بيان مطول مجهول المصدر يتداوله الإيرانيون سرا يفتح ملف الاغتيالات مجددا ومجلس الأمن القومي يحظر نشره

احتوى على أسماء أعضاء «مافيا وزارة الاستخبارات المتورطين» في قتل المعارضين

TT

أصدر المجلس الاعلى للأمن القومي الايراني قرارا في غياب رئيسه، محمد خاتمي الذي كان في طريقه الى طهران عائدا من زيارته التاريخية الى اليابان، بحظر اعادة نشر المطالب والاسماء الواردة في بيان من ثمانين صفحة، حول الاغتيالات السياسية في ايران والذي يقال ان عددا من مسؤولي وزارة الاستخبارات السابقين وراء توزيعه بصورة سرية في العاصمة.

وكانت صحيفة «حياة نو» الاصلاحية قد نقلت امس عن مندوب تبريز في البرلمان وعضو لجنة الامن القومي والسياسة الخارجية تصريحا قال فيه ان اللجنة تدرس مضمون بيان سري يبدو انه صادر عن مجموعة من مسؤولي وزارة الاستخبارات ممن تولوا المراحل الاولى من التحقيقات مع المتهمين الرئيسيين في قضية الاغتيالات السياسية المسلسلة التي طالت عددا من ابرز الشخصيات السياسية والثقافية والصحافية في البلاد.

وحصلت «الشرق الأوسط» على نسخة من البيان المفصل الذي يحوي اسماء 140 من كبار مسؤولي وزارة الاستخبارات بأسمائهم الحقيقية والمستعارة الذين وصفهم البيان بأنهم «اعضاء مافيا وزارة الاستخبارات المتورطين في قتل العشرات من كبار الشخصيات السياسية والثقافية».

ويتصدر اسم وزير الاستخبارات الاسبق علي فلاحيان قائمة الاسماء التي اوردها البيان، ويأتي بعده مساعداه سعيد امامي الذي قيل انه انتحر في السجن بعد اعتقاله اثر اتضاح دوره في الاغتيالات، ومصطفى بور محمدي مستشار مرشد الثورة علي خامنئي حاليا، ومصطفى كاظمي الملقب بـ«موسوي» النائب الثاني لوزير الاستخبارات في عهد فلاحيان وخليفته دري نجف ابادي.

كما تضم القائمة اسماء لم يسمع احد عنهم حتى الآن، بسبب شهرتهم بأسمائهم المستعارة مثل قمي وحسين وعباسي ومحمدي وعلوي وسعيدي وغيرهم.

ويأتي الكشف عن بيان مسؤولي وزارة الاستخبارات القدامى في الوقت الذي صعدت فيه الجبهة المحافظة المناهضة للاصلاحات حملاتها ضد الرئيس خاتمي وانصاره الاصلاحيين بتوجيه اتهامات اليهم بأنهم كانوا وراء الاغتيالات السياسية، وذلك بهدف النيل من مرشد الثورة وتشويه صورة وزارة الاستخبارات التي كانت خاضعة لهيمنة المحافظين. ونظرا الى ان الصحف الناطقة باسم الاوساط اليمينية مثل «كيهان» و«رسالت» و«جمهوري اسلامي» كانت تنشر مطالب ضد اولئك الذين جرت تصفيتهم بأمر سعيد امامي قبل قتلهم بأيام فان الصحف الاصلاحية قد اتهمت الجهات اليمينية بالتخطيط لقتل المثقفين والمعارضين، وخير دليل على ذلك ما نشرته الصحف التابعة لها ضد داريوش فروهر زعيم حزب الشعب المعارض وزوجته برفانة والشاعر والناقد محمدي محتاري وغيرهم ممن اغتيلوا في بداية عهد خاتمي.

وما من شك في ان قضية الاغتيالات السياسية، تعد اليوم الورقة الوحيدة بيد خاتمي والاصلاحيين في حربهم العلنية ضد الجبهة المناهضة للاصلاحات التي تمكنت في الاشهر الاخيرة ورغم هزيمتها الساحقة في الانتخابات البرلمانية، من عرقلة مسيرة الاصلاحات بتعطيل الصحف واعتقال الكتاب والصحافيين الاصلاحيين ومحاكمة المشاركين في ندوة برلين حول الوضع السياسي في ايران بعد الانتخابات التي حضرها عدد من ابرز الشخصيات القريبة من خاتمي، ومنها جميلة كديور زوجة وزير الارشاد عطاء الله مهاجراني ونائبة طهران في البرلمان، والصحافي المعتقل اكبر كنجي والصحافي رضا جلائي بور مدير صحيفة «عصر آزاديفان» المعطلة وحجة الاسلام يوسفي شكوري الذي جرت محاكمته اخيرا بتهمة الارتداد والافساد في الارض.

