اشتباكات في طهران بين قوى الأمن ومسيرة تندد باغتيال فروهر ومثقفين إيرانيين

خاتمي: كلفني كثيرا الكشف عن دور الاستخبارات

TT

طهران: وكالات الأنباء وقعت بعد ظهر امس مواجهات في طهران بين رجال الشرطة وشبان شاركوا في احتفال ديني اقيم بمناسبة الذكرى السنوية الثانية لاغتيال داريوش فروهر المعارض الليبرالي للنظام، وزوجته براونة.

ووقعت المواجهات اثر خروج قرابة ثلاثمائة شخص من مسجد فخر اباد، في وسط طهران، رافعين شعارات تندد بـ«الاستبداد» في ايران.

وكان اغتيال فروهر وزوجته، الذي نُسب الى مسؤولين في وزارة الاستخبارات الايرانية، بداية مسلسل اغتيالات استهدف مثقفين وأدباء معارضين للنظام في اواخر عام 1989.

وقد أعلن آية الله محمود هاشمي شاهرودي رئيس السلطة القضائية الايرانية، ان التحقيقات حول دوافع وملابسات مسلسل الاغتيالات السياسية التي طالت مجموعة من ابرز الشخصيات الثقافية والسياسية المعارضة في بداية العام الثاني لرئاسة محمد خاتمي، استكملت وان من المتوقع محاكمة المتهمين في وقت قريب.

وتتزامن تصريحات شاهرودي مع الذكرى الثانية لمقتل زعيم حزب الشعب الوطني داريوش فروهر وزوجته براونة وثلاثة من الكتاب والمثقفين هم مجيد شريف ومحمد مختاري ومحمد جعفر بونيده الذين قتلوا بصورة بشعة بأمر من سعيد إمامي نائب وزير الاستخبارات السابق علي فلاحيان، وعلى أيدي عناصر من الوزارة، علماً ان بعض المتهمين كشفوا خلال استجوابهم من قبل اللجنة الرئاسية الخاصة التي كلفها خاتمي بالتحقيق حول الاغتيالات، انهم أقدموا على قتل اعداء الثورة بناء على فتاوى صادرة عن بعض علماء الدين المحافظين أهدروا فيها دماء هؤلاء الأعداء.

ورغم وعود رئيس السلطة القضائية ومسؤولين آخرين في القضاء ووزارة الاستخبارات بمحاكمة مسؤولي الأمن المتورطين في قضية الاغتيالات، الا ان أقارب ضحايا عملية معقدة استمرت لأكثر من تسع سنوات داخل وخارج ايران واستهدفت حياة ثمانين معارضاً ومثقفاً وكاتباً يعتبرون تلك الوعود من نوع الوعود التي تلقوها من وزير الأمن السابق قربان علي دري نجف ابادي غداة اغتيال فروهر، ومن محمد نيازي رئيس منظمة القضاء العسكري الذي اكد عدة مرات بأن محاكمة المتهمين بقتل المثقفين والمعارضين ستبدأ قريباً.

وعلمت «الشرق الأوسط» ان السيدة برستو فروهر ابنة داريوش فروهر والتي سافرت من مقرها بالمانيا الى ايران عدة مرات منذ اغتيال والديها اطلعت على جزء من ملف التحقيقات مع المتهمين في زيارتها الاخيرة لطهران، غير انها فوجئت بخلو الملف من محضر التحقيق مع المتهمين الرئيسيين سعيد امامي (الذي انتحر في السجن بعد استكمال التحقيق معه) ومصطفى كاظمي مساعد وزير الأمن السابق وخسروبراتي رئيس فريق العمليات في وزارة الأمن ومهرداد عليخاني مدير عام وزارة الأمن. وتطالب برستو فروهر بمحاكمة قتلة والديها بصورة علنية، غير ان رئيس السلطة القضائية اكد ان القضية مرتبطة بالأمن القومي بحيث يجب ان تجري محاكمة المتهمين بعيداً عن الاضواء وبسرية مطلقة.

وطيلة السنتين الماضيتين، ظلت قضية الاغتيالات السياسية محوراً لنزاع علني وقاس احياناً بين الاصلاحيين الذين يقودهم الرئيس خاتمي ويطالبون باطلاع الرأي العام على تفاصيل جرائم وزارة الاستخبارات بحق المثقفين والمعارضين ليس فقط في شهري نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الاول) لعام 1998 بل خلال سنوات حكم هاشمي رفسنجاني التي تولى علي فلاحيان وزارة الاستخبارات فيها، وبين المحافظين الذين يشرفون على القضاء والاذاعة والتلفزيون وبعض الاجهزة الامنية وعدد من الصحف مثل «كيهان» التي كشف الكاتب الاصلاحي اكبر كنجي المعتقل حالياً في سجن ايفين بسبب كتاباته عن الأطراف المتورطة في الاغتيالات، كشف عن علاقات مديرها حسين شريعة مداري مع سعيد امامي وعلي فلاحيان.

