مصر: استمرار الغموض حول منفذي عملية بنك سوهاج وإجراءات أمنية مشددة بعد سطو جديد على محل ذهب في الجيزة

مخاوف من موجة عنف أصولي جديدة بعد استيلاء المهاجمين على 690 ألف جنيه

TT

وسعت أجهزة الأمن المصرية من اجراءاتها لتشمل معظم المحافظات المصرية بعد وقوع حادث سطو جديد على محل للذهب بشارع الملك فيصل أحد أكبر شوارع الجيزة، حيث هاجم ثلاثة مسلحين صاحب المحل وأصابوه واستولوا على كمية من المصوغات ولاذوا بالفرار.

ويأتي هذا الحادث بعد أقل من 24 ساعة من الهجوم على مصرفين بمدينة المراغة بمحافظة سوهاج بصعيد مصر وراح ضحيته 13 قتيلا من بينهم أحد المهاجمين، وفي حين توقعت الأجهزة الأمنية الكشف عن منفذي الهجوم خلال ساعات، قالت مصادر أخرى ان الأمر قد يستغرق بعض الوقت بعد ان فشلت الاجهزة الأمنية في تحديد شخصية القتيل المهاجم.

وأبلغت المصادر «الشرق الأوسط» انه لم يعثر للقتيل على بصمات محفوظة في السجلات الاجرامية أو المتعلقة بأنشطة سياسية أصولية الأمر الذي يزيد الغموض المصاحب لهذه العملية الدموية ويصعب الكشف عن منفذيها.

واستكمالا للجهود المتسارعة لكشف هذا الغموض وقفت الأجهزة الأمنية أكثر من 50 شخصاً من المعروفين بأنشطة اجرامية مشابهة، وبعض من لهم علاقات بتنظيمات اصولية، في الوقت الذي تجري فيه عملية عرض صور لبعض المشتبه فيهم على المصابين وشهود العيان.

وأكد مصدر أمني ان رسامي وزارة الداخلية قاموا برسم صور دقيقة للجناة تم توزيعها على أقسام الشرطة، وسوف يتم وضعها في الأماكن العامة للمساعدة في التعرف على الجناة لتحديد الدافع الى السرقة وهل هو جنائي أم يرتبط بحركات أصولية معارضة.

وأشارت المعلومات التي حصلت عليها «الشرق الأوسط» الى ان الجناة فروا الى الجبل الغربي بمنطقة جهينة غرب محافظة سوهاج وهي منطقة شديدة الوعورة وتصعب عمليات المطاردة فيها، لكن اجهزة الأمن فرضت طوقاً أمنياً مشدداً على المنطقة وعلى محافظات المنيا واسيوط وسوهاج لمنع انتقال الجناة الى محافظة أخرى.

ورغم نفي الجماعة الاسلامية المصرية أية علاقة لها بالحادث فإن الأجهزة الأمنية ما تزال تشتبه في علاقة تلك الجماعة بالعملية في الوقت نفسه الذي تراجع فيه علاقة أي من اللصوص المسجلين في عمليات سطو مسلح سابقة.

وأوضح رئيس مجلس ادارة البنك الاهلي المصري الذي تعرض أحد فروعه للسطو ان الحصر الدقيق لأموال البنك بين ان المبلغ المسروق يصل الى 690 ألف جنيه وليس مليونا وثلاثمائة ألف كما قيل أول من أمس، مشيراً الى وجود 350 ألف جنيه في الخزينة الرئيسية للبنك لم يسط عليها اللصوص.

وحرص رئيس مجلس ادارة البنك على تفقد الفرع الذي تعرض للهجوم في مدينة المراغة حيث استأنف عمله أمس، وبدأ في صرف أموال تعويضات حرب الخليج لابناء المدينة، وهي الأموال التي كانت قد وصلت الى البنك قبل يومين من الهجوم عليه.

وحرص محافظ سوهاج اللواء احمد عبد العزيز بكر على زيارة المراغة وتقديم العزاء لأسر الضحايا، والتأكيد على عودة الهدوء الى المدينة التي عاشت ليلة مرعبة لم تعرفها في حياتها، خاصة بعد ان شيعت مساء أول من أمس ضحايا الحادث في جنازة عسكرية مهيبة.

على الصعيد نفسه أبدت مصادر مطلعة في مصر قلقها من ان تكون عملية السطو على فرع البنك الاهلي بمدينة المراغة في سوهاج جنوب مصر، مقدمة لسلسلة جديدة من حوادث العنف الأصولي لاسيما ان الجناة أقدموا على عمل وفر لهم مبلغا كبيرا، وهو ما قد يعينهم على شراء أسلحة وذخائر، بينما وزعت أجهزة الأمن المصرية منشوراً لكافة المصارف والمؤسسات التجارية بأرقام العملات التي سطا عليها الجناة في محاولة لتتبع أي خيوط قد تؤدي للكشف عن الجناة.