وبينما لم يتبق من رئاسة خاتمي اكثر من ستة أشهر، بات اهتمام اقطاب التيار المعارض للاصلاحات مركزا على اسقاط ورقة الاغتيالات من يد خاتمي واستخدامها ضد الرئيس الاصلاحي نفسه بغية ارغامه على رفض طلب انصاره بالترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة.

وفي الاسبوع الماضي حضر اثنان من المتهمين الرئيسيين في ملف الاغتيالات السياسية، وهما فلاحيان وخسرو خوبان (غيّر اسمه الآن الى روح الله حسينيان) رئيس مركز الوثائق الاسلامية ومساعد رئيس محكمة رجال الدين، ندوة طلابية اقامتها «جمعية المؤتلفة اليمينية»، وهي ابرز التنظيمات المناهضة للاصلاحات في مدينة مشهد. والقى فلاحيان خطابا في الندوة نفى فيه اي دور له في الاغتيالات، وقال ان نائبه سعيد امامي كان بريئا وانه تم قتله في السجن «بعد ان فشلوا في ارغامه على الاعتراف بجرائم لم يكن له دور فيها». وزعم فلاحيان ان مصطفى كاظمي المتهم الثالث في الملف، يساري الانتماء (اي يدعم خاتمي) وانه اعترف بأن وزير الاستخبارات السابق آية الله دري نجف آبادي (رئيس منظمة التفتيش الاداري حاليا) قد امره بقتل المثقفين والمعارضين.

وتحدث روح الله حسينيان ايضا في مدينة مشهد دفاعا عن صديقه سعيد امامي وعدد من ابرز الشخصيات الاصلاحية المتحالفة مع خاتمي، مثل سعيد حجاريان الذي تعرض لمحاولة اغتيال بداية العام الجاري، اسفرت عن اصابته بالشلل، وبهزاد نبوي زعيم منظمة «مجاهدي الثورة الاسلامية» ونائب رئيس البرلمان، وخسرو طهراني وعلي ربيعي مستشاري خاتمي في شؤون الامن والاستخبارات، بالتورط في الاغتيالات السياسية، وزعم ان مصطفى كاظمي شريك سعيد امامي كان من مؤيدي خاتمي في وزارة الاستخبارات.

ومما يجدر ذكره ان مصطفى كاظمي لم يكن من مؤيدي خاتمي، بل انه قاد الحملة الانتخابية لوزير الاستخبارات الاسبق محمد محمدي ريشهري احد المرشحين في الانتخابات الرئاسية السابقة. وفي بداية رئاسة خاتمي، حاول كاظمي الاقتراب من خاتمي عبر تظاهره بأنه مؤيد للاصلاحات. وعلى حد قول مصدر يتابع ملف الاغتيالات فان كاظمي سبق ان حذر خاتمي من وجود «شبكة سرطانية» بوزارة الاستخبارات لها علاقة وثيقة مع فلاحيان تخطط لاغتيال الشخصيات الاصلاحية القريبة منه، غير ان تحذيره كان جزءا من مخطط، هدفه التغطية على هوية اعضاء مافيا وزارة الاستخبارات وكاظمي نفسه منهم.

والآن، وبتوزيع البيان المفصل المشار اليه حول المسؤولين المتورطين في الاغتيالات في وزارة الاستخبارات واجهزة الامن التابعة للحرس الثوري، يبدو ان انصار ومؤيدي خاتمي استعادوا مرة اخرى زمام المبادرة في ما يتعلق بقضية الاغتيالات السياسية. وطيلة العامين الماضيين، كانت السلطة القضائية ومنظمة القضاء العسكري المكلفة بملف الاغتيالات وغيرهما من اجهزة الامن حاولت بكل وسائل قانونية وغير قانونية التكتم على هوية المتورطين في الاغتيالات. والبيان الصادر حاليا في طهران، ويكشف عن اسماء من امروا ومن نفذوا الاوامر في اغتيال اكثر من 80 شخصية سياسية وثقافية داخل وخارج ايران منذ وفاة الزعيم الايراني الراحل آية الله الخميني وتشكيل القيادة الجديدة في ايران.