ومنذ ان كشف الرئيس خاتمي عن تورط وزارة الاستخبارات في قتل المثقفين والمعارضين، تعرض هو وأنصاره لحملات مستمرة من قبل المحافظين، التي لم تتوقف عن السعي لإقصائه والقضاء على مسيرة الاصلاحات فحسب، بل ان معظم رجال خاتمي ممن كانوا يتابعون ملف الاغتيالات هم الآن اما في السجن مثل اكبر كنجي وعماد الدين باقي وعبد الله نوري وزير الداخلية السابق، او في بيوتهم صامتون وخائفون على حياتهم حسب قول احد المحامين الذي يتولى الدفاع عن بعض الصحافيين المعتقلين، فيما يقضي مهندس المجتمع المدني والشخصية الرئيسية في الكشف عن دور وزارة الاستخبارات في الاغتيالات، الدكتور سعيد حجاريان مستشار خاتمي وعضو المجلس البلدي، يقضي ايامه على الكرسي المتحرك منذ تعرضه لمحاولة اغتيال اصابته بشلل، على أيدي عناصر من الحرس والبسيج ممن حوكموا محاكمة صورية وصدرت بحقهم احكام خفيفة تلبية لتعليمات من السلطة العليا. وكان احد اعضاء لجنة القضاء في مجلس الشورى الايراني قد كشف عقب زيارته لبعض السجون، ان المتهمين في قضية محاولة اغتيال سعيد حجاريان ليسوا في السجن مما اثار ضجة كبيرة في ايران خاصة بعد ان اعترف رئيس المجمع القضائي بطهران، باطلاق سراح المتهمين لأنهم قدموا طلباً باعادة محاكمتهم في محكمة الاستئناف. ومما يجدر ذكره ان خاتمي اكد مراراً أن قراره الكشف عن تورط وزارة الاستخبارات في عملية اغتيال النخب الفكرية والسياسية في البلاد، كلفه كثيراً.

وأشار خاتمي في خطاب بمدينة همدان الى انه كان واثقاً من ان نزع الستار عن وكر الجريمة بوزارة الاستخبارات والسعي لاستئصال الغدة السرطانية المنتشرة في اجهزة الأمن، سيثيران مشاكل كبيرة له والتيار الاصلاحي المتحالف معه، ورغم ذلك «فانني قررت الخوض في الأمر ومواجهة التحديات بدعم من الشعب» كما ذكر خاتمي في نهاية خطابه.

وهناك اليوم من يرى أن قضية الاغتيالات السياسية هي اخطر تحد واجهته الجمهورية الايرانية منذ تأسيسها في مارس (اذار) 1979، مما يجعل من الصعب ايجاد حل لها دون تعريض مؤسسة الحكم للخطر.

وعلى حد قول سعيد حجاريان مستشار خاتمي وعضو المجلس البلدي فان مصداقية النظام في امتحان. وبدون الكشف عن ملابسات ودوافع وهوية المتورطين في هذه الجريمة البشعة، فان الثقة لن تسود.

علاقة المواطن بالحكم...

غير ان ثمة عوامل تحول دون التوصل الى حل مناسب قد يرضى به الجميع حسب قول مصدر قضائي، فهناك ما لا يقل عن ثلاثين مسؤولاً بوزارة الاستخبارات واستخبارات الحرس ممن اعترفوا بالتورط في عمليات الاغتيال التي طالت رجال المعارضة والكتاب والمثقفين داخل ايران وفي الخارج، غير ان معظمهم ارتكبوا الجرائم التي كانت لديهم فتاوى واحكام صريحة من بعض علماء الدين بتنفيذها. بحيث لا يمكن معاقبة هؤلاء بتهم قتل مواطن معارض في الوقت صدرت فيه فتاوى تعتبر هذا المواطن مرتدا ومحاربا، الى ذلك فان قادة النظام ما عدا خاتمي متفقون في ما بينهم بأن ملف الاغتيالات يجب ان يغلق نهائياً، نظراً الى ان النظام بأسره اصبح في عداد المتهمين. وعلمت «الشرق الأوسط» أن ثلاثة من المتهمين لا يزالون في السجن وهم مصطفى كاظمي مدير عام وزارة الأمن السابق وخسروبراتي ومهرداد عليخاني وكانوا قد شاركوا مباشرة في اغتيال داريوش فروهر وزوجته وكل من محمد مختاري ومحمد جعفر بونيدة. اما باقي المتهمين فقد غادروا السجن اما بكفالة رمزية، او بتعليمات من السلطات العليا، بينما بقي عدد ممّن كشف سعيد امامي في اعترافاته، قبل ان ينتحر، عن دورهم في الاغتيالات مثل وزير الاستخبارات السابق علي فلاحيان ومساعده مصطفى بور محمدي والمستشار السابق لمرشد الثورة مير حجازي وتطالبهم لجنة الأمن القومي في البرلمان بالمثول امام اعضاء اللجنة للرد على اسئلتهم. وفيما لبّى بور محمدي دعوة اللجنة، رفض فلاحيان لحد الآن دعوة البرلمان، وامتنع عضو في اللجنة عن تأكيد او نفي شائعات تقول ان مير حجازي بعث برسالة الى اللجنة، نفى فيها ان يكون له اي علاقة بسعيد امامي وعلي فلاحيان.

ويعتقد المحامي الذي تحدثت معه «الشرق الأوسط» ممن يتولون دعاوى عوائل ضحايا الاغتيالات السياسية ضد وزارة الاستخبارات، بأن هناك سيناريو معداً لاغلاق ملف الاغتيالات، بحيث ستجري محاكمة بعض المتهمين من الصف الثاني والثالث كما وعد رئيس السلطة القضائية. وفيما ستصدر المحكمة حكم الاعدام بحق مصطفى كاظمي واحكاماً ستتراوح بين ثلاث سنوات و15 عاماً لخمسة او ستة من المتهمين، فانها ستبرئ ساحة فلاحيان وبور محمدي ومير حجازي والآخرين ممن اصدروا احكام القتل والفتاوى باهدار دم اكثر من ثمانين كاتباً ومثقفاً ومعارضاً منذ وفاة الخميني ولغاية ديسمبر (كانون الاول) 1998.