المحافظون الإيرانيون يحشدون لإحياء ذكرى الاستيلاء على السفارة الأميركية

TT

طيلة الايام السابقة وحافلات محتشدة تنقل القادمين من القرى المحيطة بطهران الى العاصمة الايرانية استعدادا لما تصفه وسائل الاعلام الرسمية بـ«يوم الغضب ضد الشيطان الاميركي الأكبر». فستنطلق مسيرات حاشدة اليوم لتصل الى المباني التي كانت في السابق موقع السفارة الاميركية. وتصادف هذه المسيرات الذكرى الحادية والعشرين للاستيلاء على السفارة الاميركية من جانب عدد من الطلاب المسلحين، وهي العملية التي قادت الى دراما احتجاز 52 من الدبلوماسيين الاميركيين لمدة 444 يوماً.

وفي كلمته التي القاها بهذه المناسبة، استخدم المرشد الأعلى علي خامنئي لغة شديدة ضد التطبيع مع واشنطن. ولمح الى جهود الرئيس محمد خاتمي لفتح باب الحوار مع الولايات المتحدة بقوله «هؤلاء الساعون الى مثل هذا التطور هم أعداء لثورتنا».

ومنذ سنوات بدأ النسيان يزحف تدريجيا على ذكرى الهجوم على السفارة الاميركية في الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) وذلك بمحاولات الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني وخليفته خاتمي تقليم الحواف الحادة للسياسة الخارجية الايرانية.

ولم تستقطب المسيرات التي نظمت بهذه المناسبة في العامين المنصرمين سوى العشرات من اعضاء «حزب الله». مما مكن خاتمي مطلع هذا العام من التأكيد لعدد من الزعماء الاوروبيين بأن ملف السفارة الاميركية بات «منتهياً».

بيد ان من الواضح الآن ان ثمة طرفا يرغب في اعادة فتح هذا الملف. ولا يدري احد عدد الاشخاص الذين سيشاركون في مسيرات غد، التي تتضمن حرق العلم الاميركي، وهو الامر الذي أدانه خاتمي علنا.

ولا يعد احياء «يوم الغضب» العلامة الوحيدة على رغبة خامنئي وغيره من كبار القادة الايرانيين المحافظين وقف محاولات التطبيع مع الولايات المتحدة. فقد صادق البرلمان الايراني الجديد، حيث يشكل انصار خاتمي اغلبية عددية، على قانون يفتح المجال امام اي مواطن ايراني برفع دعاوى قضائية عن «اعمال عدائية» من جانب اميركا. ويعلق محام ايراني بارز على هذا بقوله ان هذا يمثل «خطوة سياسية وليست قانونية». ويضيف «كان الغرض من ورائه الزام البرلمان الجديد بموقف معاد لاميركا منذ البدء».

ويدلل تصديق البرلمان على القانون الجديد بسرعة مذهلة على ان خامنئي بنفسه لا بد وانه امر بهذه الخطوة. فخلال الشهور الاربعة الاولى لهذا البرلمان لم يصادق سوى على قانون مهم آخر، يرمي الى تشجيع الاستثمارات الخارجية.

ويبدو ان خامنئي قرر تشديد لهجته ضد الولايات المتحدة لعدد من الاسباب، تأتي على رأسها زيادة العوائد النفطية التي خففت من وطأة الحاجة للاستثمارات والقروض الاجنبية التي كان لا يمكن الحصول عليها من الاسواق الدولية بسبب الفيتو الاميركي. كما ان نجاح ايران في التوقيع على سلسلة من الاتفاقيات التجارية مع عدد من القوى الاقتصادية الكبرى، مثل المانيا واليابان، مكنها من الالتفاف على العقوبات الاميركية. ولهذا يعتقد بعض مستشاري خامنئي الآن ان بمقدور ايران الحصول على ما تريده من دون الحاجة الى تطبيع علاقاتها مع الولايات المتحدة.

اما ثاني تلك الاسباب، فمرتبط بتصديق الكونغرس الأميركي مؤخرا على قرار يدعو الى اطاحة النظام الايراني الحالي. وتدهورت الامور بعد موافقة الحكومة الاميركية على السماح للمواطنين الاميركيين بمقاضاة ايران عن اضرار لحقت بهم نتيجة «الاعمال الارهابية» التي دعمتها طهران. وهذا قد يؤدي عمليا الى تحويل اكثر من مليار دولار من الاصول الايرانية الى المواطنين الاميركيين من خلال المحاكم.

وثالثاً، يبدو ان خامنئي يؤمن بأن الانتفاضة الفلسطينية الجديدة ربما تمثل نقطة تحول بالنسبة للنفوذ الاميركي في الشرق الاوسط. وأشار في كلمة اخيرة له الى ان للانتفاضة هدفين يتلخصان في القضاء على اسرائيل و«طرد الولايات المتحدة خارج» المنطقة.

وللمفارقة، فان «الطلبة» الذين احتجزوا الدبلوماسيين الاميركيين لم يرحبوا بتجديد المشاعر المعادية لاميركا. وتكلم علنا واحد منهم، هو محمد رضا خاتمي شقيق الرئيس الايراني، ضد شن «حملة كراهية» جديدة. اما الآخر فهو عباس عبدي الذي بات اليوم مدافعا بارزا عن تطبيع العلاقات مع واشنطن. ودعا ثالث، هو محمد اصغر زاده، الى توجيه دعوات الى الرهائن السابقين لزيارة طهران كضيوف شرف.

ونشرت مؤخرا معصومة ابتكار، مستشارة الرئيس لشؤون البيئة، واحدى المشاركات في عملية اقتحام السفارة، كتابا في الولايات المتحدة تروي فيه احداث الايام الـ444 من دراما احتجاز الرهائن، وكانت ابانها المتحدثة باسم الطلاب. ومن بين الامور المهمة في هذا الكتاب، اشارتها الى ان الهجوم على السفارة الاميركية جرى من دون علم علماء الدين، وكان المقصود منه ارسال اشارة وطنية الى اميركا، كما اوضحت ان القيادة الدينية، وعلى رأسها الخميني، تدخلت بعد ذلك لبسط سيطرتها على القضية واستغلالها لأغراضها الخاصة.

وبعد مضي 21 عاما، لا تزال عملية الاستيلاء على السفارة الاميركية تطارد السياسة الايرانية وكأنها شبح يرفض الفرار الى بعيد.