فشل «كامب ديفيد الثانية» لانه لم يقدر ان رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك كان الاكثر سخاء مع الفلسطينيين من أي رئيس حكومة اسرائيلية آخر. واتهموه بعدم الحرص على النجاح تجنبا لفشل سيؤدي الى سقوط باراك وعودة نتنياهو أو وصول شارون الى السلطة. غير ان آخرين اخذوا على باراك تسرعه وتصميمه على انهاء النزاع خلال وقت قصير ومن دون استشارة شعبه او حكومته. وهذه السرعة منسجمة مع خلفية باراك كقائد عسكري ناجح، حسب مورفي. فأسلوبه التفاوضي تميز بكشف اوراقه منذ البداية وتحديد موقفه النهائي بقصد اختصار كثير من الوقت. ودأب ايضا على الاعلان عن موعد تنفيذ هذا الامر او ذاك. ومع ان هذه السياسة ساعدته على انجاز عملية الانسحاب من لبنان، فالواضح انه لم ينجح في استعمالها مع الفلسطينيين. اما الرئيس الاميركي بيل كلينتون، فلم ينج هو الآخر من اللوم. اذ اتهم بتعجيل المفاوضات وحث الرئيس عرفات على الذهاب الى كامب ديفيد مع ان الاخير لم يكن متحمسا لذلك.

ويعتقد مورفي ان فشل المفاوضات يعود اساسا الى ان الفرقاء لم يكونوا مستعدين تماما للوصول الى سلام. ويُسجل للقمة في رأيه، انها حققت بعض التقدم بخصوص المستعمرات، التي تم التفاهم على ضم 80 في المائة منها الى اسرائيل، وترسيم الحدود. واشار الى ان موضوع حق العودة للاجئين الفلسطينيين لم يجد الحل المرضي تماما، مع انه لا يعتبر السبب الرئيسي لفشل المفاوضات. فاسرائيل لا تزال غير مستعدة للقبول بأي مسؤولية ازاء اللاجئين الفلسطينيين. الا انها توافق على استقبال عدد محدود في اطار صيغة لجمع شمل العائلات الفلسطينية. وبينما كانت تمانع في الماضي عودة كثير من اللاجئين الى اراضي السلطة الوطنية، لم تعد تبدي اي تحفظ على اعداد اللاجئين الراغبين بالاستقرار هناك. وذكر أن برنامجا لتوطين اللاجئين في البلاد العربية او خارجها قد نوقش في «كامب ديفيد». وأوضح لاحقا ان «الصهيونية قد نشأت بهدف اقامة وطن قومي لليهود» فمن غير المنطقي ان نتوقع منهم «السماح للعرب بطمس المعالم الديموغرافية اليهودية لاسرائيل» وتحويل اليهود فيها الى اقلية.

وقال «صحيح ان الفلسطينيين لم يكونوا راضين نهائيا عن اصرار اسرائيل على التحكم بمصادر المياه، غير ان مسألة القدس كانت العقبة الكأداء التي حرمت المفاوضات من بلوغ اي من اهدافها». ونقل عن مسؤول فلسطيني رفيع المستوى قوله انهم كانوا مستعدين للتسليم بسيادة اسرائيل على حائط المبكى لكنهم فوجئوا بالفريق الآخر يصر على انتزاع اعتراف بسيادة اسرائيل على القدس الشرقية بما فيها المدينة القديمة والاماكن المقدسة.

هذا التشخيص دفع مورفي الى الاعراب عن قناعته ان الشرط الاول لتحقيق اي نجاح على طرق البحث عن سلام هو «وضع الدين والتاريخ على حدة. فالاعتبارات التي تتصل بهما قادت المفاوضات مرارا الى طريق مسدود». ولا يرى ان خطوة كهذه من شأنها ان تمثل انتهاكا للمقدسات او انتقاصا من مكانة المواقع التاريخية، لان الله هو الذي يضمن للمقدسات حرمتها بغض النظر عن شكل أو هوية السيادة السياسية الدنيوية.

وتوقع مورفي ان تلعب بلاده دورا اساسيا في أي عملية سلام، مع انه يدرك حجم خيبة امل العرب في الولايات المتحدة خصوصا في الاسابيع الاخيرة. ونسب الى مسؤولين في الخليج العربي وفي فلسطين قولهم له «لقد فقدت الولايات المتحدة كل مصداقيتها» بسبب موقفها من اسرائيل خلال الاحداث الاخيرة.

ثم تساءل مساعد وزيرة الخارجية الاميركية الاسبق عن استغراب البعض من الموقف الاميركي، خصوصا ان «انحياز الولايات المتحدة لصالح اسرائيل لم يكن يوما سرا من الاسرار الرسمية». لكنه اضاف ان هذا الانحياز لم يمنع واشنطن من ان تكون وسيطا منصفا في مفاوضات السلام.