وعلمت «الشرق الأوسط» ان هذا الحادث قد تسبب في إرجاء وربما إلغاء الافراج عن دفعة جديدة من «التائبين» كان يجري الاعداد لها خلال شهر رمضان وعيد الفطر المقبل، كما يعيد ملفات متابعة المفرج عنهم ضمن المجموعات الكبيرة من المعتقلين الذين كان قد اطلق سراح الآلاف منهم على مدار العامين الماضيين.

وتحاول المصادر الكشف عما اذا كانت هناك علاقة بين حادث الاعتداء على البنك ومقتل القائد الميداني للجماعة الاسلامية المحظورة في مصر مع عدد من معاونيه في أسوان خلال الشهر الماضي، والذي كان قد تولى قيادة الجماعة بعد مصرع فريد كدواني وثلاثة من مساعديه في صدام مسلح مع الشرطة يوم 7 سبتمبر (ايلول) من العام الماضي في ضاحية العمرانية بالجيزة، وذلك في حال ثبوت ان منفذي الحادث من الجماعات الأصولية، وليس غيرهم، وانه في هذه الحالة تكون مبادرة وقف العنف التي التزمت بها الجماعة طيلة ثلاث سنوات قد منيت بضربة قاصمة، الأمر الذي يرفضه الجناح المعتدل في الجماعة، ويسعون للتنصل من مرتكبي الحادث حتى لا تضيع جهودهم التي بذلوها خلال ثلاث سنوات هباء، بينما يسعى جناح المتشددين وفي مقدمتهم رفاعي طه لإجهاض المبادرة، وفرض العنف كأمر واقع.

كما أبدت المصادر نفسها مخاوفها من أن تكون هذه العملية مقدمة لعمليات عنف جديدة بعد تأمين التمويل اللازم لها، وذلك بعد ان عانت كافة الفصائل الأصولية المحظورة في مصر من أزمات تتعلق بالتمويل، خاصة بعد تطبيق سياسة «تجفيف المنابع»، وتتبع أية أموال تأتيها من الخارج أو الداخل، الأمر الذي قد يدفع أعضاءها لمثل هذه العمليات.

وتبذل الأجهزة الأمنية جهوداً للبحث عن أي علاقة لقائد الجناح العسكري للجماعة الاسلامية رفعت زيدان عبد الله بالحادث، وتفيد المعلومات انه أصولي من الجيل الثاني للجماعة الاسلامية المحظورة في مصر، وان كنيته «عمار» وهو من أخطر عناصر الجماعة الأصولية المحظورة، الذي لم يزل هارباً من ملاحقات الأمن في صعيد مصر، وتحمله أجهزة الأمن المسؤولية عن العشرات من حوادث العنف التي وقعت في قرى ومدن محافظات المنيا واسيوط وسوهاج، وتقول انه كان يقود بنفسه عمليات السطو المسلح وتحديداً في طهطا حيث نفذ فيها مع عدد من أعوانه أبرزهم عبد الحميد أبو عقرب، حادثتي سطو مسلح على محلات صاغة وبنوك، كما نفذوا سبع حوادث مماثلة في اسيوط بنفس السيناريو الذي نفذت به عملية المراغة تماماً.

وتبحث أجهزة الأمن في احتمال ان تكون هذه العملية من تدبير وتنفيذ مجموعة القيادي الاصولي الهارب رفعت زيدان انتقاماً لمصرع الأمير السابق للتنظيم علاء عبدالرازق ثالث القادة العسكريين للجماعة المحظورة منذ عام 1992 وحتى الآن.

وقاد رفعت زيدان أكثر من 30 حادث عنف بالمنيا واسيوط أهمها حادث كنيسة مار جرجس بأبو قرقاص في يناير (كانون الثاني) 1997، والذي راح ضحيته 9 أشخاص واصابة 5 آخرين ومقتل 6 واصابة 4 داخل قطار بمدينة ابو قرقاص في يناير 1995، واغتيال المقدم حسين الورداني و5 مجندين في ديسمبر من عام 1995، ومصرع اللواء جمال فائق وشقيقه المقدم مجدي فائق، والملازم أول رضا والي وغيرهم، وكانت آخر الحوادث التي نفذها القيادي الأصولي في اكتوبر 1997 ضد بعض رجال الشرطة والمواطنين بطريق الحسانية بأبو قرقاص في المنيا، الى جانب عدد من حوادث العنف في اسيوط والمنيا.

أما الجديد في الأمر فهو ان محافظة سوهاج كانت طيلة سنوات المواجهة المتصاعدة بين الأمن والجماعات المسلحة من أكثر محافظات الصعيد هدوءاً، ولم تشهد سوى حوادث متناثرة ومحدودة قياساً بما جرى في محافظات أسيوط والمنيا وقنا التي تحيط بها جغرافياً.